تمارس جماعة الحوثي وصالح سياسة خلط الأوراق والمفاهيم والمراوغات السياسية ومنها تكرار تعمد تأخير الوصول بهدف واضح وأساسي يفهم من بين السطور وهو البحث عن "الخروج الآمن" الأمر الذي يثير القلق والمخاوف بشأن تحول مفاوضات الكويت اليمنية إلى غطاء يمرر من خلاله محاولة الخروج الآمن بل الأكثر خطورة أن هناك مؤشرات أولية تؤكد نجاح الحوثي وصالح من الانتقال من خانة محاولة ضمان الخروج الآمن إلى التحول إلى شريك سياسي بالسلطة بشكل متكافيء.
وما يدل على ذلك الاتجاه مفردات الحكومة اليمنية والمبعوث الأممي لليمن وتصريحات الحوثيين والتي حولت القرار الأممي 2216 واجب النفاذ دون قيد أو شرط إلى قرار قابل للنقاش ويبحث عن آليات للتنفيذ لا زالت محل مشاروات، وقد يكون منها إلغاء بعض بنوده وتطويعها لضمان الخروج الآمن، كذلك تتكرر محاولات الأمم المتحدة دوما لوصف الحوثي وصالح باعتبارهم شركاء سياسيين ومكون من مكونات السلطة المحتملة، بينما توصيفهم الحقيقي هو "انقلابيين" مارسوا انقلابا خشنا بقوة السلاح، الأمر الذي يستتبع محاكمة ومساءلة، أما تراجع مصلطح انقلابيين يعكس نية مبيتة من الأمم المتحدة لتوفير الخروج الآمن لهؤلاء بل قد نفاجأ بتقاسمهم للسلطة في ظل تعمد رفع كلفة المشاركة بالمفاوضات السياسية.
يعد الخروج الآمن للحوثيين وصالح فخ يؤدي إلى تفكك الدولة اليمنية لعدم ضمان ولاءهم ويؤدي للصدام مع المقاومة اليمنية الشعبية لأنه يجهض تضحياتها العسكرية والبشرية، بينما يجب محاكمة الحوثي وصالح كانقلابيين ومجرمي حرب.
السؤال الأهم هل ستقبل السعودية قائدة التحالف العربي باليمن والحكومة اليمنية بتمرير الخروج الآمن للحوثي وصالح وتمثيلهم وقياداتهم بالسلطة القادمة؟
الانقلاب على القرار الأممي
كانت قد اتهمت أوساط يمنية الاثنين المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ بالانقلاب على القرارات الأممية بشأن الأزمة في البلاد، وكان ولد الشيخ استثنى قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يلزم المليشيات المسلحة بتسليم مؤسسات الدولة والانسحاب من المدن كمرجعية للمشاورات اليمنية المزمع عقدها في الكويت.
وفي البيان الصادر عنه قال "إن من المرتقب أن تركز المحادثات على إطار عملي يمهد للعودة إلى مسار سلمي ومنظم بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، دون أي ذكر لقرار مجلس الأمن".
وبحسب بعض الأوساط فإن هذا التصريح هو الأخطر في مصير المفاوضات الذي قد يعيد تموضع الحوثيين في المدن دون إلزامهم بترك السلاح، ولقي البيان انتقادات كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل كثير من المحللين السياسيين والمتتبعين للشأن اليمني، حيث اعتبر البعض أنه حذف كامل للقرار الأممي من مرجعيات المشاورات، بحسب "المشهد اليمني".
هذه الاتهامات للأمم المتحدة تؤيدها وقائع ميدانية حيث لم تتدخل لفرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي خرقه الحوثي وصالح عدة مرات، كذلك لم تحاول استخدام صلاحيتها في تطبيق القرار 2216 برغم أنه ملزم بحد ذاته ولا يحتاج مشاورات جديدة بين أطراف النزاع، برغم أن تطبيقه كان كفيلا بحقن دماء اليمنيين طيلة عام كامل، ولم تتدخل لوقف كامل لمد إيران الحوثيين بالسلاح بموجب نص القرار نفسه.
في محاولة لذر الرماد في العيون قال مستشار لوفد الأمم المتحدة في الكويت : إن الحوثيين اتسموا «بالإيجابية الشديدة» حتى قبل يومين، وإنهم اتفقوا مع مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد على كل شيء تقريبا، ونقلت وكالة رويترز أمس عن المستشار - الذي طلب عدم نشر اسمه - قوله : «تغير موقفهم تماما منذ ذلك الحين وسبب ذلك صدمة (لولد الشيخ أحمد)» الذي كان يأمل في أن تكون محادثات الكويت مقدمة مهمة لإنهاء الاضطرابات وتسوية المشاكل في اليمن، فيما ويتذرع الحوثيون وحليفهم بما يزعمون أنه خروقات لوقف إطلاق النار، برغم توثيق خروقات الحوثي وصالح، الأكثر خطورة أن الأمم المتحدة تكافيء الحوثي وصالح بالمشاركة السياسية في السلطة.
