يميل الدكتور أحمد عبيد بن دغر? الذيُعّين أخيًرا رئيًسا لوزراء اليمن? القادم من مدينة شبام في محافظة حضرموت اليمنية? إلى الهدوء في حياته السياسية.
ولقد شكلت المدينة التاريخية التي تعد مدينة أقدم ناطحات سحاب في العالم شخصيته المتوازنة? مما مّكنه من التعايش مع التناقضات التي كانتُتدار بها البلاد
أثناء حكم علي عبد الله صالح. ولقد اختلف ذلك مع انضمامه للشرعية وانشقاقه عن صالح? ومن ثم غدا الرجل «الحاكم الثاني» بعد الرئيس عبد ربه منصور
هادي وانتقل من العمل الحزبي الذي ظل يشغله في حزب المؤتمر الشعبي العام ضمن أطره التنظيمية التي كانت بيد صالح وأقاربه إلى منصب رئيس
الحكومة.
اختار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي الدكتور أحمد عبيد بن دغر ليكون ثاني رئيس للحكومة منذ انقلاب المتمردين على الدولة في مارس (آذار) ?2014 وذلك «بعد أن تحول نائبه الأول ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح إلى قوة موازية للرئاسة»? كما تقول المصادر الرسمية. وحسب هذه المصادر? هذا ما «أضعف وحدة صف الشرعية»? خصوًصا أن اليمن مقبلة على مشاورات الكويت التي تعد أهم جولة للمفاوضات مع الانقلابيين للوصول لحل سلمي لتطبيق القرار 2216 وإنهاء الانقلاب.
بن دغر? فيما يخصه? يحرص في تصريحات الأخيرة على اختيار طريق السلام? للوصول لإنهاء الانقلاب? رغم تأكيده أن الطرف الآخر لا يريد السلام ويستمر في تصعيد الأوضاع? ويقول: «الحكومة اليمنية لديها خريطة واحدة فقط للخروج من الوضع الراهن? وهو القرار الأممي ?2216 والتعامل مع هذا القرار لا يتحقق من خلال طرف واحد? وإنما يفرض التزامات على كلا الطرفين? ويفرض على طرف الانقلابيين الانسحاب وتسليم الأسلحة».
ويرى بن دغر أن اليمن لم يعد يحتمل الحرب والدمار: «يجب أن نتحاور لنخرج البلاد من حالة الحرب والدمار? فالشعب اليمني? والمعالجة الصحيحة للوضع
تكمن في الانسحاب وتسليم الأسلحة? فهما يشكلان عقبة كبيرة أمام آفاق السلام? ولذا فتحقيقها يعتبر ضرورة استراتيجية وأمنية ليس لليمن فقط وإنما للمنطقة».
ويؤكد أن استقرار الأوضاع باليمن تلزم أن يكون السلاح في يد الدولة فقط? وهي الجهة الوحيدة التي لها حق امتلاكه واستخدامه.
* سيرة شخصية عاش بن دغر طفولته في قرية موشج? التابعة لمديرية شبام بمحافظة حضرموت. وهو من مواليد عام 1952. وبعدها انتقل إلى عدن وأكمل دراسته الجامعية?
وحصل على بكالوريوس تربية من جامعة عدن بتقدير جيد جًدا عام ?1983 ثم حصل على الماجستير في التاريخ بامتياز عام 2000 من معهد البحوث
والدراسات العربية في العاصمة المصرية القاهرة? ليحصل بعدها على درجة الدكتوراه في التاريخ مع مرتبة الشرف الأولى عام 2004.
بن دغر عمل عام 1973 في القطاع الزراعي? والحركة التعاونية? ثم صار رئيًسا لاتحاد الفلاحين عام ?1976 وانتخب عضًوا في مجلس الشعب الأعلى عن دائرة شبام عام 1986. وفي العام نفسه انتخب أيًضا عضًوا في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى? إلى جانب قيادته للحركة التعاونية في الشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة.
