الصورة المرئية جزء لا يتجزء من نظرتنا للعالم، والصورة الموجودة عن اليمن هي أساس ما يعرفه العالم عن بلادي. والفكرة تنطبق على كيف يرى اليمنيون بعضهم بعضاً، لذا أحب أن أقسم النقاش إلى محورين. الأول: كيف يستخدم الإعلام الغربي الصورة في الحديث عن اليمن. والثاني كيف يستخدم اليمنيون الصور للحديث بعضهم عن بعض. بين الصورة السياسية الضالة، والصورة التمييزية على أساس الجنس، تتشتت النظرة الخارجية لليمن.
صورة اليمن في الإعلام الغربي
من الصعب تحديد متى بدأت علاقة الإعلام الغربي بالفن المعماري لصنعاء القديمة. تلك العلاقة كانت أيضاً معدية في علاقة الإعلام العربي باليمن. لا شك أن الفن المعماري الطاغي على صنعاء القديمة صعب تجاهله، لكن اسمها صنعاء "القديمة"، ما يعني أن هناك صنعاء جديدة. اختزال اليمن بكل مدنها وتنوعها بهائل من الصور من صنعاء القديمة، ليس فقط إنقاصاً لحق بقية المدن اليمنية في جمالها الخاص، بل هو أيضاً إرسال رسالة خاطئة بأن اليمن هو مجرد صنعاء القديمة.
وحين يتعمق الإعلام الغربي في نفوس وحيوات اليمنيين، يختزل قضايا الإنسان اليمني، بالسلاح، الثقافة القبلية، القات، وغيرها من المواضيع السهلة والمكررة.
لطالما كانت الصورة النمطية للعرب في الإعلام الغربي مجحفة، فنحن الهمج، الإرهابيون وغير الحضاريين. والصورة النمطية لليمنيين في الإعلام الغربي، تندرج في ذلك، وممكن تلخيصها في فيلم "اصطياد السمك في "ال" اليمن". وهو أفضل نموذج لأسوأ تصوير لليمن، مقتبس من رواية لكاتب لم يسبق له أن زار اليمن. كما لم يزرها أي شخص من فريق الفيلم، حتى الممثلون والممثلات. ولم يجرِ تصوير الفيلم في اليمن. كيف لنا أن نصور بلداً في فيلم من دون أن نلامسها بشكل حقيقي.
الصورة كرسالة بين اليمنيين
وفي حديثنا عن الأفلام والسينما، فيلم "نجوم" للمخرجة اليمنية خديجة السلامي، من أهم الأفلام التي استخدمت الصور بشكل صادق كرسالة بين اليمنيين. قصة الفيلم مقتبسة من كتاب "أنا نجوم، عمري 10 سنوات ومطلقة"، وهي القصة الحقيقة لنجود الطفلة اليمنية، التي تُعتبر أول طفلة مطلقة في اليمن. تم تصوير الفيلم في اليمن، وبعد عرضه فاز بعدة جوائز عالمية. الفيلم حقيقي وغير متكلف، رسالته التوعية حول مشكلة زواج الصغيرات في اليمن. لكن للأسف لم يُعرض في اليمن بعد، نظراً لغياب دور سينما، والأهم لتواتر النزاع المسلح، وبدء الحرب منذ إصدار الفيلم عام 2014. لذا فإن الوضع السياسي يُسيطر على أي نقاش ثقافي أو فكري.
نرى الإعلام اليمني مهووساً بالنقاش السياسي المحصور بمواضيع الزعماء. فأحوال الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وقائد جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي هي المواضيع التي تهيمن على الإعلام اليمني. صورة هذا أو ذاك الزعيم هي المرآة التي يرى من خلالها اليمنيون بعضهم بعضاً. الاستقطاب حاد، وأي مساحة رمادية في الوسط محكوم عليها بالتبخر.
