في قرار ليس مفاجأ، أعلنت طهران للمرة الثانية منع مواطنيها من أداء الحج هذا العام، بعدما عطل الوفد الإيراني الاتفاق الذي كان من المنتظر أن يتم توقيعه، الخميس، بين السعودية وإيران؛ لإنهاء مشكلة الحجاج الإيرانيين، على الرغم من التوصل إلى اتفاق مبدئي، الأربعاء، وغادر الرياض دون توقيع محضر الاتفاق، فما دلالات هذا التصعيد غير المبرر، وأهدافه في هذا التوقيت.
عدد من المراقبون يرون أن التصعيد الإيراني الأخير في قضية الحج، والجدل الذي أحدثته طهران حول إجراءات الحج الروتينية التي يخضع له عادة جميع الدول المعنية بهذه الشعيرة الدينية، واستخدام الحج كورقة سياسية ليس جديداً، مؤكدين أن موسم الحج بالنسبة لطهران منذ ثورة الخميني ليس أكثر من فرصة سنوية يستغلوها هؤلاء لتصدير ما يسمي " ثورة".
فمنذ إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي باقر النمر واقتحام السفارة السعودية بطهران قبل أشهر، والجدل والشحن الإيراني بشأن أداء شعيرة الحج لا ينتهي.
الترويج لدويلة الفاتيكان الإسلامية تحت عباءة الولي الفقيه
وحول أهداف إيران من تصعيد الأزمة بينها وبين المملكة حول موسم الحج أوضح د. نبيل العتوم الخبير في الشأن الإيراني في تصريح خاص لـ"شؤون خليجية" أن إيران تريد تحقيق مشروع طرحته سابقا وهو تجريد السعودية وسحب البساط منها على الأماكن الدينية وعمل دولة دينية تجمع بين مكة والمدينة على غرار الفاتيكان ووضعها تحت ولاية منظمة المؤتمر الإسلامي
وأضاف أن محاولة افتعال أزمات الحج من جانب إيران، لإخراح السعودية ومحاولة إظهارها أنها غير قادرة على إدارة شؤون الحج
ولفت إلى أنه بعد حادثة مشعر منى العام الماضي توجهت الأنظار وأصابع الاتهام مباشرة من جانب إيران إلى السعودية، على اعتبار أنها المسؤولة عن الحادث، ونسيت طهران أن حجاجها كانوا هم سبب افتعال الحادث بشكل متعمد، ما يعكس نوايا إيران الخبيثة لتدويل أرض الحرمين الشريفين، خدمة لأهدافها التوسعية والتخريبية.
وأكد أن إيران قامت بحملتها تلك لتمهد لطرح فكرة جهنمية تعكس نوايا إيران الخبيثة حول ” مشروع دويلة الفاتيكان الإسلامية” ، وفق تصور خطير يفيد أن الحاجة قد حانت لتأسيس “فاتيكان إسلامي” بحيث تضم هذه الدويلة مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وهو ما طرحته طهران مباشرة وروجت له بعد حادثة منى مباشرة ، بحجة عجز السعودية عن إدارة شئون الحجاج ، وتوفير الأمن لهم، حتى يمهد لها ذلك إحكام قبضتها على بلاد الحرمين ، وتحت عباءة قيادتها .
ورأي أن دولة الملالي أسهبت بشرح هذا المشروع، و توضيح أسسه ومبادئه، وابتكار تصورات حول تأسيس فاتيكان إسلامية داخل السعودية ، وشكل إدارتها بحيث تكون مستقلة ، وتدار من قبل عالم من إحدى البلدان الإسلامية – وهو بالتأكيد خامنئي على إعتبار كونه أعلمهم – وله مستشارون من مختلف دول العالم الإسلامي لتحقيق إدارة صحيحة.
كيف تخطط إيران لموسم الحج؟
من جانبه أوضح الكاتب السعودي عبد العزيز السويد أن إعلام الموجّه يقوم باستغلال عدم توقيع وفده على اتفاق الحج بالمملكة، محاولاً تصوير ذلك أنه «منع» من الحكومة السعودية لحجاج إيران، ويجتهد الملالي في طهران في خطب حول هذه القضية، لشحن الجمهور الإيراني ووسائل الإعلام العالمية.