بعد تحقيق الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي لليمن? حصل على عضوية مجلس النواب? ورئيًسا للجنة الزراعة والأسماك? وكان لبعض الوقت قيادًيا في
الحزب الاشتراكي اليمني? قبل أن ينتقل إلى حزب المؤتمر الشعبي العام? ويشغل فيه رئيس دائرة المنظمات الجماهيرية? ثم يصبح أميًنا عاًما مساعًدا لقطاع
الحزب الاشتراكي اليمني? قبل أن ينتقل إلى حزب المؤتمر الشعبي العام? ويشغل فيه رئيس دائرة المنظمات الجماهيرية? ثم يصبح أميًنا عاًما مساعًدا لقطاع
والثقافة والإعلام. وحالًيا هو النائب الثاني لرئيس الحزب.
أما عن مناصبه الحكومية فقد عّين وزير للاتصالات وتقنية المعلومات في «حكومة الوفاق الوطني» ?2011 ورّقي إلى منصب نائب رئيس الوزراء قبيل
الانقلاب ببضعة شهور? وبعد الانقلاب انضم إلى الشرعية وانشق عن صالح? وعّينه الرئيس هادي مستشاًرا له في أغسطس (آب) 2015.
وقد حظي قرار تعيينه رئيًسا للوزراء بدعم كبير وارتياح من القوى السياسية والقيادات العسكرية? واعتبره خطوة مهمة في سبيل توحيد الجبهة الداخلية
للشرعية? وأكدت عشرة أحزاب سياسية أن القرارات تعّزز الوحدة الوطنية والتوافق السياسي بما يقّوي من فرص السلام المنشود ونجاح مشاورات الكويت
المقرر إجراؤها في 18 أبريل الحالي.
قناعاته السياسية وفي حوارات سابقة له مع «الشرق الأوسط» وضع بن دغر وصًفا دقيًقا للحالة التي تعيشها البلاد والنزعة الانتقامية لصالح تجاه شعبه وبلده? فقال إن «اليمنيين
تحّملوا نزوات صالح وهمُمدركون أن مصالحهم تختلف عن مصالح المتمردين? لذا عمل المخلوع صالح على التغيير في تحالفاته وأنشأ تحالفات جديدة لضمان
بقائه في السلطة. وهذا ما فعله تماًما? وقام بمحاربة الحوثيين سّت مرات متتالية? وضّحى بنحو 15 ألًفا من الضباط والجنود في القوات اليمنية المسلحة? وفجأة
انقلب حليًفا لهم».
وتابع أن لدى الحوثيين «هدف الاستيلاء على الأرض والحكم اليمن بالقوة أو أي وسيلة أخرى? وهذا صعب تحديده? أما صالح فكان يبحث عن مخرج سياسي
يبقيه في السلطة أو حوار سياسي يكون هو شريًكا فيه? واختلاف الأهداف يجعل بعض التناقض فيما بينهم? لكن الهدف المشترك الاستيلاء على السلطة. لذا ظلت السلطة في رأس صالح وإمكانية البقاء فيها? فإن خسر ذلك فيبحث أن يكون شريًكا فيها? وإن خسر ذلك فضمان السلطة لتوريث السلطة لأحد أبنائه? وجميع النقاط الثلاث أهداف رئيسة يسعى إليها? ويوجه لها كل إمكانياته وعلاقاته الشخصية? والقبول الشعبي».
يعتقد بن دغر أن مخرجات «الحوار الوطني» التي اتفق عليها اليمنيون عام ?2013 ستؤدي إلى «دولة اتحادية» لا «دولة مركزية»? بحيث لن يستطيع أن
يتحكم فيها طرف من الأطراف? بما فيها صنعاء? ويمنح ذلك تقسيم السلطة والثورة.
أما عن علاقة صالح بكل الرموز التي عملت معه بعد ?2011 فيقول إنها لم تنقطع العلاقة مباشرة? ولكن حصلت عوامل عدة أدت إلى تعكير صفو هذه العلاقة? وأدت هذه النتائج إلى تأزم المواقف فيما بينهم.
وقد كشف عن طريقة حكم صالح للبلاد? فيقول إنه كان لديه «مطبخان»: أحدهما «المطبخ السياسي» ضم عبد ربه منصور هادي وعبد الكريم الإرياني وعبد
العزيز عبد الغني وعبد القادر باجمال وعلي مجور. والثاني «المطبخ الأسري والعسكري»? وأبرز أعضائه أبناء صالح? أحمد وطارق وعمار? ويجري فيه
لقاءات خاصة? وقليل من يعرف هذه اللقاءات؟ «المطبخ السياسي» كان يقر السياسات في اللجنة العامة? وهو الذي كان يديرها بنفسه.
