كشف تقرير صحفي، عن مأساة مستمرة منذ أكثر من خمسة شهور، لم يسلط عليها الإعلام الضوء كما ينبغي، ولم تيمم المنظمات الإنسانية والحقوقية وجهها نحوها، بسبب حالة العزلة التي فرضها الحوثيون عليها، منذ يناير الماضي2022.
التقرير الذي أعده الصحفي اليمني كمال صالح، كشف عن عشرات القرى في مديريتي ناطع ونعمان، الواقعتين شمال شرق البيضاء (وسط اليمن)، يعيش فيها آلاف المواطنين أوضاعاً سيئة بسبب العزلة والحصار، جراء تفجير الحوثيين الجسور والعبارات في عقبتي القنذع بمديرية نعمان ومالح بمديرية ناطع، التي تربط مناطقهم بمحافظة شبوة، وزراعة تلك المناطق بالألغام، خشية تقدم القوات الحكومية إبان العملية العسكرية التي أطلقتها تلك القوات بدعم من التحالف مطلع العام الجاري.
وأصبحت الألغام المنتشرة بكثافة، سبباً في سقوط عدد من الضحايا المدنيين، منهم ثلاثة أطفال في مديرية نعمان، إضافة إلى تدمير عربات وممتلكات تابعة لمواطنين في مديرية ناطع، والتسبب بإغلاق تلك المناطق وجعل التنقل عبرها شبه مستحيلاً.
ولم يكتف الحوثيين، وفقاً لمديري مديريتي "ناطع ونعمان" بذلك، بل قاموا بقطع الاتصالات والانترنت عن تلك المناطق، ومنذ ذلك الحين، يقبع السكان في عزلة تامة، لا أحد يعلم ما يحدث في مناطقهم، ولا هم يعلمون ما يحدث خارجها، إلا ما يأتيهم عبر المسافرين القادمين مشياً على الأقدام من أسواق بيحان للحصول على الحاجيات، على ظهور الدواب. في مطلع العام الجاري ٢٠٢٢، وتحديداً في شهر يناير، أطلق التحالف عملية أسماها "حرية اليمن السعيد"، وشاركت فيها قوات من ألوية العمالقة والجيش اليمني، وفعلاً نجحت تلك القوات في بسط سيطرتها على قرابة ٧٠ بالمائة من مساحة ناطع ونعمان.
لكن الحوثيون خلال تلك الفترة، فجروا الجسور في الطرق، كما زرعوا الألغام على امتداد الطرقات الفرعية بينما أصبح مستحيلاً التنقل عبر الطرق الرئيسية الإسفلتية، بسبب إعلانها مناطق عمليات عسكرية من قبل التحالف آنذاك، ومن هنا بدأت قصة المعاناة التي لم تنته حتى اليوم.
ولا يوجد في ناطق عزلة محررة بالكامل، باستثناء عزلة مسور، بينما أغلب عزل المديرية تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وهي الحساء، وعزلة ريمة، عزلة بارماد، عزلة ذي مسنومة، وعزلة الدعيمة، وعزلة آل سودان، وعزلة الغيلة، وعزلة آل فرج، وعزلة آل منصور، وعزلة وحلان، وعزلة وعلة آل رقاب. أما في مديرية نعمان، فسيطر الحوثي على أغلب المديرية باستثناء عزلة الساحة، والعزل الواقعة تحت سيطرة الحوثي، هي البديع والجدير وحجراء، وحصير الجار، والرحلة، والغول، واللخف، والمرحاض.
لماذا السكان محاصرون؟ تساؤلات كثير حول لماذا يمكن وصف الوضع في هذه المناطق بأنه حصار، بالرغم من أن أغلبها تحت سيطرة الحوثي، والإجابة، تكمن في الألغام المزروعة بكثافة.
إضافة إلى ذلك، فإن الطرق التي تم تفجيرها، دفع السكان للبحث عن طرق بديلة صعبة ووعرة، للتنقل، وهذا الأمر يكلفهم جهد ووقت، ومعاناة، فضلاً عن حالة العزلة المفروضة جراء رفض الحوثي السماح بإصلاح شبكات الاتصالات المتضررة جراء القصف والمعارك التي شهدتها مناطقهم.
كارثة الألغام كغيرها من المناطق التي شهدت مواجهات، حول الحوثي أغلب مناطق التماس بين هذه المديريات، وبين شبوة ومأرب إلى حقول ألغام، ما تسبب في تقييد حركة المواطنين، كما تسبب ذلك بسقوط ضحايا من المدنيين.
حينما أطلق التحالف والقوات الحكومية، عملية "حرية اليمن السعيد"، فرض حظراً على الحركة في الطرق الرئيسية، لمنع وصول تعزيزات الحوثيين، بينما أقدم الحوثيون على زرع الطرق الفرعية بالألغام، كما هو حال الطريق الذي يربط مديرية نعمان بمديرية الوهبية، خوفاً من تقدم القوات الحكومية نحوها، وهذا الأمر تسبب في ما يشبه الحصار على أغلب سكان المديريتين.
كما قام الحوثيون بزراعة الألغام في الطريق الذي يربط مديرية نعمان، بمديرية عين بمحافظة شبوة، واستحدثوا ثكنات عسكرية فيها، فضلاً عن قيامهم بتفجير العبارات والجسور في عقبة مالح (التي تربط مديرية ناطع ببيحان)، وعقبة القنذع (التي تربط نعمان بمديرية بيحان أيضاً)، لوقف تقدم مزيد من القوات الحكومية في اعقاب تحرير مديريات عين وبيحان وعسيلان بشبوة، وأجزاء من حريب بمحافظة مأرب.