وفي هذا السياق، أهم ما أثار اهتمامي، قضية "كره النساء"، أو ما يعرف بالإنجليزية "Misogyny". وكيف تم استخدام الصور في النقاش السياسي. على مر السنوات، منذ إندلاع ثورة 2011، وتجربتي مع التدوين، وجدت تكراراً في نمط معين، استخدام صور يرجى منها إهانة الزعيم السياسي. حين يريد معسكر سياسي إهانة زعيمٍ سياسي، فأسهل أمر تصويره على أنه امرأة. مثلاً عندما يُراد إهانة الرئيس السابق على عبدالله صالح، يتم تصويره بالمكياج والحليَ ليبدو كسيدة. وبذلك، يكون هناك ربط بين الوضع المهين للرجل وجنس الأنثى، وأن التعبير عن الاحتقار يمكن تجسيده في وصف الآخر بأنه أنثى.
الصور التالية جمعتُها على مر السنوات الخمس الماضية. مع تطور المراحل السياسية في اليمن، لم يتوان? مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن عن تصميم ونشر هذه الصورة، التي وجدت أحياناً طريقها كلافتة تُستخدم أثناء التظاهرات.
وبالحديث عن التظاهرات، انبهر العالم بمشاركة النساء في ثورة اليمن 2011، ولم يكونوا مدركين أن غالبيتهن تتبع أكبر ثاني حزب سياسي معارض في البلاد "حزب الإصلاح"، وأن خروجهن كان مجرد أمر صوري "ديكوري". أما النساء اللواتي خرجن بشكل مستقل، يتحدينّ نظام صالح، والنظام الأبوي، الذي يفرض على النساء الفصل الجندري في المساحات العامة، لم يجدن اهتمام العالم، بل اصطدمن بجدران النظام الأبوي. تمرد أولئك النساء على هذا النظام، كان مثيراً لحفيظة الرجل اليمني. ففي بداية الثورة، خرجت مجموعة في تظاهرة مختلطة بين الرجال والنساء في صنعاء، وما كان بانتظار المشاركات غير الضرب والإهانة.
النظرة الدنيوية للإناث في اليمن موجودة، وهي جزء من جو عام في العالم العربي، يرى الأنثى عورة. في بداية الربيع، قامت مجموعة من النسويات العربيات بإنشاء صفحة على Facebook، تدعو لانتفاضة النساء في العالم العربي. تهافت على الصفحة المئات من المنشورات تعكس كيف أن الأنثى مواطن من الدرجة الثانية، إن لم تكن أسوأ. لفت انتباهي هذا المنشور من اليمن، الذي يفند كل ما يقول إنه ليس هناك نظرة دنيوية للأنثى في اليمن.
الاحتقار وارتباطه بتصوير الزعيم كأنثى لا يفهمه الرجل اليمني إلا إذا عكسنا الآية. كان لي نقاش مع صديق يمني يحب استخدام صور نساء مثيرة في صفحته على Facebook، لإغاظة المعسكر السياسي الخصم. قال لي: أنا لا أقصد إهانة النساء، لكنني أريد أن أغيظ خصومي. قلت له: هل رأيت فتاة تستخدم صور رجال مثيرة حتى تهين بها خصومها؟ فهم صديقي مقصدي وتراجع بعدها عن ذلك.
مسألة "كره النساء" والإعلام عالمية وليست محصورة في اليمن، ولكن قلما يتم تناولها في الإعلام العربي واليمني. ويزعجني أنه في الوقت الذي نستنكر فيه كيفية تصوير العربي في الإعلام الغربي، لا نستنكر كيفية تصويرنا لنسائنا في إعلامنا، ويهمني هنا بالدرجة الأولى الإعلام اليمني.
منذ ثورة اليمن وصراع بعد الآخر يعصف بالبلاد، ليجعل قضايا الحياة أو الموت من أولويات الحديث عن هذا البلد المنكوب. وسط كل الدماء التي تسفك، لا نجد مساحة نتنفس فيها من خلال نقاشات فكرية منعشة. فمثلاً، هذه المادة كتبتها وانا على دراية بأمرين: إن فكرة المقال منعشة بالنسبة إلي من الناحية النظرية في دراسات الإعلام والتطبيقية في فهم قضايا جندرية. والأمر الآخر هو أنني على دراية أن هناك معسكر "مش وقتها" يترصد لي. رغبتي في طرح موضوع فكري عن الصورة النمطية لليمن في الإعلام، تغلب على قلقي من معسكر "مش وقتها"، وبذلك شرعت في الكتابة.