وأشار في مقال له اليوم بعنوان "أحيانا خطط إيران لموسم الحج" إلى إن منع حكومة الملالي في طهران من استغلال تجمع ملايين المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو هزيمة كبرى لها، فهي تتعيش على تسيير المظاهرات وإحداث الشغب مع لافتات سياسية، ولا يعنيها ماذا سيحدث للحجاج، سواء من الإيرانيين أو غيرهم، لذلك فإن الإصرار على منع كل أشكال الاستغلال السياسي لمناسك الحج والعمرة ومنع التجمعات بأي صورة ضرورة لا يصح التنازل عن جزء يسير منها، فهو لأمن الحج وملايين الحجاج، وأيضاً لنزع سلاح إعلامي سياسي تستخدمه حكومة إيران كل موسم إسلامياً وداخلياً.
وحذر من فرضية استخدام حكومة طهران جنسيات أخرى عربية، خصوصاً من العراقيين أو اللبنانيين أو الحوثيين، وكل متابع يتذكر اجتياح نصف مليون إيراني الحدود العراقية ودخولهم «تحت غطاء السياحة الدينية» من دون أوراق ثبوتية، واستغلال الآلاف من هؤلاء بتزوير أوراقهم الثبوتية بجنسية عراقية في موسم الحج، مع حكومة عميلة في بغداد مخترقة حد العظم من ميليشيات إيرانية، وهي فرضية طرحها أحد الإخوة في حساب على «تويتر».
من يتحمل الوزر ؟
تبادل الجانبين السعودي والإيراني الاتهامات حول عرقلة كل منهم تأدية الإيرانيين الحج ، محملين بعضهم البعض الوزر ، حيث أكدت وزارة الحج والعمرة السعودية، الجمعة، رفض المملكة القاطع لتسييس شعيرة الحج أو المتاجرة بالدين، وقالت إن "بعثة منظمة الحج والزيارة الإيرانية امتنعت عن توقيع محضر إنهاء ترتيبات الحج وتتحمل أمام الله ثم أمام شعبها مسؤولية عدم قدرة مواطنيها من أداء الحج لهذا العام"، مضيفة أنها على استعداد دائم للتعاون فيما يخدم الحجاج ويسهل إجراءات قدومهما
وقالت الوزارة في البيان: "تتحمل إيران أمام الله، ثم أمام شعبها، مسؤولية عدم قدرة مواطنيها على أداء الحج لهذا العام، كما توضّح رفض المملكة القاطع لتسييس شعيرة الحج، أو المتاجرة بالدين، وأنها على استعداد دائم للتعاون فيما يخدم حجاج بيت الله الحرام ويسهّل إجراءات قدومهم".
في حين اتهمت الخارجية الإيرانية أمس السبت المملكة العربية السعودية بالسعي لتصعيد توتر العلاقات مع إيران، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابري أنصاري، السبت، إنه في حال لم يستطع الإيرانيون أداء مراسم الحج فإن "مسؤولية الصد عن سبيل الله تقع على السعودية.
واتهم أنصاري السعودية بأنها "مصدر أعلب التيارات والتنظيمات التكفيرية، وهي تقدم أكبر دعم مالي لهذه التنظيمات،" ملوحا بحدود صبر إيران، ومعلقا: "سعينا في السنوات الاخيرة للتعامل مع السعودية بضبط النفس إلى أبعد الحدود، إلا أن هذا لا يعني أننا وقفنا مكتوفي الأيدي."
قصة إيران مع الحج
شواهد عديدة ثبت ذلك ولعل من أبرزها حسبما عددها د. إبراهيم العثيمين في مقال له بعنوان إيران والحج ..تكرار الحكاية بترتيبة ممله" ان الإيرانية مع الحج لا تختلف كثيرا هي نفسها برتابتها وتكرارها ، فمنذ بداية الثورة في 1979، عبر القيام بتظاهرات في موسم الحج تحت ذريعة «إعلان البراءة من المشركين» وهو الشعار الذي ألزم به الخميني الإيرانيين أو من يؤمن بولاية الفقيه، برفعه وترديده في مواسم الحج من خلال مسيرات أو مظاهرات تتبرأ ممن يزعم أنهم من «المشركين»، بدأت القصة الإيرانية مع الحج منذ الثورة الإيرانية سواء في إحداث 1987 في مكة التي نتج عنها مقتل 402 شخص، او حادثة نفق المعيصم في 1989 أو غيرها من الأحداث التي حاولت إيران هز أمن واستقرار الحج من خلالها.