القرار 2216
في 14 أبريل 2015 -أي منذ عام- تبنى مجلس الأمن الدولي، استنادا إلى مشروع عربي القرار رقم 2216 الذي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين ويؤكد دعم المجلس للرئيس اليمني هادي ولجهود مجلس التعاون الخليجي.
صوت لصالح القرار الذي صدر الثلاثاء 14 أبريل/نيسان تحت البند السابع 14 من أعضاء المجلس الـ15 ، فيما امتنعت روسيا عن التصويت.
بما منح القرار قوة في التنفيذ غير مسبوقة وبخاصة صدوره تحت الفصل السابع أي تنفيذه لا يتحاج مرجعيات أخرى تسانده، وتنص بنود القرار على تنفيذ عاجل وكامل ودون قيد أو شرط، بينما تتفاوض عليه الأمم المتحدة منذ عام وأدخلت معها الحكومة اليمنية ودول الخليج بالدائرة المفرغة نفسها، مع تجزئة بنوده وتفتيتها وجعلها محل تفاوض للبدء من نقطة الصفر وليس البناء على القرار.
يطالب القرار الحوثيين بالقيام بعدد من الخطوات بصورة عاجلة دون قيد أو شرط:
الكف عن اللجوء للعنف
سحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء
الكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية
الامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض-أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة.
الإفراج عن وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي وجميع السجناء السياسيين والأشخاص الموجودين تحت الإقامة الجبرية والموقوفين تعسفيا
(العقوبات):
تعد العقوبات هي الجزء الثاني من القرار الذي يجري التنصل منه لأنه يمنع الخروج الآمن للحوثيين، حيث "يوسع القرار الجديد قائمة العقوبات الدولية الخاصة باليمن والتي فُرضت تنفيذا للقرار 2140 الصادر في فبراير/شباط عام 2014، إذ تم إدراج عبد الملك الحوثي زعيم حركة "أنصار الله" وأحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على القائمة السوداء باعتبارهما متورطين في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن وتتمثل العقوبات في تجميد أرصدهم وحرمانهم من السفر إلى للخارج.
وكانت لجنة العقوبات قد أدرجت على القائمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كلا من الرئيس السابق علي عبد الله صالح واثنين من قادة الحوثيين هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم.
تهميش إعلان الرياض
الأمم المتحدة نجحت إلى حد كبير أيضا في تهميش مخرجات إعلان الرياض الصادر في مايو 2015 برغم أن القرار 2216 منحه صفة إلزامية بالنص على أنه"يرحب بنية مجلس التعاون الخليجي عقد مؤتمر في الرياض لدعم العملية السياسية، وذلك تلبية لدعوة الرئيس اليمني" ربما لأن إعلان الرياض ينص على منع الخروج الآمن والمحاكمات.
لا خروج آمن
إنهاء عدوان قوى التمرد وإسقاط الانقلاب، ومحاسبة الضالعين فيه واستعادة الأسلحة وإخراج المليشيات من العاصمة صنعاء ومدينة عدن ومحافظات صعدة وكافة المدن والمحافظات، وضمان عدم عودة منظومة الفساد والتخلف والاستبداد مجددا.
مساءلة القيادات العسكرية والأمنية والسياسية الضالعة في الانقلاب على الشرعية المسؤولين عن إشعال الحرب والفتنة الداخلية وارتكاب جرائم حرب وجرائم على الإنسانية في مختلف المدن اليمنية وبالذات مدينتي عدن وتعز وإحالتهم لمحاكمة عادلة ومنصفة.
جاء ضمن أهداف إعلان الرياض إلى المحافظة على أمن واستقرار اليمن في إطار التمسك بالشرعية، ورفض الانقلاب وإنهاء ما ترتب عليه، واستعادة الأسلحة والمعدات المنهوبة وتسليمها إلى الدولة، بسط سلطة الدولة على كافة الأراضي اليمنية، إيقاف عدوان قوى التمرد حقناً للدماء والوصول باليمن إلى بر الأمان، تجنيب اليمن أن يكون مقراً لجماعات العنف والتنظيمات الإرهابية ومرتعاً لها وضمان ألا يكون اليمن مصدراً لتهديد أمن الدول المجاورة واستقرارها واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لتحقيق ذلك.
من مبادئه الالتزام بإعلان الرياض والقرار الدولي (2216) واعتبارهما السقف الذي لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات قادمة يمكن أن تتم برعاية الأمم المتحدة، الالتزام بمبدأ المساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب والجرائم على الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.