في 14 فبراير، شهدت منطقة بولواما في الجزء الخاضع للهند من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، هجوما مسلحا، وأسفر الهجوم عن مقتل 40 من عناصر الشرطة شبه العسكرية، وأعلنت جماعة "جيش محمد" المتشددة، مسؤوليتها عن الهجوم.
وبعد اجتماع للجنة مجلس الوزراء الهندي المعنية بالأمن برئاسة ناريندرا مودي، وردت إدعاءات من جانب نيودلهي بأن المهاجمين مرتبطين بالدولة الباكستانية.
كما أعلن وزير المالية الهندي آرون جايتلي عن فرض سياسة "العزلة التامة" على باكستان وإلغاء "وضع الدولة الأكثر تفضيلاً" الممنوح من الهند لها بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.
يأتي تصريح القيادة الهندية في وقت مضطرب للغاية على الساحة الجيوسياسية. وبما أن سياسة ناريندرا مودي تجاه باكستان كانت متضاربة وغير متسقة طوال فترة ولايته ، فإن لعبة إلقاء اللوم تقترن بالانتخابات الهندية المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان.
كما جاءت هذه المزاعم في وقت كانت فيه الجهود الدبلوماسية لحكومة عمران خان تهدف إلى إحياء التجارة والعلاقات على مستوى العالم. وتعتبر زيارة خان لقطر والإمارات والسعودية وتركيا والصين وماليزيا، مثال على ذلك.
علاوة على ذلك ، وفي محاولة لأخذ الأوضاع في أفغانستان على محمل الجد ، فإنها تضطلع بدور وساطة في عملية السلام الأفغانية، الأمر الذي يعكس الأهداف الاستراتيجية الواضحة لحكومة خان.
** جهود تحسين الدبلوماسية الإقليمية
بعد توليه منصبه في العام الماضي ، عرض عمران خان على الهند غصن الزيتون لاستئناف المحادثات الثنائية ودفع عجلة السلام والدفع بسياسة موجهة لحل النزاع حول كشمير. ومع ذلك ، فإن نهج الحكومة الهندية تجاه باكستان لم يأت بوتيرة مماثلة. ففي سبتمبر/ أيلول، ألغي اجتماع مقرر بين وزيري خارجية البلدين، بناء على طلب الهند، مما أثر سلبا على آفاق المفاوضات بين البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أن باكستان في الوقت الحالي ليست في وضع معزول ، وبعيدًا عن ذلك فإن الجهود الدبلوماسية الحالية في عهد رئيس الوزراء عمران خان تختلف عن السيناريوهات السابقة. ففي السابق ، كانت البلاد تُظهر حكما هشا وغياب التوجه الاستراتيجي والتماسك في سياستها الخارجية.
وفي الوقت الحالي ، من خلال تغيير كتل السلطة وإقامة التحالفات، فإن جهود الدبلوماسية العامة في باكستان من المقرر أن تبني منظورا سياسيا واجتماعيا جديدا ، مع جدول أعمال تقدمي في المجال الجيوسياسي. لذلك ، يقول عمران خان إن "باكستان لن تشارك في حرب أحد"، وهو ما يعكس تصميم إسلام أباد على الدفع بهذه القيم الاستراتيجية.
وباتباع نهج نشط تجاه عملية السلام الأفغانية ، فإن السؤال الأكبر الذي يواجه باكستان هو ما إذا كانت ستتمكن من جلب طالبان الأفغانية إلى طاولة المفاوضات. ولا يمكن تحقيق السلام في أفغانستان إذا لم تشارك باكستان ويتطلب ذلك نهجا شاملا لتحقيق المصالحة. وبالتالي ، فإن موقف حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي لعزل البلد في المجتمع الدولي، هو أمر غير واقعي.
وبالمثل ، من خلال الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني ، أقامت باكستان علاقة استراتيجية قوية مع القوة الصاعدة في العالم. وبدأت الاستثمارات الصينية تتدفق في باكستان في عام 2015 ، عندما واجهت البلاد أعمال فساد وارتبطت صورتها بالإرهاب ، ولذلك اعتبرت مكانا غير موات للاستثمار.
وقدمت الاستثمارات الصينية آفاقا مستقبلية رحبة للاقتصاد الباكستاني. ومع تدهور العلاقات الصينية-الأمريكية بسبب تأكيد الصين لقوتها عبر المحيط الهندي ، وهو أمر تنظر إليه الولايات المتحدة بعين الريبة، فإن التحالف بين الهند والولايات المتحدة أخذ يتنامى لتشكيل قوة مضادة ضد الصين التي تحاول إثبات قوتها في السياسة العالمية.
** الانتخابات والخطاب القومي المتطرف
مع اقتراب إجراء الانتخابات في الهند، شكّل صعود قوة معارضة بقيادة راهول غاندي من حزب المؤتمر ، وأزمة الهند الاقتصادية، تحديًا كبيرًا ضد مودي في طريقه إلى إعادة انتخابه.
فحزب بهاراتيا جاناتا هو الجناح السياسي للجماعة القومية الهندوسية "راشتريا سواميسيفاك سانغ". ومن ثم فإن سياسة حزب بهاراتيا جاناتا تجاه باكستان يمكن أن تكون انعكاسا للخطاب المعادي للمسلمين بين مؤيدي تلك الجماعة. لم يكن من المستغرب أن سيناريو هجوم ما بعد بولواما قد غذى اتجاهات المتعصبين الهندوس ضد الكشميريين. ونتيجة لذلك ، فإن أسلوب اللوم - أي توجيه اللوم ضد باكستان - يعمل بشكل جيد لصالح حزب بهاراتيا جاناتا في توسيع قاعدته التصويتية من خلال أيديولوجية قومية متطرفة.
ويعد إقليم كشمير ورقة سياسية قوية توظفها الهند في سياساتها، ومن ثم فإن أي جهود دبلوماسية قوية من جانب إسلام أباد بشأن الإقليم تؤدي إلى اختلال لتوازن نيودلهي.
ولم يتم وضع أي سياسة لشعب كشمير أو ضد التطرف المتصاعد من جانب الهندوس.
وقد أدى الاحتلال الكشميري إلى خلق سلوكيات عنيفة ومقاومة، وهذا لا يمكن حله إلا من خلال المفاوضات والتوسط في المحادثات بدلاً من لعبة إلقاء اللوم جزفا.
ويطلق اسم "جامو كشمير"، على الجزء الخاضع لسيطرة الهند، ويضم جماعات مقاومة تكافح منذ 1989، ضد ما تعتبره "احتلالًا هنديًا" لمناطقها.
ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذي الغالبية المسلمة.
وفي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند 3 حروب أعوام 1948 و1965 و1971، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين.
ومنذ 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، وتعرضت أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب، في الشطر الخاضع للهند من الإقليم، بحسب جهات حقوقية.