امتد الصراع الذي تشهده اليمن للسيطرة على قطاع الاتصالات، حيث بات بقاء شركات الهاتف النقال مهددا، في ظل محاولات الجماعات المسلحة من جانب الحوثيين أو تنظيم القاعدة فرض سيطرتها على الشركات ومطالبتها بأموال من أجل السماح باستمرار عملها، بينما تفقد الحكومة الشرعية، التي تتخذ من عدن عاصمة لها، السيطرة على مرافق الدولة في الكثير من المحافظات.
وبينما قررت الحكومة اليمنية، منتصف فبراير/شباط الماضي، تجديد تراخيص شركات الاتصالات النقالة والمنتهية منذ مطلع العام الماضي 2015، هددت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة، بإيقاف نشاط هذه الشركات، مطالبة إياها بدفع رسوم تجديد التراخيص إلى الحوثيين.
وأعلنت وزارة الاتصالات، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤخرا أنها خاطبت شركتي "سبأ فون" و"إم تي إن" وهي وحدة تابعة لمجموعة اتصالات جنوب أفريقية، بسداد 10 ملايين دولار لكل شركة مقابل تجديد تراخيص الشركتين مؤقتا خلال الفترة من من يوليو/تموز 2015 إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، على أن يتم الاتفاق مطلع العام الحالي على رسوم تجديد التراخيص لمدد أطول خلال الفترة المقبلة.
وتوجد في اليمن أربع شركات للهاتف النقال هي "إم تي إن" و" سبأفون"، و"واي للاتصالات" وهي شركات خاصة و"يمن موبايل"، التي تعد قطاعاً مختلطاً بمساهمات حكومية وخاصة.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تراخيص "إم تي إن" و" سبأفون" انتهت ويقتضى تجديدها.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية، في نسختها الخاضعة لإدارة الحوثيين، عن بيان لوزارة الاتصالات مؤخرا إن "الوزارة أعطت الشركتين الفرص والمهل العديدة والكافية"، مهددة بعدم تجديد التراخيص لهما. وأشارت الوزارة إلى أنها خاطبت الشركتين لتفويض ممثلين مفوضين عن كل منهما لمناقشة إمكانية التجديد، على ضوء ما تضمنته وثيقة سياسات وآليات منح وتجديد تراخيص الهاتف النقال.
وأضافت أن "الشركتين لم تدفعا ما عليهما وامتعنتا عن تفويض ممثلين عنهما، وبالتالي فإن الوزارة أصبحت معنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه الشركتين لما مارسته من مماطلة وتسويف وعدم تجاوب، وبما يحفظ حقوق الدولة ويكفل ممارستها لكامل صلاحياتها". وتابعت أنه لا تمديد لأي شركة ما لم تف بكافة الالتزامات المقررة عليها وبالأحكام والشروط، التي تحددها الوزارة عبر ديوانها العام في العاصمة صنعاء.
لكن مصدراً مسؤولاً في شركة "ام تي إن" قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن شركات الهاتف النقال تدفع ثمن الصراع بين الحكومة والحوثيين.
وجاءت مطالبة الحوثيين لشركات الهاتف النقال بسداد قيمة تجديد التراخيص لها، فيما أعلن مجلس الوزراء اليمني في اجتماع عقده في العاصمة السعودية الرياض منتصف فبراير/شباط الماضي، تمديد تراخيص شركات الاتصالات النقالة شريطة الإيفاء بكل التزاماتها مع الدولة، لتدور حرب أخرى في اليمن للسيطرة على قطاع الاتصالات.
وقال مسؤول حكومي لـ"العربي الجديد"، إن تجديد الحكومة الشرعية تراخيص شركات الاتصالات النقالة يأتي بغرض قطع الطريق أمام الحوثيين، الذين يعملون على توجيه الرسوم المفروضة على شركات الهاتف النقال لصالح ما يسمى بـ"المجهود الحربي".