يقول مديرية مديرية "ناطع" مسعد الصلاحي، أن معاناة سكان ناطع، بدأت في ١٥ فبراير ٢٠٢٢، وإلى اليوم الحال لم يتغير، يعيش الناس تحت الحصار الذي تسببت به الألغام تحديدا. ويضيف الصلاحي، هناك ضحايا جراء الألغام، وهناك أضرار مادية، منها إعطاب ثلاث سيارات، وهناك موجة نزوح حدثت منذ ذلك الحين، مئات الأسر نزحت داخلياً في الشعاب وإلى بيحان المجاورة".
وفي نعمان، يقول سيف العواضي مديري مديرية نعمان، أن الحصار مستمر جراء الألغام وحالة الرعب التي يفرضها الحوثيون على السكان، لافتاً إلى أن الألغام تسببت بمقتل ثلاثة أطفال من أبناء المديرية هم "محمد علي عبدربه صالح الجعملي، وبشار علي عبدربه الجعملي، وعبدربه حسين محمد الجعملي"، والذين سقطوا حينما كانوا يرعون الأغنام. العودة لزمن الدواب
ويقول سيف العواضي في حديثه، أن "مديرية نعمان تحد مديرية بيحان، ومديرية عين، ومديرية حريب والعبدية، والطرق التي تربط المديرية بهذه المديريات والمناطق مقطوعة إما بسبب تفجير الجسور، أو بسبب الألغام التي زرعها الحوثيون".
ولفت إلى أن أقرب منطقة لجلب احتياجات المواطنين هي بيحان التابعة لمحافظة شبوة، لكن بسبب تفجير عقبة القنذع، وزرع الألغام أصبح الوصول إليها صعباً، ما يدفع السكان للذهاب على متن الدواب للحصول على الاحتياجات عبر طرق وعرة.
ويشير العواضي إلى أن الطريق الوحيد المتاح حالياً عبر مديرية السوادية، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، الأمر الذي جعل السكان تحت رحمة المليشيا أثناء التنقل والسفر عبره، والكثير وفقاً "للعواضي" تعرضوا للاختطاف والأذى على يد الحوثيين، حيث لا يزال العديد من المواطنين معتقلين حتى لحظة إدلاءه بهذا التصريح.
وليس الوضع بأفضل حالاً في ناطع، حيث أغلبية السكان ممن آثروا البقاء في قراهم، يعانون الأمرين جراء صعوبة التنقل والسفر إلى الأسواق لجلب حاجياتهم الضرورية. يقول مسعد الصلاحي، مدير مديرية ناطع، إن السكان في المديرية يعانون من الحصار، ويضطرون لجلب حاجاتهم على ظهور الدواب من بيحان، لافتاً إلى أن الوضع الإنساني صعب، وأن الحوثيين أعادوا هذه المناطق إلى "العصر الحجري"، حسب وصفه.
وأضاف "الصلاحي": "الطرق مقطوعة والشعاب ملغمة، وهذا جعل التنقل صعباً، أكثر من عشرين ألف نسمة محاصرين، تنقلهم مشياً على الأقدام، أو على ظهور الحمير، لنقل أغراضهم من بيحان المجاورة، ناشدنا التحالف والشرعية التدخل لوضع حد لهذه المعاناة، لكننا لم نجد أذن صاغية".
عزلة تامة ألغام الحوثيين قيدت المواطنين في نعمان وناطع، وتفجير الطرق الرئيسية في عقبتي القنذع ومالح باعد أسفار السكان وجعل السفر مشقّة لا تطاق، ومع إصرار الحوثيين على بقاء شبكات الاتصالات والانترنت مقطوعة، تصبح هذه المناطق معزولة حرفياً عن العالم. يقول سيف العواضي مدير مديرية نعمان: "تعمد الحوثيون قطع تغطية الاتصالات ومنعوا إصلاح الشبكات، حتى لا يطلع العالم على ما يرتكبونه من جرائم".
ولفت إلى أن أخبار الانتهاكات في مديرية نعمان، لا تصل إلا عبر المسافرين، ممن يتمكنوا من الخروج نحو بيحان، أو نحو مدينة البيضاء عبر مناطق سيطرة الجماعة. مسعد الصلاحي هو الآخر أكد أن الوضع في ناطع لا يقل سوءاً، مشيرا إلى أن قطع شبكات الاتصالات، جعل هذه المناطق مسرح لانتهاكات يومية يرتكبها الحوثيون.
نزوح مستمر وفقا لمصادر رسمية (في إدارة مديريتي نعمان وناطع)، فإن قرابة ٨٠٠ أسرة نزحت من المديريتين منذ انتقال المعارك إليهما مطلع العام الجاري، وبعد سيطرة الحوثي على أغلب جغرافيا المديريتين.
يؤكد سيف العواضي مدير مديرية نعمان، أن قرابة ٣٠٠ أسرة نزحت إلى بيحان وعتق، بينما البقية لم يتمكنوا بسبب صعوبة التنقل بسبب الألغام، لافتاً إلى غياب في تقديم العون للنازحين، بسبب قلة الإمكانات.
الناشط الإعلامي الضريبي، أكد هو الآخر أن قرابة ٤٠٠ أسرة نزحت من ناطع، لافتاً إلى أنهم يعانون من أوضاعاً معيشية صعبة في ظل غياب عمل المنظمات، والجهات الإغاثية. واضطرت مئات الأسر من سكان هذه المناطق إلى المغادرة إلى المحافظات المحررة خوفاً من بطش الحوثي، خصوصا نحو شبوة ومأرب ومناطق أخرى، بينما يواجه بقية السكان قدرهم اليومي، تحت سيطرة الجماعة الحوثية.