يبدو أن جهود تنظيم الدولة بنشر الرعب في أوروبا قد بدأت تدخل قائمة الحقائق التي لا مجال لإنكارها من قبل سلطات مكافحة الإرهاب في القارة العجوز، وإن هذا الخطر يجب التعامل معه من الآن فصاعداً على أنه حقيقة من حقائق الحياة وليس استثناءً، بحسب صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
قادة مكافحة الإرهاب في أوروبا، وخلال موجة التهديدات والتفجيرات التي ضربت عدة عواصم في الاتحاد الأوروبي، عززوا الإجراءات الأمنية والرقابة على الحدود، إلا أن تفجير برلين الأخير طرح مجدداً السؤال حول إمكانية أن تمنع مثل هذه الإجراءات وقوع المزيد من العمليات الإرهابية.
وتشير الصحيفة إلى أن "تنظيم الدولة وجّه العديد من النداءات والدعوات لأتباعه من أجل شنّ المزيد من الهجمات في أوروبا، ما قد يعقّد الأمور على جهود مكافحة الإرهاب، خاصة أن عملية مراقبة مجموعة كبيرة من المهاجمين المحتلمين أمر يبدو في غاية الصعوبة".
وبحسب محللين مختصين بشؤون الإرهاب، فإن الخطر يكمن أيضاً في قدرة مجاميع تابعة لتنظيم الدولة على تغيير التكتيكات الإرهابية، الأمر الذي يجعل من ادعاءات سلطات مكافحة الإرهاب بأن مثل هذه العمليات قد تحدث على نطاق صغير، ليس صحيحاً.
يقول محمد ولد محمود، نائب مدير مركز جنيف للسياسات الأمنية، إن شبكات الإرهاب باتت أكثر صعوبة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال شن عمليات على نطاق واسع، فهجوم برلين ليس بالضرورة فشلاً استخبارياً؛ لأنه ببساطة عملية يمكن أن تحدث في أي مكان، وفقاً للواشنطن بوست.
وأضافت الصحيفة: "اعتداء مثل الذي وقع في برلين لا يتطلب الكثير من التخطيط المسبق أو الدعم اللوجستي، ففي هجوم أنيس العامري، البالغ من العمر 24 عاماً، تم رصد ميول إرهابية لديه قبل الهجوم، ولكن ما يمكن تسجيله أن العامري لم ترصد عليه أي أدلة أو اتهامات تتعلق بالإرهاب، حتى اتصالاته مع تنظيم الدولة لا يبدو أنها واضحة، رغم أن فيديو، بث يوم أمس الجمعة، يعلن فيه العامري بيعته لتنظيم الدولة".
وترى الصحيفة أن حدود أوروبا المفتوحة جعلت المهاجمين أكثر قدرة على التحرك، وهو ما يبدو واضحاً في عملية فرار العامري عبر القطار من ألمانيا إلى إيطاليا، ليقتل في ميلانو على بعد 500 ميل من مكان عمليته.
ولفتت الانتباه إلى أن بعض الدول الأوروبية بادرت إلى إغلاق حدودها مؤقتاً هذا العام بسبب الهجرة والإرهاب، إلا أنه أعيد فتح هذه الحدود بسبب المطالبات الاقتصادية واللوجستية.
ونقلت الصحيفة عن جوليان كينغ، مسؤول الشؤون الأمنية في الاتحاد الأوروبي، قوله: "لا يمكن تجاهل الخطر الموجود، ولا يمكن أن نبدأ من الصفر في تعاملنا مع الإرهابيين"، مشيراً إلى أنه "سيتم اتخاذ مجموعة من التدابير الأمنية التي نسعى من خلالها إلى إحباط مصادر تمويل الإرهاب"، مضيفاً: "يجب أن نكون مستعدين لمواجهة أي أزمات".
وبحسب محللين، فإن تجزئة قواعد البيانات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية التي تواجه أوروبا قد تكون ساعدت العامري على الانتقال من إيطاليا إلى ألمانيا حيث نفذ هجومه، فالعامري كان في إيطاليا قبل عام، وطرد منها ففر إلى ألمانيا، قبل أن ينفذ جريمته هناك.
وأشاروا إلى أن "أوروبا باتت أكثر عرضة لهجمات تنظيم الدولة، التي دعا زعماؤها أتباعهم إلى شن المزيد من الهجمات داخل أوروبا، حتى دون الاتصال بمقر التنظيم، كما أنه يأتي بالتزامن مع الانتكاسات التي يتعرض لها التنظيم في كل من العراق وسوريا، ما قد يفتح المجال واسعاً لعودة العشرات من مقاتليها الأوروبيين إلى أوطانهم".
رافايلو بانتشي، مدير دراسات الأمن الدولي في المعهد الملكي بلندن، قال إن "الأوروبيين بحاجة إلى نهج أكثر شمولية من القارة الأوروبية نفسها، وإنه يمكن أن يحصلوا على معلومات أكثر من أمريكا"، مبيناً أن "التجربة الأوروبية في وضع استراتيجيات لمكافحة الإرهاب تؤكد أن بعضها وقف في منتصف الطريق".