وكانت مصادر مقربة من جماعة الحوثي أكدت لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي، قالت إن السلطات الحكومية الخاضعة للجماعة تعتزم عدم التجديد لشركات الهاتف النقال، التي انتهت تراخيصها، وإلغاء عقودها بشكل نهائي، نتيجة عدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه التنظيم والاتجاه نحو فتح الباب لدخول مشغلين جدد للسوق المحلية.
وأضافت المصادر، أنه تم توجيه شركة الاتصالات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها بالبدء بتجهيز نفسها لسد الفراغ الناجم عن عدم التجديد لتلك الشركات، والعمل على فتح الباب أمام مشغلين جدد للهاتف النقال.
ولم تقتصر سيطرة الحوثيين على الاتصالات الصوتية فقط، وإنما امتدت إلى نقل البيانات والإنترنت، وهو ما دفع الحكومة اليمنية مؤخرا إلى الشروع في توصيل كابل بحري للاتصالات إلى العاصمة المؤقتة عدن، في مسعى للتخلص من هيمنة الحوثيين على الإنترنت في البلاد، بعد سيطرتها على مؤسسة الاتصالات الحكومية في صنعاء.
وأجبر الحوثيون شركات الهاتف النقال خلال الفترات الماضية، على توجيه رسائل منتظمة لمشتركيها تدعوهم للتبرع لصالح "المجهود الحربي" من خلال رسالة دعم بمبلغ 100 ريال (0.47 دولار) عن كل مشترك.
وبلغ عدد مشتركي الهاتف النقال وفق آخر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، نحو 13.9 مليون مشترك بنهاية العام 2012.
ولم تقتصر محاولات التضييق على شركات الهاتف النقال على الحوثيين، وإنما أكدت مصادر محلية وحكومية لـ"العربي الجديد"، أن تنظيم القاعدة، الذي يسيطر على محافظة حضرموت (شرق اليمن) أغلق مطلع مارس/آذار الجاري، مكاتب شركات " إم تي إن" " وأي" و"سبأ فون" في مدينة المكلا عاصمة حضرموت، بعد رفضها دفع مليار ريال يمني (5 ملايين دولار)، عن كل شركة، مقابل السماح بمزاولة نشاطها.
وقالت مصادر في شركات الهاتف النقال في تصريح خاص، إن التنظيم اعتبر أن المبالغ هي ضريبة مستحقة على الشركتين منذ أبريل/نيسان 2015 وحتى ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وذكر مسؤول بفرع شركة "سبأ فون" في المكلا " إنهم غير مخولين بدفع ضرائب لأي جهة، وإن إدارة الفرع أبلغت المركز الرئيسي في صنعاء، وقدمت الشركة اعتذارها لمشتركيها بالمكلا وضواحيها عن توقف الخدمة، معتبرة أن السبب خارج عن إرادتها".
وأوضح المسؤول :" الشركة عرضت على تنظيم القاعدة دفع تلك المبالغ على شكل تمويل لمشاريع تنموية واجتماعية محلية، إلا أن التنظيم رفض ذلك وأصر على تسليمها المبالغ نقداً".
وأضاف أن "تنظيم القاعدة في المكلا، هدد بهدم أبراج الاتصالات الخاصة بشركة سبأ فون، بعد رفضها دفع مليار ريال يطالب بها كضرائب".
وقال أحد مدراء شركة " إم تي إن" في المكلا، إن "فرع الشركة تلقى رسالة من مركزها الرئيسي في جنوب أفريقيا أفادت برفض دفع المبالغ لتنظيم القاعدة، وإنها تفضل إغلاق فروعها في حضرموت واليمن إن تطلب الأمر للحيلولة دون الإساءة لسمعتها العالمية بوصفها شركة داعمة للإرهاب".
ويسيطر تنظيم القاعدة على مدينة المكلا منذ أبريل/نيسان 2015، ويسيطر على السنترال الرئيسي لمؤسسة الاتصالات المحلية، ويتواجد أحد أفراده كمندوب دائم في مقرها.
العربي الجديد