مع بقاء سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية، على قطاع الاتصالات تتزايد المخاطر الوجودية على ملايين اليمنيين، بعد أن حوّلت الجماعة هذا القطاع الخدمي المهم إلى أداة لملاحقة كل من يختلف معها سياسياً وجعلهم أهدافاً سهلة للابتزاز ولجرائم الاختطاف والقتل. فبعد أن أحكمت المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، سيطرتها على مفاصل وزارة الاتصالات والمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية، والشركات التابعة لها "يمن موبايل" و"تيليمن" و"يمن نت"، واستبدلت كل قيادات وكوادر تلك المؤسسات بعناصرها، استولت على شركات الهاتف المحمول الخاصة (سبأفون، وإم تي إن، وواي) وأجرت تغييرات في إداراتها وحوّلتها إلى ملكيات خاصة تدر لها الأموال وتساعدها في التخلص من كل من يرفض الانصياع لها.
أدوات للتجسس
وكشف تقرير حديث صادر عن شركة ريكورد فيوتشر Recorded Future الدولية المتخصصة في استخبارات التهديد الالكتروني، أن ميليشيات الحوثي كثفت من مراقبتها لمحتوى شبكة الإنترنت، وقامت بنشر أجهزة تحكم "نتسويبر" net swiper في شركة الإنترنت اليمنية "يمن نت" وتستخدمها لمراقبة مستخدمي الانترنت وجمع المعلومات الاستخباراتية عن النشطاء. وأكد خبراء الأمن السيبراني أن المليشيات الحوثية تمكنت من اعتراض حركة مرور المعلومات على الشبكة والتطفل على العديد من مستخدمي الانترنت في اليمن، ومن ضمنها التجسس على المستخدمين في تطبيق الـ"واتس اب"، وفقاً لـ شركة ريكورد فيوتشر. ومؤخّراً ربطت مليشيا الحوثي منظومة الاتصالات العامة بما يسمّى جهاز الأمن والمخابرات (جهاز جديد يتبعها ناتج عن دمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي) ووفقاً لمصادر فإن المليشيات أضافت أنظمة جديدة لشبكة الاتصالات خاصة بالتنصت ويشرف على تشغیلھا في صنعاء خبراء من "حزب الله" الإرهابي الذراع الإيرانية في لبنان. وأكدت المصادر، أن المليشيات الحوثية تمكنت بمساعدة مهندسي "حزب الله" من تسخير قطاع الاتصالات للتجسس على المكالمات والرسائل النصية للمشتركين المعارضين لها والإيقاع بكل من يرفض الانصياع لها واختطافهم وتعذيبهم، وقد يصل للإضرار بحياتهم الشخصية. وتسببت هذه الممارسات في تراجع اليمن إلى ذيل المؤشر العالمي للأمن السيبراني GCI، حيث حلّت في المرتبة 172 من ضمن 175 دولة في التصنيف الصادر عن الاتحاد الدولي للإتصالات التابع للأمم المتحدة للعام 2018 مسجلة تراجع بمقدار 9 نقاط عن ترتيبها في المؤشر العالمي للعام 2016م.
تسهيلات وابتزاز
ومؤخراً تعرضت عدّة حسابات على تويتر لإعلاميين ونشطاء يمنيين معارضين للمليشيات الحوثية للإختراق والسيطرة عليها واستخدامها لبث إشاعات وأخبار مضللة تساند هجوم المليشيات الحوثية على محافظة مارب ومنشورات أخرى تهدف لضرب معنويات سكان المحافظة والنازحين فيها. واتهم الناشط الإعلامي عبدالمحسن المراني، شركات الاتصالات في صنعاء بتقديم التسهيلات للمليشيات الحوثية لاختراق حسابات الناشطين على منصات وسائل التواصل من خلال تسليمهم معلومات وبيانات المشتركين وحجب الرسائل الواردة إليهم من شركة تويتر أو فيسبوك بشأن معلومات الأمان وتغيير كلمة السر. وأوضح أن مليشيات الحوثي تقوم بتتبع أرقام النشطاء الموالين للحكومة الشرعية ومن ثم تقوم باستخراج شرائح توأم لأرقام هؤلاء الناشطين المرتبطة بحساباتهم الشخصية ومن ثم السيطرة عليها وابتزاز مالكها واستخدامها لإرهاب أصدقائه ومتابعيه. وحمّل المراني، شركات الاتصالات المسؤولية الكاملة عن انتهاك خصوصيات المشتركين ومساعدة المليشيات الحوثية في إرهاب اليمنيين وابتزازهم وتعريض حياتهم الشخصية للخطر، داعياً الحكومة الشرعية إلى القيام بواجبها في حماية اليمنيين من الإرهاب الحوثي.
