ما المواضيع الساخنة التي يتناولها مديرو ومسؤولو الشركات متعددة الجنسيات عندما يجتمعون؟ في اجتماع عقد مؤخراً حضره 20 مديراً تنفيذياً وغيرهم من كبار مديري الشركات المنتشرة حول العالم، كان هناك العديد من أشكال التعبير عن القلق الذي يساورهم؛ كيف ينظر الآخرون إلى شركاتهم، وإليهم أيضا؟
كان هؤلاء المديرون من قطاعات مختلفة، مثل البنوك، والبيع بالتجزئة، والتصنيع، والنفط، والغاز. وقد وُضِعوا جميعا في موقف دفاعي بسبب آراء عبّرت عنها مجموعة متنوعة من الناس: إعلاميون، ومستثمرون، ونقابيون وسياسيون. كان ظاهراً للعيان أن العديد من زملائي المديرين، وهم يواسون بعضهم البعض علناً، شعروا أنه يُساء فهمهم.
لكني لم استطع أن أزعزع الفكرة التي راودتني: وهي أن الأشخاص المنتقدين هؤلاء كانوا في الحقيقة يفهمون أكثر مما يدرك المديرون. وبدلا من اتخاذ موقف دفاعي في مواجهتهم، ربما يكون الوقت قد حان للإصغاء إليهم وإلى انتقاداتهم قليلاً.
بعد ذلك الاجتماع والعديد من الاجتماعات المماثلة، أصبحت مقتنعاً بأنه آن الأوان لأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين أن يعيدوا النظر في كيفية تقبل رأي الآخرين، وماذا يعني قولهم "نحن" و "هم".
وبدلاً من محاولة التوفيق بين آراء، ونزعات، ووقائع جديدة من ناحية، وبين طريقة تفكير بالية من ناحية أخرى، فإني أؤمن أكثر من أي وقت مضى بأنه يتوجب علينا تحدي أنفسنا كي نتأمل بعمق وشمولية وبطريقة نقدية أيضا في دورنا الذي نقوم به. ليس فقط في أسلوب إدارتنا للشركات، ولكن أيضاً في الموقع الذي يناسبنا في المجتمع، وفي مجال الاقتصاد. إن التصورات التي يكوّنها الآخرون عنّا ليست إلا أداة للقيام بذلك.
في لقاءات جرت مؤخراً، بما فيها "المنتدى الاقتصادي الدولي" في "دافوس"، وجدت نفسي مستمعاً لأشخاص يبدون ملاحظات معقولة حول مبادئ مثل المساواة – أو عدم المساواة بشكل أدق- وسوق العمل، ورواتب المديرين، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والممارسات التجارية العادلة، وغيرها الكثير. مع ذلك، كان يغلب عليها أسلوب التفكير الفوقي والنظر إلى الأمور من أعلى. فالأمر يتعلق بكيفية تغيير الظروف المحيطة بالعمل وليس تغيير الطريقة التي ينجز بها العمل.
ونحن كمديرين، قلّما نقابل استبطاناً صادقاً. فنحن نسمع كلاماً كثيراً عن الآخرين بوصفهم "هُم"، وكلاماً قليلاً رائعاً عما نستطيع "نحن" القيام به بشكل مختلف. كيف يمكن لمديرين تنفيذيين في شركات، أو حتى مديرين بدرجات متوسطة، أن يقوموا بإجراء تغيير ما؟ ما الذي يمكن لأعضاء مجالس الإدارة أن يقوموا به ليغيّروا طريقة إنجاز الأعمال؟ كيف يمكن للقادة أن يغيّروا من أنفسهم، بدلاً من التركيز على الكيفية التي يرون بها الآخرين؟
تغير العقلية
إن منتديات النقاش الكبيرة، واجتماعات المديرين التنفيذيين، وغيرها من تجمعات المنظمات المهنية، لها أهمية في لمِّ شمل الأفراد في تلك المؤسسات. إنها توفر فرصة لتعلم أمور جديدة، وعقد صفقات أيضا، والالتقاء بأشخاص يشاركونك الرأي.
ولكن يمكن لهذه التجمعات أن تُظهر مشاكل متأصلة فيها؛ فمن السهل أن تصبح قاعات لصدى الصوت، حيث يستمع الناس فقط إلى ما هو إيجابي في أعمالهم. والأسوأ من ذلك، أن يستمعوا لما يرتكبه الآخرون (وليس نحن) من أخطاء.
بالنسبة للمديرين (وفي الحقيقة، لأي شخص آخر) لكي يجيدوا الفعل، ويشيّدوا صروحاً أقوى، ويطيلوا من عمر شركاتهم، ويصبحوا قادة أفضل، فإنه يتوجب على هذه التجمعات– مهما كان حجمها- أن تكون في نفس الوقت أماكن لتبادل الأحاديث الصريحة والعلنية.
علينا أن نواجه أنفسنا ونتحداها، حتى لو ضايقنا ذلك. بعض الأمثلة الناجحة التي شاركت فيها كانت ضمن مجموعات صغيرة من أصدقاء موثوقين. كان الهدف من الاجتماع يُعلن منذ البداية؛ مثل تخطي الحدود التي ننظر منها إلى موضوع معين – سواء كان ذلك يخص مناقشة مهارات القيادة، أو الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات. أحياناً، ما يساعد في الأمر هو التركيز على مناقشة موضوع ما، وليس أشخاص– إنها وسيلة جيدة لطرح أفكار جديدة دون إبراز عيوب الأشخاص الجالسين فعلياً حول طاولة الاجتماع.
تطور مزعج
ربما يكمن الجواب في الانزعاج الذي قد يبديه مسؤولو الشركات. فلن تتطور الاقتصاديات والشركات أبداً، والأشخاص الذين يقودون هذه الشركات لن يبتكروا شيئاً على الإطلاق، ما لم تكن هناك أماكن نسأل فيها أنفسنا أسئلة مزعجة.
الأمر بنفس الأهمية للمنظمات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وللشركات غير الربحية، وللمؤسسات التعليمية. وربما يكون الأمر أكثر أهمية لهذه المجموعات، فإن لم تكن مرنة ومنفتحة على مختلف الآراء، وسريعة البديهة، فستكون أكثر عرضة للفشل، وذلك لأنها تفتقد إلى حجم الشركات الأكبر، ونفوذ السوق الذي تتمتع به.
مهما كان نوع الشركة أو قطاع العمل، فالأمر الحاسم هو الدفع باتجاه الخروج مما يريحنا، لنتطور كبشر، ولكي ننجح العمل والشركة، ولننشر معنىً للعمل والحياة.
في اللحظة التي نسمع فيها الناس من حولنا وهم يرددون آرائنا، فذلك يعني أن علينا أن نوسع دائرة المحيطين بنا، سواء كان ذلك عن طريق تغيير الأشخاص من حولنا، أو استبدال الأسئلة التي نوجهها لأنفسنا أو للآخرين.
إن قاعة الصدى، التي تردد آراءنا، تمثل ضررا حقيقيا للقادة وللمؤسسات التي نحاول بناءها. وعندما نبدأ في تفسير الأمور التي لا تسير على هوانا بأنها منهم "هم"، ينبغي دقّ ناقوس الخطر. في نهاية الأمر، ربما لا تكون المشكلة في "هُم".