وأوضح أن إيران تحاول من خلال استغلالها لورقة الحج لهذا الموسم، فك العزلة التي أصبحت تعاني منها سواء على المستوى العربي والتي تجسدت بشكل واضح في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية، الذي عقد في 10 يناير 2016 الذي أدان بشكل صريح الاعتداءات الإيرانية على مقار البعثات الدبلوماسية السعودية والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية وخاصة سوريا ولبنان والعراق واليمن، وقد تكررت نفس الإدانة في الاجتماع الوزاري للجامعة العربية الذي عقد في 10 مارس 2016، مما يعني مزيدا من الضغط السياسي والدبلوماسي من الدول العربية على ايران والتي تمثل المحيط الاقليمي لها ثم جاءت قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في اسطنبول في 15 أبريل 2016م والتي تضمن بيانها الختامي تنديدا صريحا بدعم إيران «المتواصل» للإرهاب و«تدخلاتها» في شؤون دول المنطقة، كمزيد من الحصار الاسلامي على إيران والذي يمثل دائرة الانتماء الحضاري لها. هاتان الذراعان العربية والإسلامية اللتان كانت تعتمد عليهما ايران كشرعية لخطابها السياسي المعادي للسعودية والخليج وغطاء لتدخلاتها في شؤون الدول الاخرى فقدتهما بخسارة دعم هاتين المنظمتين.
ورأي كان لإيران فرصة تاريخية بعد الانفراجة السياسية مع المجتمع الدولي بعد الاتفاق النووي، من خلال العمل على تحسين علاقاتها الدولية مع دول المنطقة والعالم الاسلامي على اساس مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وفقا للمواثيق الدولية، إلا ان ايران استمرت للأسف على نهجها القديم في خطابها المعادي والتدخل في شؤون الدول الاخرى ودعم الجماعات الارهابية، مما سوف يزيد في عزلتها ليس فقط على المستوى العربي أو على المستوى الإسلامي بل ايضا على المستوى الدولي.
خوف من التصعيد
من جانبه قال الدكتور محمد عباس ناجي رئيس تحرير مجلة “مختارات إيرانية”، أن قرار إيران بمقاطعة الحج لهذا العام لا يعود إلى الشروط التي وضعتها المملكة العربية السعودية ورفض إيران لها، بل هو انعكاس ونتيجة لأزمتها السياسية مع المملكة، بعد حادثة تدافع الحجاج ، وكذلك إعدام المفكر الشيعي السعودي نمر النمر الذي أدى لهجوم مواطنين إيرانيين على القنصلية السعودية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وأوضح في تصريحات صحفية أن موضوع الحج تم تسييسه، فالوضع لا يتعلق بخلاف على مناسبة دينية، بل إلى تخوفات سعودية من استغلال الإيرانيين للمشاعر الدينية في تلك المناسبة وتنظيم مظاهرات ضدها، وهو ما حدث بالفعل من قبل، ولهذا شددت بعض الإجراءات ومنها طلب حصول الحجاج على تأشيرة من دولة ثالثة.
ورأى ناجي أن هناك احتمالًا، وإن لم يكن مضمونًا، أن ينقلب المواطنون في إيران على حكومتهم بدلًا من السعودية، وعدم نجاح حيلة استغلال الاختلاف الطائفي في إثارتهم، نظرًا لأن المنع من الحج أصابهم فقط ولم يُصِب الشيعة حول العالم.
وأوضح أن هناك تخوفات من استغلال حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وبقية الميليشيات الشيعية لتلك المسألة في التصعيد ضد السعودية وأذرعها في دول الصراع العربي.