صمت حكومي مستغرب وقال مدير مكتب الإعلام بمحافظة الجوف يحيى قمع، إن استغلال مليشيات الحوثي لوزارة الاتصالات للإضرار باليمنيين تضاعف بشكل لا يمكن لأحد أن يتخيّله، مؤكداً أن شركات الاتصالات أصبحت سلاح بيد الحوثيين ولا فرق بينها وبين الطائرات المسيرة وغيرها من أسلحة القتل. وأضاف لـ"الثورة نت" أن شركات الاتصالات نقضت العقود الموقعة بينها وبين المشتركين التي تلزمها بالحفاظ على بيانات وخصوصيات المستخدمين، لافتاً إلى أن كل شيء في الهاتف أصبح عرضة للاختراق من قبل المليشيات (بريد الكتروني، واتس اب، تويتر، فيس بوك، رسائل نصية، موقع إلكتروني) وهذا كارثة حقيقية". واستغرب قمع، صمت الحكومة الشرعية على هذه الكارثة التي ارتكبها الحوثيون، وقال إن صمتها يقدم خدمات جليلة وكبيرة للمليشيات الحوثية، وإن من حق اليمنيين أن يرفعوا دعاوى على الوزارة على ما لحق بهم من أضرار". ولفت قمع إلى الحرب النفسية البشعة التي مارستها مليشيات الحوثي بحق السكان في محافظة الجوف أثناء حربها عل المحافظة منذ مطلع يناير الماضي، وقيامها بقطع الاتصالات وبث الإرجاف في أرجاء المدينة وتخويف السكان وقصفهم بالصواريخ الباليستية.
استغلال سياسي ومالي وفي الآونة الأخيرة، وسّعت مليشيات الحوثي استغلالها لقطاع الاتصالات في معاركها السياسية ضد الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، ففي أواخر يوليو الماضي هددت بإيقاف شبكات الاتصالات والانترنت كلّياً بدعوى منع التحالف دخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وهي تهم كيدية كاذبة دأبت على استغلالها لافتعال ازمات الوقود وتعزيز أسواقها السوداء. ولأهمية قطاع الاتصالات كانت أوّل أعمالها عقب سيطرتها على البنية التحتية الرئيسية للإنترنت عام 2014 هو حظر مئات المواقع الإلكترونية المعارضة لانقلابها وما تزال محظورة حتى الآن، وانتهجت سياسة التعتيم والتجهيل وفرض قيود إضافية للحصول على المعلومة وقطع خدمة "يمن نت" على مناطق معينة لا تجري فيها الحرب لصالحها. وبرز قطاع الاتصالات كأهم الموارد المالية للمليشيات خلال السنوات الخمس الماضية، فعلى سبيل المثال كانت المليشيات الحوثية تحصّل نحو 80 مليار ريال سنوياً من الموارد الضريبية فقط من قطاع الاتصالات العام والخاص. ووفقاً للخبير في مجال الاتصالات المهندس محمد المحيميد، فإن الإيرادات التي يجنيها الحوثيون من أبرز ثلاث شركات اتصالات يمنية وهي (يمن موبايل وسبأفون وإم تي إن) بلغت 305 مليار و316 مليون ريال يمني خلال خمس سنوات تحت بند "الضرائب والزكاةط. وتضاف تلك المبالغ المهولة إلى مبالغ أخرى أكبر تتقاضاها المليشيات الحوثية من شركات الاتصالات بين الحين والآخر، تحت مسمّيات وذرائع مختلفة، وتستخدمها لتمويل حروبها ضد اليمنيين وتهديد المصالح الدولية خدمة للمشروع الإيراني الطائفي العابر للحدود.