«جاء فجر حقبة جديدة في علم الفلك»، بهذه الكلمات وصفت وكالة ناسا الفضائية ما نجح التلسكوب جيمس ويب التابع لناسا في التقاطه وإظهاره للمرة الأولى حول المجموعة الكاملة من أول صور كاملة الألوان وأعمق صورة للكون، والتي نشرتها ناسا أمس، وأعلنت تفاصيل جديدة عنها اليوم الثلاثاء، حيث نشرت 4 صورة جديدة اليوم.
ونشرت وكالة ناسا أول صور كاملة الألوان وبيانات التحليل الطيفي للتليسكوب خلال بث متلفز اليوم، حيث تم التقاط هذه الصورة في ضوء الأشعة تحت الحمراء بواسطة تليسكوب جيمس ويب الفضائي الجديد، والتى تكشف لأول مرة مناطق غير مرئية من قبل لولادة النجوم.
وأوضحت ناسا في تقرير أن هذه المناظر الطبيعية من «الجبال» و«الوديان» المليئة بالنجوم المتلألئة هي في الواقع حافة منطقة تشكل نجوم قريبة وشابة تسمى NGC 3324 في سديم كارينا، متابعة: أن المنحدرات الكونية تبدو وكأنها جبال صخرية في أمسية مقمرة وأعلى «القمم» في هذه الصورة يبلغ ارتفاعها حوالي 7 سنوات ضوئية.
وبعد ما التقطه التلسكوب جيمس ويب تستكشف ناسا المجهول في الفضاء وتروي ملاحظات ويب الأولى قصة الكون المخفي من خلال كل مرحلة من مراحل التاريخ الكوني- من الكواكب المجاورة خارج نظامنا الشمسي، والمعروفة باسم الكواكب الخارجية، إلى أبعد المجرات التي يمكن ملاحظتها في العالم.
وقال مدير ناسا بيل نيلسون: «اليوم، نقدم للبشرية رؤية جديدة رائدة للكون من تليسكوب جيمس ويب الفضائي- وجهة نظر لم يسبق للعالم رؤيتها من قبل»، مضيفا أن «هذه الصور، بما في ذلك أعمق رؤية بالأشعة تحت الحمراء لكوننا تم التقاطها على الإطلاق، توضح لنا كيف سيساعد Webb في الكشف عن إجابات للأسئلة التي لا نعرف حتى الآن طرحها؛ الأسئلة التي ستساعدنا على فهم عالمنا ومكان البشرية فيه بشكل أفضل».
بينما أوضح جريج روبنسون، مدير برنامج ويب في مقر ناسا: «نحن سعداء للاحتفال بهذا اليوم الاستثنائي مع العالم»، موضحا أن «التنوع الجميل والتفاصيل المذهلة لصور وبيانات تليسكوب ويب سيكون له تأثير عميق على فهمنا للكون ويلهمنا لتحقيق أحلام كبيرة».
تفاصيل الاكتشافات وكشفت وكالة ناسا عن 4 صور جديدة للتلسكويب جيمس ويب، حيث قدمت صور تلسكوب جيمس ويب مجموعة المجرات “SMACS 0723″، وهي أعمق وأدق صورة بالأشعة تحت الحمراء للكون البعيد حتى الآن- وفي غضون 12.5 ساعة فقط، وكذلك كشفت معلومات عن الكوكب الغازي العملاق WASP-96b حيث كشفت عن البصمة الواضحة للمياه، جنبًا إلى جنب مع أدلة على الضباب والسحب التي لم تكتشفها الدراسات السابقة لهذا الكوكب، ومن المرتقب أن يبدأ ويب في دراسة مئات الأنظمة الأخرى لفهم مكونات الغلاف الجوي الأخرى للكواكب.
والصورة الثانية عن السديم الدائري الجنوبي، أوضحت أنه عبارة عن سحابة غازية متوسعة تحيط بنجم محتضر، ما يقرب من 2000 سنة ضوئية، يمكن للتلسكوب جيمس ويب استكشاف قذائف طرد الغبار والغاز من النجوم المسنة التي قد تصبح يومًا ما نجمًا أو كوكبًا جديدًا.
وكذلك كشفت الصورة الثالثة عن مجرات ستيفن الخماسية، الواقعة في كوكبة بيغاسوس، وهي مجموعة مدمجة من المجرات إن هذه الصورة توثق تفاصيل نادرة عن كيف يؤدي تفاعل المجرات إلى تكوين النجوم وكيف يتم تحريك الغاز في المجرات.
وعرضت الصورة الرابعة سديم كارينا أو سدين القاعدة، وهو مجموعة من المنحدرات الكونية وتكشف الصور عن المراحل الأولى والسريعة لتشكيل النجوم التي كانت مخبأة في السابق، حيث تمكن من رؤية النجوم المتكونة حديثًا ودراسة الغاز والغبار الذي تسبب في تكوينها.
