في أبريل 2015 سقطت مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت في يد تنظيم القاعدة، وبات مسلحوه يتحكمون في كل موارد المدينة ومينائها.
وعمدت «القاعدة» إلى تشكيل مجلس أهلي، وأعلنت أنها سلمت الأمور إليه ليدير دفة الأمور هناك، غير أن المتابعين يرون أن القاعدة هو من كان يدير المكلا فعلياً تحت غطاء «المجلس الأهلي» الذي يدين أعضاؤه بالولاء للتنظيم.
سيطر مسلحو التنظيم على الموارد المالية والبنوك، وبدأوا بفرض ضرائب مالية على مرور شاحنات المواد النفطية، والسيارات المهربة القادمة من عدة دول عبر البحر، وكدست أموالاً طائلة من واردات المدينة الساحلية والاستراتيجية.
جند تنظيم القاعدة المئات من المرتزقة للقيام بتحصيل «الأتاوات»، وجنى من وراء ذلك أموالاً طائلة، لكنه فقدها في غضون ساعات.
عملية نوعية
ليل الاثنين الماضي، كانت مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، على موعد مع حدث بالغ الأهمية، قوات من الجيش الوطني مسنودة بطيران الأباتشي التابع للتحالف العربي تداهم أوكار القاعدة في المدينة براً وجواً وبحراً في عملية نوعية ومحكمة التخطيط. بضع ساعات، وكانت المدينة خالية تماماً من عناصر القاعدة الذين أحكموا القبضة على المدينة ومينائها منذ نحو عام، وحولوها إلى إقطاعية مالية تدر الملايين بطرق غير مشروعة مستغلين غياب الجهات الرسمية، وفوضى التهريب.
تقول المعلومات التي حصلت عليها «البيان» من مصادر خاصة إن التحالف العربي أقام معسكرات تدريبية في صحراء محافظة المهرة، شرقي اليمن، تخرّج منها آلاف الجنود اليمنيين الموالين للشرعية وهؤلاء كانوا هم رأس الحربة في معركة تحرير المكلا.
وتشير المعلومات إلى أن الجنود اليمنيين خضعوا لتدريبات مكثفة خلال مدة تزيد على سبعة شهور، فيما تكفل التحالف بالدعم اللوجستي أيضاً.
تفاجأ عناصر القاعدة بهجوم مكثف لطيران الأباتشي استهدف مواقعهم في مطار الريان، المجلس المحلي، وإدارة الأمن، تكبدوا على إثره خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. كانت العملية مباغتة وسريعة، قوات من البحر، وأخرى من البر عن طريق منطقة المسيلة المجاورة، وبأسلحة نوعية وعربات مصفحة متطورة، كل ذلك ساهم في حسم المعركة في غضون ساعات.
إغلاق حنفية التمويل
بخسارته لمدينة المكلا، يكون تنظيم القاعدة خسر نحو 100 مليون دولار أميركي، وربما أكثر، حصل عليها من البنك المركزي في المكلا، عوضاً عن تلك المبالغ التي يجنيها من عمليات تهريب السيارات والبضائع من منطقة الميناء ومدينة الشحر المجاورة لها.
ويعد تحرير المكلا من قبضة القاعدة صفعة كبيرة في وجه التنظيم الذي يبحث عن التمويل، ليتمكن من تنفيذ عملياته ضد عناصر الأمن والجيش والمقاومة الشعبية، في ظل حملة عسكرية تقودها القوات الحكومية ومن ورائها التحالف العربي في مناطق أبين جنوبي البلاد، وتخليص بعض مدنها من هيمنة القاعدة.
القاعدة تخسر مجتمعياً
يمكن القول إن القاعدة خسرت مجتمعياً، إضافة إلى خسارتها المالية جراء فقدان المدينة الساحلية (المكلا)، إذ بات الناس يتطلعون إلى عودة الدولة واستتباب الأمن وعودة الاستقرار، ويثقون في أن القوات الحكومية الداعمة للشرعية، ستتمكن من تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم.
وفقاً للمراقبين، فإن تحرير المكلا يمثل شرارة جولة جديدة من الحرب ضد القاعدة تختلف عن سابقاتها، فقد كان نظام المخلوع علي صالح يستخدم القاعدة كـ«فزاعة» للغرب ودول الإقليم، حسب تقارير غربية، لكن الحرب اليوم تتم بمشاركة دول الإقليم ومباركة المجتمع الدولي في سبيل تخليص اليمن من كابوس جماعات العنف وعلى رأسها «القاعدة» والحوثيون وقوات موالية للمخلوع. كما أن الحرب التي كان يشنها نظام صالح في الجنوب لا تحظى بأي دعم شعبي، كون الناس تنظر إلى نظام المخلوع باعتباره نظاماً فاسداً، وأن الحرب ما هي إلا أحد وجوه هذا الفساد المتشعب.
دور التحالف
كان للتحالف العربي، ولدولة الإمارات على وجه الدقة، دور في حسم معركة تحرير المكلا من القاعدة، سواء من خلال قيادة المعركة أو الغطاء الجوي الذي فرضه التحالف، وكذا مشاركة الأباتشي في تمشيط مواقع المسلحين.
ويعد العميد ركن مسلم الراشدي، نائب قائد قوات التحالف العربي المشترك وقائد قوات الإمارات في اليمن، هو القائد الفعلي للمعركة، وهو شخصية عسكرية معروفة بحزمها، وهو من قاد معركة تحرير مناطق سد مأرب من الحوثيين، ليعود هذه المرة لقيادة معركة ضد «القاعدة» في حضرموت.
مستقبل «القاعدة»
خسر «القاعدة» كثيراً من التعاطف الذي كان يحظى به سابقاً في بعض مناطق اليمن، وخصوصاً الأرياف والمناطق القبلية؛ إذ إن السيطرة على المدن وممارسة الابتزاز على الناس أفقده التعاطف الذي حصل عليه من خلال رفع شعارات من قبيل تطبيق الشريعة لينكشف القناع عن كل ذلك، ويصبح مجرد شعارات فارغة وجوفاء. والحقيقة أن لا مستقبل لـ«القاعدة» ولا لجماعات العنف الأخرى كالحوثيين، إذ بات اليمنيون يتطلعون إلى الدولة العادلة التي ينعمون فيها بالأمن والاستقرار بعيداً عن لغة الحرب والسلاح التي عانوا منها كثيراً.
ضامن
لعل وقوف العرب، والخليجيين إلى جانب اليمن، سيلعب دوراً في تخليص البلاد من شرور جماعات العنف، وسيسهم بشكل فعّال في تثبيت مداميك الدولة التي غابت كثيراً، وترك الفراغ فرصة لتنامي الجماعات المسلحة، وتحكمها في المشهد. وخلاصة القول إن وجود دولة قوية، بأي شكل سوى مركزية أو اتحادية من إقليمين أو ستة أقاليم، هو الضامن الحقيقي لاستتباب الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، وبالتالي نهاية المشاريع الصغيرة ما دون الدولة الوطنية.