كانت تسير بخطى مرتبكة وهي تتمتم كلمات لا تفهم ؛ ولكنها سرعان ما سقطت على الأرض مغشي عليها مما استدار حولها العشرات وهم لا يعلمون أنها فارقت الحياة حالها كحال العشرات ممن يزهق أرواحهم برصاص الصيف وبواريد انطفاء الكهرباء حسب أحد شهود عيان ظهر أمس بسوق مدينة كريتر.
لم تكن هذه المرأة هي الأولى من ضحايا أزمة الكهرباء _بل_ قرابة الخمسين شخص توفوا بذات الأزمة حسب إحصائيات غير رسمية خلال اليومين الماضيين بشكل يثير الخوف لدى السكان وسط نزوح لأسر من مديريات عدن الثمان إلى خارج المحافظة هروباً من درجة الحرارة التي وصلت إلى 39 درجة مئوية ليوم أمس الثلاثاء.
وبين هذا وذاك قدمت بواخر إماراتية إلى ميناء الزيت في وقتٍ متأخرٍ من مساء أمس لتفرغ كميات من مادتي المازوت والديزل إلى محطة الحسوة أعقبها توزيع شامل لجميع محطات عدن الكهربائية في المديريات بالإضافة إلى محطات بيع الوقود.
الموت في كل مكان
يؤكد الشاب أمجد سالم أنه ولأول مرة يشاهد إنسان يموت أمام عينيه مباشرة مما أضمر في نفسه الخوف وأشعل في كيانه الشفقة على تلك المرأة التي سقطت مع حلول الظهيرة على الأرض ليسمع بعدها أحد الحاضرين يقول : يبدُ أنها كانت تعاني من الضغط أو القلب ؛ مما بدت العجلة على وجوه الحاضرين ونقلها ولست أدري وجهتهم ما إذا كانت مستشفى أو إلى المقبرة" حسب قوله لــ"مندب برس".
هو الأخر الشاب علوي اليافعي يتحدث لـ"مندب برس"بأن أحد أقرباه والذين يقطنون حي الممدارة _شمال عدن_ توفت اليوم وهي تعاني من ارتفاع الضغط بسبب ارتفاع درجة الحرارة كونها كانت لا تفارق "المكيف" ؛ وظلت تحت رحمة التيار الكهربائي لردح من الزمن وبانقطاعه انطفأت روحها لتكابد أسرتنا مرارة المأتم كحال العشرات من الأسر العدنية التي فقدت أقربائها نتيجة انقطاع الكهرباء".
هذا وسجلت الإحصائيات الغير رسمية وفاة أكثر من خمسين شخص موزعين على أكثر من مديرية وتعد مدينة كريتر الأولى من حيث الوفيات برصيد 15 متوافي خلال الثلاثة الأيام الماضية ؛ ناهيك عن المخاوف التي تتحدث عن وفاة من هم طريحي فراش الإنعاش و"مرقدين" المستشفيات بمدينة عدن خاصة بعد الإعلان عن وفاة ما مقداره 8 أشخاص بمستشفى الجمهورية خلال اليومين الماضيين بسبب انعدام الأكسجين والوقود.
الكهرباء مشكلة عدن الأولى
تعد مشكلة الكهرباء بعدن من أكثر المشاكل تعقيداً لأسباب متعددة أهمها حسب المدير السابق لمؤسسة كهرباء عدن التهاون في عملية الصيانة للمعدات الكهربائية بمختلف محطات عدن الكهربائية منذ سنوات.
في سياق حديثٍ سابق للمهندس " مجيب الشعبي" قال لـ"مندب برس": ؛ إن عدم تجاوب المواطنين بالإسراع في عملية تسديد فاتورة الكهرباء يضفي إلى ما تعانيه المؤسسة من مشاكل كثيرة من بينها مشكلة الانتظام بتزويد كهرباء عدن بمادتي المازوت والديزل".
هذا وتبلغ مديونية المواطنين والمؤسسات والمرافق الحكومية لمؤسسة كهرباء عدن أكثر من 30 مليار ريال خلال الفترة مابين مارس من العام الماضي حتى مارس من هذا العام بل ويزيد بسبب الإبقاء على نفس الحالة في عدم التسديد ؛ إلا أن امتناع مؤسسة نفط عدن تزويد محطة الحسوة الكهروحرارية ومحطات عدن الأخرى بالوقود بسبب مديونية تجاوزت الأربعين مليار ريالً يمني حال دون استمرارية مؤسسة كهرباء عدن على إمداد مختلف مديريات عدن بالتيار الكهربائي حسب تقارير سابقة لمؤسسة الكهرباء ومصادر عمالية مختلفة بالمؤسسة لـ"مندب برس".