آراء الباحثين
يقول أحمد سليمان، الباحث المصري بمعهد «كالتك» بأميركا، ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، والمشارك في مشروع البحث عن اللحظات الأولى من عمر الكون لـ«الشرق الأوسط»: «تجربتنا تبحث في بدايات الكون مع لحظة الانفجار العظيم، حيث لم تكن هناك مجرات ونجوم، وذلك قبل نحو 13.5 مليار سنة، ولكن جيمس ويب ينظر في الفترة التي تلت الانفجار العظيم في بدايات تشكل النجوم والمجرات قبل 13.8 مليار سنة.
ونظرت تلسكوبات أخرى مثل تلسكوب «هابل» الفضائي في النجوم والمجرات، ولكن في نهاية فترة تشكلها، ولكن «جيمس ويب» ينظر في بدايات تشكلها، وهو ما سيعطي معلومات في غاية الأهمية حول كيفية تشكل النجوم والمجرات، كما يؤكد سليمان.
ويضيف أن تلسكوب «هابل» كان يأخذ وقتا طويلا يصل لأسابيع لالتقاط صورة واحدة، ولكن «جيمس ويب» يلتقط صوره خلال ساعات، وبدقة متناهية، وبتفاصيل دقيقة، ومنها «الضوء المنحني» الذي يظهر في الصورة المنشورة، لأن الضوء قادم من بدايات الكون واصطدم بأشياء كثيرة حتى يصل إلينا.
ويظهر في الصورة عنقود المجرات SMACS 0723 وهي مجموعة من آلاف المجرات التي تحتوي على مليارات النجوم تبعد عنا حوالي 4.6 مليار سنة ضوئية، وهذه القطعة من السماء تُمثل مجرد بقعة صغيرة جداً من الكون.
ويقول رمزي عبد العزيز، عضو هيئة التدريس بمركز الفحص المجهري النانوي بجامعة آلتو بفنلندا لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تتمعن في الصورة، وتتخيل أن حجم كوكبنا الأرضي أمام حجم الكون كله وما يحتويه من آلاف المليارات من المجرات هو كمثل حجم حبة رمل في وسط كل رمال الصحاري وشواطئ البحار وأعماقها وأضعافها وأضعاف أضعافها، عندها سيدرك البشر حجمهم الطبيعي بالنسبة للكون».
وتمثل كل نقطة في الصورة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مجرة كاملة، وكل مجرة تحتوي على قرابة 400 مليار نجم، وهذا يوضح قيمة التلسكوب الذي يدور في مدار (لاغرانغ) والذي يبعد عن الأرض مسافة مليون و500 ألف كيلومتر، وتم بناؤه بتكلفة تفوق 10 مليارات دولار أميركي، واستمر بناؤه 20 سنة كاملة، كما يوضح عبد العزيز.
وتمثل هذه الصورة بالنسبة لرئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر جاد القاضي، مجرد «فاتح للشهية» تمهيداً لوجبة علمية دسمة، سيتم تقديم مكوناتها تباعا.
ويقول القاضي لـ«الشرق الأوسط»: «الصورة المنشورة هي أول الصور الملونة الكاملة للتلسكوب، وسيتم إصدار مجموعة كاملة من الصور في الأيام القادمة، وسيبدأ الباحثون في معرفة المزيد عن كتل المجرات وأعمارها وتاريخها وتركيباتها».
ويشير القاضي إلى مجموعة من الأسئلة التي سيساعد التلسكوب وصوره في الإجابة عنها، مثل «هل توجد كائنات فضائية أم لا؟»، و«هل توجد عناصر للحياة خارج كوكب الأرض؟»، و«أين نحن في كوكب الأرض من الكون؟»، و«ما هو عمق الكون وعمره الدقيق وكيفية نشأته؟».
معلومات عن تلسكوب جيمس ويب أطلق تلسكوب جيمس ويب الفضائي في 25 ديسمبر 2021 على صاروخ آريان 5 من ميناء الفضاء الأوروبي في غيانا الفرنسية بأمريكا الجنوبية، وبعد الانتهاء من تسلسل نشر معقد في الفضاء، خضع التلسكوب جيمس ويب لأشهر من التكليف حيث تمت محاذاة مراياها، وتمت معايرة أدواتها مع بيئتها الفضائية وإعدادها للعلم.
وأوضحت وكالة ناسا أنه يمكن للجمهور أيضًا مشاهدة صور التلسكوب جيمس ويب الجديدة يوم الثلاثاء على عدة شاشات رقمية في Times Square بمدينة نيويورك وفي ميدان Piccadilly في لندن بدءًا من الساعة 5:30 مساءً. بتوقيت شرق الولايات المتحدة و10:30 مساءً. GMT، على التوالي.
وبعد تلك الاكتشافات ستتاح الفرصة لعلماء الفلك في جميع أنحاء العالم لمراقبة أي شيء بدءًا من الأجسام الموجودة داخل نظامنا الشمسي وحتى الكون المبكر باستخدام أدوات Webb الأربعة.
ويعد التلسكوب جيمس ويب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا هو شراكة مع وكالة الفضاء الأوروبية ESA ووكالة الفضاء الكندية CSA.