أما عن حزب المؤتمر الشعبي العام فقد أصبح منقسًما على نفسه? حسب بن دغر? بسبب محاولة صالح توظيف الحزب لصالحه? وتحقيق أهدافه. ولكن في نهاية المطاف? الوقائع على الأرض لا تشير إلى هذا? والصحيح أن الطرف الذي يرفض صالح وبرامجه وأهدافه ويؤيد الشرعية والتحالف العربي لا يملك من
الإمكانيات التي يملكها صالح في واقع الحال? وهذا هو الفرق بين من يقفون مع صالح وغيرهم.
ويرى بن دغر أن حديث صالح عن الحوار مع المملكة العربية السعودية هو نوع من النزوات الفاشلة? مضيًفا: «أنا على يقين من أن السعودية لن تستجيب
لرغبات ونزوات صالح? فهو ناكر للجميل? ومعروف عنه أنه عندما يجد نفسه في موقع صعب يبحث دائًما? ولو شكلًيا? عن مخرج آمن».
سياسي ناعم حصيف من جهة أخرى? يصف الدكتور نجيب غلاّب? رئيس مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية? بن دغر بأنه «سياسي ناعم يتأقلم بلا ضجيج? وأينما اتجه يكن باحثا عن الصواب». وقال غلاب لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه: «في شبابه قاتل من أجل الفقراء? وفي مراحل النضج أصبح واقعًيا يعمل من أجل الدولة? وكان رهانه دائًما على بناء التوازنات التي تنهي العنف في السياسة اليمنية. لقد امتحن السياسة بكل تناقضاتها وامتحنته في جحيمها? فلم يقع على رأسه في دهاليزها? إذ كان يقف دائًما على أرضية صلبة من دون أن يخسر»? وتابع: «ربما كان يتعاطف مع المهزومين? لكنه لا يتنازل عن موقفه? إذ يمتلك حدًسا ذكًيا يتحكم بمسارات تحّوله? ولا يهتم بالخسارة? لأنه يمتلك طاقة التجّدد السياسي? وتعويض التآكل الذي يناله عندما يسير مع مغامري السياسة».
ومن ثم يعتقد غلاب أن بن دغر «يمثل نموذًجا للمناضل السياسي الذي اختبر الواقع اليمني وغاص في تاريخه وحاضره? ووصل إلى الحكمة بعد مشوار طويل? ولم يعد النضال يعني غير فكرة محورية لديه اليوم هي استعادة الدولة? وهو يرى الحل السياسي مصدر قوة لكنه متيقن من أن متغّيرات الميدان هي أصل النصر».
أما عن حياته الأكاديمية? فقال غلاب إن بن دغر «مثقف عضوي له مدرسته الخاصة? واقترب من كل رموز السياسة اليمنية وقياداتهم خلال أربعين سنة? وكان دائًما منحاًزا إلى الدولة? فكلما خرج أو أخرج منها.. عاد إليها». وأردف: «كثيًرا ما عمل على حافة الهاوية في فترات الصراع لكنه لم يسقط? بل عاد إلى المشاركة في استقرار اليمن. إنه رجل تكمن فلسفته في إيجاد الأمن لليمن عبر تأسيس دولة مدنية عادلة منظمة وبلا حروب. وعندما يمارس الصراع السياسي فهو يختلف بعقلانية? ويكره العنف في حل الخلافات? بما يمتلكه من أخلاق رجل الدولة والسياسة. ولذا يتعامل مع الجميع بذكاء الباحث عن حلول? ويبذل جهده في تقديم الرؤى».
واختتم غلاب حديثه عن بن دغر بالقول: «إنه شخصية تعمل بتميز في بيئة الفوضى من دون أن يفقد توازنه? وهو بعيد عن غوغائية القائد الباحث عن جمهور?
مع أنه يتقن مخاطبة الجماهير. وتكمن قوته في مرونته وخبرته وعلاقاته وأخلاقه وقدراته على بناء التوافقات. فلقد كان يسارًيا متطرًفا في بداية حياته? ثم أصبح ليبرالًيا محافًظا? وهو اليوم تكنوقراطي غارق في السياسة».