إلا أن التدخلات الحكومية والرئاسية عملت خلال الأشهر القليلة الماضية على تزويد محطة كهرباء عدن بالوقود من خلال شركة "عرب جلف" للحيلولة دون تفاقم أزمة الكهرباء في ظل ما تشهده المدينة من ارتفاع لدرجة الحرارة.
العيسي والتحالف المخولان بإنقاذ عدن
فيما تفاقمت الأزمة بين محافظ عدن ومؤسسة النفط والكهرباء والمصافي من جهة وبين شركة عرب جلف من خلال اتهامات متبادلة بالضلوع في التسبب في أزمة انقطاع التيار الكهربائي من خلال عدم تزويد المدينة بالمحروقات هذا ما نفاه صاحب شركة "عرب جلف" رجل الأعمال اليمني "أحمد العيسي" والتي تزود عدن بمادة النفط من خلال بيان صحفي وُزع على وسائل الإعلام الأسبوع الماضي والذي تلقى "مندب برس" نسخة منه.
وسرعان ما يتبادل طرفي الأزمة في عدن الاتهامات بمسؤولية أحدهم ووقوفه خلف الأزمة التي تعصف بمدينة عدن ؛ فالعيسي حسب متابعين يطالب بالسدد الفوري كاش فيما تسدد شركة النفط قيمة النفط نصفه كاش والنصف الأخر مؤجل.
إلا أن تسير دولة الإمارات العربية المتحدة وبعد استدعاء وزير الكهرباء اليمني إلى ابو ظبي والمشاورات المستفيضة التي تخللتها اليومين الماضيين أفضت إلى إنقاذ مدينة عدن بالوقود لمواجه الكارثة التي تشهدها مدينة عدن.
فدخول عدد من الشاحنات الكبيرة والتي تقل ألاف الأطنان من مادتي المازوت والديزل حسن وضع الكهرباء منذ الفجر حتى الآن _أي_ أن التيار يعمل حالياً بطاقة ثلاث ساعات مقابل ساعتين خلافاً للأيام الماضية أربع ساعات مقابل نصف ساعة يومياً.
الكهرباء كل شي
تعتمد المدينة الساحلية _عدن_ على الكهرباء اعتماداً كلياً في كل نواح الحياة المختلفة وذلك لسبب طقس المدينة الحار والذي يزداد وطأة مع حلول الصيف ؛ فالمستشفيات والمرافق الحكومية والمنازل وكل شيء لا تعمل إلا بوجود الكهرباء.
هذا وسبق لمستشفيات عدن الجمهورية وخليفة والصداقة وصابر والنقيب والوالي رفعت مناشدت إلى رئيس الجمهورية بسرعة حل أزمة الكهرباء وتوفير الأكسجين للمرضى كي لا تخسر المستشفيات مرضاها وخاصة من ذوي العاهات المستديمة وكبار السن والذين يقبعون بغرف الإنعاش.
فيما رفضت مستشفيات المدينة إجرى عمليات جراحية هذا الأسبوع بسبب نفاذ الوقود وعدم توفر مادتي الديزل كما هو الحال للطفل أحمد مروان والذي رفضت مستشفى الجمهورية من أجرى عملية مسالك بولية بسبب أزمة الكهرباء.
وبحسب مصدر خاص لـ"مندب برس" قالت مصادر خاصة بمصافي عدن أن هذه الأزمة هي الأكبر من سابقاتها _أي_ أنها أكبر من أزمة 2010 وأزمة 2011 ومروراً بأزمة حرب 2015م.
فيما عمت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية أرجى مدينة عدن تنديدياً بانقطاع التيار الكهربائي وخاصة تلك التي تخللها إقتحامهات لعدد من المحطات المختلفة وسقوط قتلى في وسط المتظاهرين واعتراض عدد من شاحنات مؤسسة الكهرباء وإحراق أكثر من ثلاث سيارات خلال اليومين الماضيين في البريقة غرب عدن وقطع جميع شوارع المدن الرئيسية.