لم تقف جرائم ميليشيات الحوثي الإرهابية في اليمن على القتل والخطف والتعذيب وإدخال البلاد في دوامة العنف فحسب، بل اتجهت إلى تدمير حضارة البلاد وآثارها الممتدة في عمق التاريخ ومنعت المنظمات الدولية من ترميم المباني الأثرية، خاصةً في صنعاء التاريخية المدرجة في قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو».
وقال خبراء ومحللون سياسيون لـ«الاتحاد»: إن ممارسات ميليشيات الحوثي تستهدف طمس معالم الهوية اليمنية العربية بتدمير التراث والآثار، مؤكدين ضرورة الضغط الدولي على الميليشيات للحفاظ على المدن القديمة حتى لا تخرج من قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي. وتسببت السيول والأمطار الجارفة خلال الفترة الماضية في انهيار مبانٍ أثرية عديدة في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية الأخرى، ما دفع منظمة «اليونسكو» إلى إعلان إعادة ترميمها، لكن ميليشيات الحوثي حالت من دون ذلك.
وعمدت الميليشيات إلى نهب المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية، ونفائس نادرة تحتوي على تاريخ وحضارة اليمن القديمة، وذلك من مكتبة «زبيد» الواقعة في القلعة التاريخية بالمدينة التابعة لمحافظة الحديدة.
كما اتخذت الميليشيات الإرهابية القلاع التاريخية ثكنات عسكرية وسجوناً، فيما فجروا ونهبوا أخرى ضمن طمس ممنهج للمعالم الأثرية. ودمرت الميليشيات قصر «السخنة» التاريخي أحد أهم المعالم التاريخية والأثرية الواقعة إلى الجهة الشرقية في الحديدة، والتي تضم مباني مدرجة على قائمة التراث العالمي. وأكد المحلل السياسي اليمني عبد الكريم الأنسي أن ممارسات ميليشيات الحوثي تستهدف طمس الهوية الوطنية العربية، وأن هذه الممارسات لا تتضمن فقط تهديد الآثار، لكن أيضاً تخطط لتحول ديموجرافي وطمس الهوية البصرية لليمن.
وأوضح الأنسي في تصريحات لـ«الاتحاد» أن منظمة «اليونسكو» هددت أكثر من مرة بإزالة صنعاء من قائمة التراث العالمي بسبب الممارسات الحوثية ورفض ترميم المباني الأثرية والمتاحف. وأدرجت «اليونسكو» صنعاء القديمة على قائمة التراث العالمي في العام 1986، لكن مع تراجع جهود الحفاظ عليها، أقرت المنظمة العام 2015 إنزال المدينة إلى قائمة التراث المهدد بالخطر، وهي خطوة تسبق عادةً إخراج المدينة من قائمة التراث العالمي، إذا لم تعمل السلطات المعنية على إزالة المخالفات.
ومنذ عام 2014، دمرت ميليشيات الحوثي بشكل ممنهج المواقع الأثرية في مناطق سيطرتها ونهبت المتاحف وعمدت إلى بيع القطع الأثرية في السوق السوداء وتهريبها، بما في ذلك متاحف تعز وعدن والضالع وغيرها. بدوره، كشف المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر عن أن «ميليشيات الحوثي الإرهابية تطالب بالأموال من المنظمات الدولية تحت بند ترميم المباني الأثرية المهددة بالاندثار، بينما تقوم بتحويل الأموال المتحصل عليها إلى خزائنها، لذلك هناك خلافات كبيرة بين المنظمات الدولية والميليشيات الإرهابية».
وأوضح الطاهر في تصريحات لـ«الاتحاد» أن «الميليشيات تنظر إلى اليمن وإلى تراثه وثرواته وشعبه من منظور النهب والاستغلال لخدمة أجندة خاصة وتغيير الهوية العربية ولا يهمها التراث الوطني»، مدللاً على ذلك بتجاهلها للتحذيرات المتعددة باختفاء التراث المحلي.
وأكد المحلل السياسي السعودي أصيل الجعيد أن ممارسات «الحوثي» تشكل خطراً جسيماً على الآثار في اليمن وتحديداً في صنعاء القديمة التي تعتبر من أقدم مدن العالم، ويتجلى تراثها المتنوع في عمارة 103 مساجد و14 حماماً أثرياً وأكثر من 6 آلاف منزل بنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر، وتم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، من قبل «اليونسكو» وهي معالم تقوم لجنة التراث العالمي بترشيحها ليتم إدراجها ضمن برنامج مواقع التراث الدولية.
وأشار الجعيد، وهو أستاذ للقانون الدولي في تصريحات لـ«الاتحاد»، إلى أن «ميليشيات الحوثي الإرهابية ليس لها وجود رسمي معترف به دولياً وهي جماعة مارقة على تاريخ اليمن، وتمنع الجهود الأممية في ترميم المباني التاريخية المتضررة، لذا يجب أن يقوم المجتمع الدولي بدوره في حماية آثار اليمن لأنها جزء مهم من آثار الجزيرة العربية وتروي قصص البلاد القديمة التي من الأهمية بمكان أن يطلع عليها الجيل الجديد من الشباب الذي يؤمن بالسلام بعيداً عن معتقدات الحوثي وتطلعاته التي جعلت الشعب اليمني يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق».