دفعت العراقيل الحوثية المستمرة أمام عمل المنظمات الأممية والإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة الانقلابية إلى تقليص أنشطة هذه المنظمات، إضافة إلى نقص التمويل، خاصة في قطاعات الصحة والإغاثة، حسب ما أفادت به مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط».
وفي الوقت الذي سعت فيه الجماعة إلى تضييق الخناق على هذه المنظمات بغية التحكم بطبيعة أعمالها، ونهب أموالها ومساعداتها المقدمة لليمنيين الأشد فقراً في مناطق سيطرتها، قالت مصادر طبية بصنعاء إن عدداً من المنظمات الأممية انسحبت مؤخراً من تقديم الدعم للقطاع الصحي في مناطق سيطرة الجماعة. وأوردت المصادر العاملة في قطاع الصحة الواقع تحت قبضة الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» أسباباً عدة جعلت بعض المنظمات الأممية تضطر للانسحاب من تقديم الدعم للقطاع الصحي بمناطق الانقلابيين، منها نقص التمويل، وتلقي المنظمات معلومات وتقارير ميدانية حديثة عن حجم العبث والنهب والتلاعب الذي مارسته -ولا تزال- الميليشيات بالمساعدات والمعونات الطبية المقدمة من قبلها لليمنيين في صنعاء العاصمة ومدن أخرى.
وبحسب المصادر، فقد دأبت الميليشيات في السابق -وكعادتها- على ممارسة التضييق والابتزاز والتعسف بحق المنظمات الأممية العاملة في المجالات الإغاثية والإنسانية والصحية بهدف السيطرة عليها، ونهب أموالها، والحد من عملها، الأمر الذي فاقم من حجم الأزمة الإنسانية.
وفي حين لم تورد الأمم المتحدة أي توضيحات تؤكد انسحاب منظماتها من تقديم الدعم لقطاع الصحة بمناطق سيطرة الحوثيين، فإن مكتب المنظمة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن ذكر في تقرير سابق، الأسبوع الحالي، أنهم «باتوا عاجزين عن دفع البدلات للأعمال الصحية، وتغطية التكاليف التشغيلية الأساسية للمرافق الصحية في اليمن بسبب نقص التمويل وأسباب أخرى» لم يذكرها. وكانت الجماعة الانقلابية قد اتهمت، الخميس الماضي، الأمم المتحدة بسحب دعمها للقطاع الصحي بمناطق سيطرتها بشكل مفاجئ، دون توضيح الأسباب. وجاء ذلك وفق تصريحات لمسؤولين في الصحة بحكومة الانقلابيين بثتها وسائل إعلام الجماعة.
وقال علي جحاف، المعين من قبل الجماعة وكيلاً لوزارة الصحة لقطاع الطب بحكومتها الانقلابية: «إن الأمم المتحدة تتحدث عن أكبر أزمة إنسانية، ثم توقف دعم الخدمات الطبية للقطاع الصحي». وفي السياق نفسه، استبعد أطباء وعاملون صحيون في صنعاء أن تكون الأمم المتحدة أو منظماتها الصحية قد انسحبت من تقديم الدعم للقطاع الصحي في المناطق الخاضعة للميليشيات.
وقال عاملون في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» إن «ذلك، وإن كان صحيحاً، فإنه قد يندرج في إطار الرسائل الأممية التحذيرية الموجهة لميليشيات الصحة بصنعاء كي تضع حداً لعمليات السطو والنهب والعبث بالمساعدات الطبية المقدمة لليمنيين». واتهموا الميليشيات بأنها عمدت على مدى السنوات الماضية إلى صناعة أزمة إنسانية متعددة بغية الاستفادة منها في تحقيق مطامعها وأهدافها البعيدة عن كل ما يخدم اليمنيين ويقلل من معاناتهم وأوجاعهم. ولفتوا إلى أن الجماعة تملك باعاً طويلة فيما يتعلق بصناعة الأكاذيب ونهب المساعدات، بما فيها الغذائية والصحية، وهو ما ضاعف من حجم المعاناة الإنسانية لدى اليمنيين، خصوصاً القاطنين بمناطق سيطرة الجماعة.
