تتأهب الحكومة المصرية لخفض جديد في قيمة الجنيه، خلال الأيام القليلة المقبلة، تمهيدا لـ”تعويمه” رسميا، خلال العام الجاري 2016، لأول مرة في تاريخ مصر، وترك تحديد سعره حسب آليات العرض والطلب، وفق مسؤولين حكوميين.
لكن التوجه الحكومي المحتمل لا يزال محفوفا بالمخاطر، بحسب خبراء اقتصاد، لما له من تبعات اقتصادية سلبية على المواطن محدود الدخل، وأسعار السلع ومعدلات التضخم في البلاد التي تعاني من انخفاض في الدخول تأكل القدرة الشرائية للمصريين.
ويواجه المصرف المركزي ضغوطا كبيرة لخفض قيمة الجنيه، في ظل نقص حاد في مصادر النقد الأجنبي، مثل السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وقناة السويس.
وهوى احتياطي النقد الأجنبي لدى المركزي إلى نحو 16.4 مليار دولار، بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 36 مليار دولار قبل خمسة أعوام.
وقال مسؤول حكومي في قطاع الاستثمار “على الحكومة مواجهة الأزمة بحسم، المسكنات لن تفيد، هناك أزمة في الدولار منذ 5 سنوات خسرنا خلالها أكثر من 20 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، فضلا عن خسائر تصل إلى ضعف هذا الرقم بسبب عزوف الاستثمارات عن القدوم للبلاد، كان يمكن أن تتدفق إلى مصر لو اتخذ المسؤولون، على مدار السنوات الماضية، قرارا بتعويم الجنيه وتركه للعرض والطلب”.
وأضاف المسؤول، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “من المستثمر الذي سيأتي إلى بلد يعلم جيدا أنه سيخسر فيها 30% من أمواله، لأن سعر الدولار مقوم خارج المصارف بقيمة أعلى من المعاملات الرسمية بنسبة تصل إلى 16%”.
ويحدد المصرف المركزي سعرا للدولار بقيمة 7.73 جنيهات عند بيعه للمصارف، فيما يسمح للمصارف بتداوله أعلى من ذلك بـ10 قروش (الجنيه يعادل 100 قرش)، حيث يبلغ سعره 7.78 جنيهات للشراء و7.83 جنيهات للبيع، في حين يصل سعره في السوق الموازية (السوداء) إلى أكثر من 9 جنيهات.
وخلال العام الماضي، خفض المصرف المركزي الجنيه على 3 مراحل، بقيمة إجمالية بلغت 80 قرشا، ليصل الدولار إلى 7.93 جنيهات. لكنه فاجأ السوق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي برفع الجنيه 20 قرشا، ليصل الدولار إلى 7.73 جنيهات ولم يتغير حتى الآن، رغم انخفاضه المتواصل في السوق السوداء.
وحددت الحكومة سعر الدولار في مشروع موازنة العام المقبل 2016/2017 عند 8.25 جنيهات، مقابل 7.75 جنيهات في السنة المالية الحالية.
وقال مدحت أحمد، الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل في جامعة القاهرة، إن “تعويم الجنيه قادم لا محالة، طالما أن مصادر النقد الأجنبي محدودة والحكومة غير قادرة على السيطرة على سعر صرف الدولار، لعدم قدرتها على توفير العملة الأجنبية”.
وأضاف “في حال تعويم الجنيه يجب تحسين الإنتاج وزيادة التصدير ورفع القيود على الإيداع والسحب، من أجل جذب سيولة دولارية كبيرة من السوق غير الرسمية”.
وتوقعت مصارف استثمار رفع سعر الدولار في السوق الرسمي ليتراوح بين 8.5 و9.5 جنيهات خلال العام الجاري، في خطوة واحدة، مقابل 7.83 جنيهات حاليا، من دون تحديد موعد لاتخاذ هذا الإجراء.
وقال كريستوفر جارفيس، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت مصر، مطلع فبراير/شباط الجاري، في تصريحات صحافية، إنه “يجب على الحكومة المصرية تبنى سياسة صرف أكثر مرونة تركز على تحقيق سعر صرف حقيقي وتتجنب تقويم العملة بأعلى من سعرها”، في تلميح واضح إلى ضرورة تخفيض الجنيه أمام الدولار.
وفي لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية قبل يومين، قال رئيس الحكومة المصرية، شريف إسماعيل، إن هناك قرارات اقتصادية صعبة بالتزامن مع إجراءات لحماية محدودي الدخل، ستتخذ في الفترة المقبلة، حسبما نشرت صحيفة الأهرام المصرية.
وقال عمر عبدالفتاح، الخبير الاقتصادي، إن رئيس الحكومة يملح إلى احتمال خفض قوي للجنيه في الأيام المقبلة، مضيفا “القرار إيجابي بالنسبة للاقتصاد ككل والتصدير والتصنيع وسوق المال والاستثمار المباشر، لكن يجب أن تصاحبه إدارة رشيدة للأسواق”.
لكن المحلل المالي أحمد إبراهيم قال لـ”العربي الجديد”، إن “أي ارتفاع في سعر الدولار سيشعل الأسعار ويزيد الضغوط المعيشية على المواطنين بشكل كبير.. ستكون لهذه الخطوة آثار سلبية كبيرة اجتماعيا وسياسيا”.
وكان مصرف الاستثمار “سي آي كابيتال” قد توقع ارتفاع معدل التضخم إلى ما يتراوح بين 11% و11.5% كمتوسط خلال العام الجاري.
لكن رئيس الحكومة قال، في تصريحات صحافية، إن “الموقف أصبح حرجا ويتطلب اتخاذ قرارات مؤلمة، لأنه ليس هناك بدائل، لكن يمكن على الحكومة اتخاذ إجراءات لتوفير أسعار السلع الأساسية بأسعار تلبي احتياجات الفقراء ومحدودي الدخل”.
ومنذ يناير/كانون الثاني 2011 تدخل المصرف المركزي 21 مرة في سعر صرف الجنيه، الذي كان يبلغ آنذاك دون 5.80 جنيهات، منها 19 خفضا وزيادتان في الأسعار، ولكن بشكل طفيف.