الحرب التي تشهدها اليمن، وتهاوي الاحتياطي النقدي الخارجي، وانهيار الاقتصاد، دفعت ثمنه البنوك اليمنية الحكومية والتجارية والخاصة، التي وجدت نفسها غير قادرة على إخراج الأموال لتغطية التزاماتها أمام البنوك الخارجية المراسلة، فضلاً عن أزمة السيولة الحادة من العملة المحلية.
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد؛ كانت شركات الصرافة على موعد مع تصدر المشهد المصرفي والنقدي اليمني وسيطرت على عمليات تحويل الأموال إلى أن وصلت إحدى هذه الشركات "الكريمي" التي أصبحت مصرفاً أصغر إلى مستوى صرف الرواتب لموظفي الدولة؛ نظراً لوفرة السيولة النقدية، بالإضافة إلى شبكة فروعها التي تغطي محافظات الجمهورية.
- دور محوري
الخبير والصحفي الاقتصادي اليمني عبد الجليل السلمي، أكد أن شركات الصرافة اليمنية أصبحت تقوم بدور البنوك المحلية؛ نتيجة للقيود الاقتصادية المفروضة على اليمن، خصوصاً في جانب التعاملات البنكية التي قيدت عمل البنوك المحلية.
وأشار السلمي، في حديثه لـ "الخليج أونلاين"، إلى أن لشركات الصرافة دوراً محورياً في خدمة القطاع المصرفي؛ من خلال تغطية احتياجات التجار من تمويلات الائتمان والتحويلات الخارجية لاستيراد البضائع والسلع، وعلى رأسها القمح والدواء، وهو ما تعجز عنه البنوك المحلية؛ بسبب عدم قدرتها على تغذية حساباتها عند مراسليها في الخارج.
اقرأ أيضاً:
الإمارات: تدخّل إيران في اليمن يساعد "القاعدة" و"داعش"
وقال السلمي إن حاجة المواطنين والتجار والمؤسسات المتزايدة للحوالات الخارجية ولّدت زيادة في عدد شركات الصرافة، التي تبلغ 26 شركة، وأكثر من 300 مكتب في عموم محافظات الجمهورية.
- حوالات المغتربين
وعلى الرغم من أن تسرب العملات النقدية خارج القطاع المصرفي اتجه إلى شركات الصرافة، فإن تغطيتها لعمل البنوك خفف من آثار ذلك، لا سيما في استقبالها لحوالات المغتربين التي عوضت جزءاً من التدهور الاقتصادي بفعل توقف أهم الموارد الاقتصادية المتمثلة بقطاعات النفط والسياحة والتجارة البينية.
وأوضح السلمي أنه لا توجد أرقام دقيقة حول حوالات المغتربين اليمنيين في الخارج، إلا أن التقديرات تشير إلى 8 مليارات دولار سنوياً، تأتي منها عن طريق البنوك نسبة 20%، أما شركات الصرافة فتسيطر على نحو 80%، وهو ما جعلها تتمتع بجدارة ائتمانية قوية في الداخل والخارج.
واعتبر السلمي أن فتح شركات الصرافة لحسابات للعملاء والمودعين وتعميم نظام بنكي لتعاملاتها، ومنحها للقروض، دلالات على قوتها التي تعززت بامتلاكها سيولة فائضة وضخمة مكنتها من القيام بنفس أنشطة البنوك.
- ثقة كبيرة
وقال السلمي: "تتمتع شركات الصرافة اليمنية بثقة الأفراد والتجار والمؤسسات، وهو ما جعل بعضها يفكر جدياً بالتحول إلى بنوك ومصارف، مثل شركة الكريمي التي تحولت إلى مصرف أصغر".
ووفقاً للسلمي فإن شركات عديدة تقدمت للبنك المركزي في صنعاء بطلبات للحصول على تراخيص بنكية، لكن البنك رفض منح هذه التراخيص بسبب الأوضاع الراهنة.
الصحفي الاقتصادي اليمني نجيب العدوفي، في حديثه لـ "الخليج أونلاين"، اعتبر أن تعثر التعاملات الخارجية للبنوك اليمنية نقطة التحول الجوهرية التي جعلت البنوك اليمنية تعاني وتفقد دورها لمصلحة شركات الصرافة.
- توفير الدولار
وبحسب العدوفي؛ فإن هذا الأمر وسع من نشاط شركات الصرافة في الداخل اليمني، والتي باتت تقوم بمهام وأنشطة هي من أساسيات عمل البنوك.
وأضاف: "في ظل ذلك بات كثير من رجال الأعمال يتعاملون مع شركات الصرافة في تعاملاتهم المالية، كما أن شركات الصرافة باتت تساعدهم في توفير العملات الصعبة (الدولار) من السوق السوداء لاستيراد السلع".
أمام كل هذه النجاحات، والثقة التي حازتها شركات الصرافة في اليمن، فإنها تواجه مخاطر ترتبط بغسل الأموال، حيث أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شركة العمقي على قائمة الداعمين الماليين لتنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية، وقررت فرض عقوبات على الشركة، وحظر تحويلات مواطنيها عبرها، رغم نفي الشركة للتهم الأمريكية.
- غسل الأموال
ويخشى مراقبون من عقوبات مماثلة قد تطول شركات صرافة أخرى؛ لكون أغلب شركات الصرافة العاملة في السوق اليمنية لا تلتزم بإجراءات ومعايير العمل المصرفي الدولية المرتبطة بإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق توصيات مجموعة العمل المالي الدولية.
ووفقاً لتقارير إعلامية فإن اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، وسيطرتهم على البنك المركزي، أعاق اليمن عن المضي في الإجراءات اللازمة لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتعيش اليمن منذ أكثر من عامين حرباً واسعة أشعلتها مليشيا الحوثي وصالح المدعومة من إيران عندما نفذت انقلاباً مسلحاً على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي طلب دعم التحالف العربي، وقد نجح في تمكين قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني من استعادة نحو 85% من الأراضي اليمنية.
ولم تكتفِ المليشيا بالقتل والدمار، بل نهبت نحو 3.5 مليارات دولار من الاحتياطي المركزي من العملات الأجنبية، وفقد الريال اليمني نحو 60% من قيمته أمام الدولار الأمريكي، وعجزت المليشيا عن دفع مرتبات موظفي الحكومة، قبل أن يُنقل البنك المركزي إلى عدن بقرار من الرئيس هادي، إلا أن الوضع لم يتحسن بعد.