وعلى صعيد استمرار حملات الابتزاز الحوثية للمنظمات العاملة في مناطق سيطرتها، كشفت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن عمليات مساومة قامت بها الجماعة مؤخراً مع منظمات أممية عاملة في المجال الإغاثي من أجل توظيف العشرات من عناصرها، مقابل السماح لها بالعمل في مناطق سيطرتها. وأفادت المصادر بأن قادة في الجماعة وجهوا قبل فترة خطابات رسمية إلى بعض المنظمات، تطالبها بتشغيل عناصرها موظفين في قطاعات، منها الصحة والمياه والتخطيط، وفي الجوانب الإدارية والمالية. وقالت إن الجماعة أجبرت بعضاً من تلك المنظمات على دفع مبالغ مالية لها لتسهيل مهامها وأنشطتها.
وفي شأن متصل باستهداف الانقلابيين المتكرر للمنظمات الأممية، قالت مفوضية شؤون اللاجئين إن عوائق الجماعة منعتها مؤخراً من الوصول لمساعدة 11500 عائلة محتاجة تضررت من الأمطار والسيول خلال الشهرين الماضيين. وأوضحت المفوضية، في تصريحات بثتها عبر حساباتها بوسائل التواصل الاجتماعي، أن شركاء مجموعة المأوى في مركز الحديدة استجاب لنحو 9500 أسرة متضررة من الفيضانات في محافظات حجة والحديدة وريمة والمحويت، من بين نحو 21 ألف عائلة محتاجة تعذر الوصول إليها. وأضافت أنها تواصل التنسيق مع الميليشيات للوصول دون عوائق إلى المناطق المتضررة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وطبقاً للمفوضية، فإن نحو 300 ألف شخص في اليمن فقدوا منازلهم ومحاصيلهم وماشيتهم وممتلكاتهم الشخصية في الأشهر الثلاثة الماضية بسبب السيول والفيضانات الشديدة.
وفي سياق بطش الانقلابيين وتنكيلهم بكل من يقدم العون أو المساعدة لليمنيين في مناطق سيطرتهم، أفاد مصدر حقوقي بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن مسلحي الجماعة اختطفوا هذا الأسبوع 50 مدنياً، في العاصمة ومناطق أخرى، بينهم 8 فتيات، بتهمة إطلاق مبادرة «صنعاء بحاجتنا»، وتوزيع مساعدات متنوعة للمتضررين من الأمطار والسيول، بعد أن تخلت عنهم الجماعة وتاجرت بمعاناتهم. وقال المصدر الحقوقي إن الجماعة لا تزال تمنع توزيع أي مساعدات، أو القيام بأي نشاط خيري في مناطق سيطرتها، وتشترط الإشراف والاستحواذ على كل المساعدات، بما فيها المبادرات الشبابية البسيطة. وكانت منظمات أممية ودولية عدة قد علقت نشاطاتها في مناطق سيطرة الحوثيين نتيجة الفساد المستشري وعمليات النهب، وكذا التدخلات المباشرة في عملها. وفي مطلع مارس (آذار) الماضي، علقت منظمة الصحة العالمية نشاط موظفيها في مراكزها بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، في خطوة عدتها تقارير محلية ودولية أنها تستهدف الضغط على الجماعة للتعامل بشفافية أكبر إزاء الحالات التي يُشتبه بإصابتها بفيروس «كوفيد-19». وصدرت توجيهات من المنظمة حينها لموظفيها في العاصمة صنعاء والحديدة وصعدة وإب، الواقعة تحت قبضة الحوثيين، تؤكد أن جميع التحركات أو الاجتماعات أو أي نشاط آخر «للموظفين في تلك المناطق قد أوقف حتى إشعار آخر». وقالت المنظمة إنها علقت مؤقتاً تحركاتها في المناطق الشمالية بسبب «تهديدات ذات مصداقية ومخاطر متوقعة قد يكون لها أثر على أمن الموظفين، وكذا الضغط على سلطات الجماعة للإبلاغ عن نتائج الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا».