بمشاعر مغايرة لتلك التي رافقت الحدث، تحل الذكرى الـ26 للوحدة اليمنية، فيما تتصدر مطالب انفصال الجنوب عن الشمال خطاب الساسة، وحديث الشارع، في حين يعمل الرئيس عبد ربه منصور مدعوماً من التحالف العربي على إعادة صياغة هذه التجربة، وفقاً للنموذج الاتحادي بعد أن دمرتها سياسة الرئيس المخلوع، ومن بعده الانقلابيون الحوثيون.
تحل الذكرى السنوية هذه المرة في ظل أوضاع مختلفة ووقائع جديدة تجعل من الصعب استمرار تلك التجربة الاندماجية بفعل الممارسات التي انتهجها الرئيس المخلوع منذ اجتياح قواته الجنوب في العام 1994.
حيث استولى ومعاونوه على كل مقدرات الدولة وسُرِّح عشرات الآلاف من الجنود من أعمالهم، كما مارس سياسة إقصاء متعمدة كانت دافعاً لظهور الحراك الجنوبي في العام 2007، مطالباً بإصلاح مسار الوحدة قبل أن يغير مطالبه إلى استعادة الدولة.
إزالة المظالم
ومع سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع على أثر الثورة الشعبية في العام 2011 ووصول الرئيس هادي إلى سدة الحكم أقرت القوى السياسية مجتمعة إزالة كل المظالم التي لحقت بالجنوب طوال فترة حكم المخلوع، كما تبنى مؤتمر الحوار الوطني الدولة الاتحادية لضمان مشاركة الجنوب في السلطة والثروة ومنع هيمنة منطقة أو جماعة على بقية مناطق البلاد.
لكن وما إن اقترب موعد المصادقة على الدستور الجديد وسط آمال عريضة بانتهاء حقبة مظلمة من تاريخ البلاد دمرت معها كل القيم والمعاني الجميلة للوحدة حتى اجتاح الانقلابيون الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق العاصمة، ومنعوا إقرار الدستور واجتاحوا بقية المحافظات وصولاً إلى عدن.
إعادة صياغة الوحدة
المغامرة التي أقدم عليها الانقلابيون كانت كفيلة بما حملته معها من ممارسات إجرامية بالقضاء على الآمال التي تشكلت لدى سكان الجنوب بإمكانية تحقيق الشراكة وإزالة المظالم، ما ضاعف من التحديات والصعاب أمام الرئيس هادي والتحالف العربي الذي تدخل لمنع سقوط اليمن بيد إيران، حيث يدرك كل السياسيين استحالة استمرار التجربة الحالية للوحدة.
ولهذا تنصب الجهود حالياً نحو إعادة صياغة الوحدة استناداً إلى تجارب اتحادية استطاعت الصمود وحققت العدالة والإنصاف.
ويؤكد القيادي في الحزب الاشتراكي وعضو مجلس النواب، عيدروس النقيب، أن الذين يطالبون باستعادة دولة الجنوب هم أكثر من خمسة ملايين يشتعلون حنيناً إلى وطن بلا حروب وبلا أسلحة وبلا إرهاب وبلا تعال وبلا تمايز في المواطنة.
وطن فيه كرامة وعزة واستقرار ورغيف وكتاب وضوء وماء نقي ومركز شرطة يلتجئ إليه المظلوم، وقرص أسبرين مجاني يطفئ الألم ويعيد العافية للجسد الذي أنهكه اللصوص والمسلحون وتجار الممنوعات.
الحاجة إلى التريّث
أما القيادي في الحراك الجنوبي قاسم عسكر فيوضح أن بعض الخطوات نحو الانفصال تحتاج إلى نوع من التريث قبل إعلانها، مؤكداً أن هناك وعوداً إقليمية ودولية بخصوص استقلال الجنوب عن شماله.
وذكر أن هناك بعض الخطوات التي تمكن الجنوبيين من الوصول إلى الاستقلال بطريقة مدروسة وسلسة وأن المرحلة المقبلة ستشهد العديد من الخطوات العملية على الأرض للوصول إلى تحقيق هدف شعب الجنوب في استعادة الدولة كاملة السيادة.
تقزم الوحدة
من جهته يقول وزير الإعلام السابق علي العمراني، في ما يخص وحدة اليمن، تبين أن الإنجاز كان عظيماً نسبياً وكبيراً، لكنه يفوق كثيراً خيال وقدرات اللذين قاما بتحقيقه، حيث تقزم الإنجاز بتقزم صانعيه، ويأمل أن يؤوب اليمنيون إلى رشدهم من قريب، قبل تعقيد الأمور أكثر، وقبل أن يعم التفكك والخراب على نحو أسوأ.
وتمنى على العرب، في هذه الظروف الصعبة جداً، وخاصة الأشقاء الأقربين في الجزيرة والخليج، أن يساعدوا اليمن على ألا تسوء الأحوال فيها أكثر، بأمل ألا يطول الزمان حتى يرشد اليمنيون وتصلح الحال وتكون اليمن أفضل.
سفينة النجاة
أما القيادي المنشق عن الانقلابيين الحوثيين علي البخيتي فيجزم أن حوار الكويت هو سفينة النجاة لليمن، والتي يمكن أن تحفظ ما تبقى من وحدة اليمن، ومن تماسك مكوناته المجتمعية، وما تبقى من مؤسسات دولة فيه.
ويؤكد أن حوار الكويت هو الفرصة الأخيرة ما قبل صوملة اليمن، حوار الكويت مهدد بالفشل في أية لحظة، إما بسبب تعنت الأطراف اليمنية المتحاورة وعدم استغلالها الأمثل للاهتمام الدولي والعربي.
وإما نتيجة للانهيار المتوقع للوضع الاقتصادي بفعل استمرار التدهور في سعر العملة اليمنية وعجز البنك المركزي عن توفير العملة الصعبة المخصصة لاستيراد السلع الأساسية، أو نتيجة ليأس الوسطاء، وقال، يجب عدم المراهنة على الوقت، فأحد العوامل الثلاثة قد يغرق سفينة النجاة في غفلة.
حماية الشرعية
بدوره المحلل السياسي ياسين التميمي يقول إن الذهاب إلى الانفصال في هذه الظروف هي ضربة لدور التحالف.
ويرى أن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لم يأت لكي يقسِّم اليمن، بل جاء لحفظ وحدة اليمن وحماية الشرعية، وإعادة الاستقرار إلى هذا البلد وجاء أيضاً كونه إجراء وقائياً من حمى الفوضى التي قد تستشري في المنطقة كلها، في ظل المشروع الإيراني واضح المعالم الذي يستهدف تقويض البنى الاجتماعية والسياسية والعقائدية للمنطقة.
ومع استمرار الانقلابيين في مغامرتهم وعدم الرضوخ لقرارات مجلس الأمن الدولي فإن مخاطر كبيرة تواجه اليمن ليس نحو إعادة تجزئته إلى دولتين بل إن هذا البلد يواجه مخاطر الصوملة والدويلات المتعددة إذا لم ينته الانقلاب والذهاب نحو إقامة الدولة الاتحادية العادلة الضامنة للمساواة والمشاركة في السلطة والثروة وإزالة كل المظالم التي لحقت بمواطنيها طوال ثلاثة عقود من حكم الرئيس المخلوع.