أربعون عاماً تقريباً من الحظر الذي فرضته الحكومة الأميركية على تصدير نفطها الخام، انتهت مع موافقة الكونغرس بمجلسيه على رفع الحظر عن تصدير الخام الأميركي، وكثر الحديث عن تداعيات ذلك على أسعار النفط محليا في الولايات المتحدة وعالمياً على أسعار النفط العالمية، فما هي حقيقة تأثير هذا القرار على السوق العالمية؟ وعلى أسعار النفط المتدهورة أصلاً خلال هذه السنوات؟ وهل النفط الصخري هو كلمة السر في هذا القرار؟
بعد وقف النفط العربي عن الغرب في حرب أكتوبر 1973م، قامت الولايات المتحدة باتخاذ عدة إجراءات لحماية الصناعة والاقتصاد الأميركي من الهزات العنيفة مثل هذه في المستقبل، فيما بات يعرف في العالم لاحقاً بسياسات "أمن الطاقة"، أما اليوم فحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام من 5 ملايين برميل يومياً سنة 2008 إلى 8.6 ملايين برميل في 2014 متصدرة الدول المنتجة للنفط ومتفوقة منذ عام 2012 على المملكة العربية السعودية، في حين بلغ إنتاجها من المشتقات البترولية حوالي 13.97 مليون برميل يومياً متصدرة كذلك دول العالم في الإنتاج
ولعل اللاعب الأساسي في زيادة إنتاج الولايات المتحدة منذ سنة 2009 هو ما يسمى بثورة "النفط الصخري"، والذي يعتبر "خاماً خفيفاً" مقارنة بالنفط الخام العادي "الثقيل"، وتعتبر تكلفة إنتاجه أعلى بكثير من تكلفة إنتاج النفط العادي، ولذلك تعيش صناعة النفط الصخري في أميركا حالياً فترة حرجة جداً مع تدهور أسعار النفط العالمية التي بلغت دون 40 دولاراً للبرميل، ومما يزيد الخناق على هذه الصناعة قرار حظر تصدير الخام الأميركي والذي يجعل النفط الصخري محصوراً في القارة الأميركية فقط والولايات المتحدة بالأخص.
وقبل ظهور طفرة النفط الصخري كان الاتجاه العالمي -وما يزال ـ للنفط الثقيل، مما جعل أغلبية مصافي النفط في الولايات المتحدة تطور تكنولوجيا لتكرير النفط الثقيل، وبالرغم وفرة المعروض من النفط الصخري الخفيف لم يجد التكنولوجيا المناسبة في المصافي الأميركية وفي نفس الوقت ونتيجة لقرار حظر التصدير لم يتم الاستفادة منه خارجياً في المصافي الأوروبية والعالمية التي لم تستثمر بشكل كبير في تكنولوجيا النفط الثقيل مثل المصافي الأميركية، وهذه التخمة المحلية حرمت النفط الثقيل المنتج خارج أميركا من فرصة التكرير في المصافي الأميركية، مما جعل كفاءة تكرير النفط عالمياً تتراجع، لذلك فمن المتوقع أن قرار رفع الحظر عن تصدير النفط الأميركي سيساهم وبقوة في رفع كفاءة تكرير النفط عالمياً.
وبالعودة للنفط الصخري فلا شك أن وجود مصافٍ له سيزيد من الطلب عليه وسيساهم في استمرار الشركات الأميركية في السوق خلال هذه الفترة الحرجة ولكن هل سيكون الورقة المؤثرة في معادلة الأسعار العالمية؟
بالنظر للأرقام يتبين أن مساهمة النفط الصخري لم تتجاوز في سنة 2014 سقف الـ586 ألف برميل يومياً في السوق العالمية في الوقت الذي تضخ المملكة العربية السعودية لوحدها ما يقارب 7.15 مليون برميل من النفط الخام في السوق العالمية، مما يعني أن النفط الصخري ليس اللاعب الأساسي في سوق النفط العالمي ولكنه وبلا شك سيكون منافساً مزعجاً لمنتجي النفط الخفيف مثل ليبيا والجزائر ونيجيريا.
أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا "جيف هيل" علَّق على تأثير قرار رفع الحظر عن النفط الخام الأميركي قائلاً إن تأثيره "محدود"، مذكراً "أننا في الولايات المتحدة الأميركية لا نزال نستورد نصف حاجتنا من النفط الخام"، وأكد أن قرار رفع الحظر "سيساهم في حل مشكلة الاختلاف بين جودة النفط الخام المنتج محليا "الخام الخفيف" والقدرة الاستيعابية "المصممة للخام الثقيل" في المصافي النفطية الأميركية".
أما عبدالله البدري الأمين العام لمنظمة "أوبك" فأكد أن أسعار النفط لن تتأثر في حال رفع الحظر عن تصدير النفط الأميركي، وأضاف أن تأثير صادرات النفط الأميركي في السوق العالمي يساوي "صفراً" مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لا تزال دولة مستوردة و"أنها قد تصدر الخام الخفيف المستخرج من التربة الصخرية، ولكنها ستظل تستورد الخام الثقيل".
وبعيداً عن تصريحات البدري في هذا المجال، فلا شك أننا نعيش حقبة جديدة بعد تصويت الكونغرس، ولا شك أن مزاحمة الخام الأميركي سيزيد -ولو بشكل جزئي ـ المعروض العالمي من النفط، والذي يعاني تخمة في ظل تراجع الاقتصاد العالمي، وعلى الدول المنتجة للنفط في أوبك وغيرها أن تتعامل مع هذه المتغيرات الجديدة بمنطقية وواقعية في ظل التحديات الإقليمية المتشابكة.
نقلا عن هافينجتون بوست بالعربي