بعد شهر واحد من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقطر جاءت زيارته للسعودية، في مؤشر على قرب اكتمال وإعلان التحالف السني "القطري- السعودي- التركي" بتوقيت بالغ الحساسية، حيث تتعرض الدول الثلاث لتهديدات وضربات متعددة، بما يجعل هذه التحالفات الناشئة قادرة على تحقيق توازن الردع ومساحة من المناورة تجاه عدة تحالفات شديدة الخطورة، منها: الحلف "الأمريكي- الروسي"، الحلف "الروسي - الإيراني"، المحور الرباعي "الروسي -الإيراني -السوري -العراقي"، وذلك بدون الدخول في صدام أو مواجهة مباشرة.
فتركيا والسعودية ستعملان في إطار التحالف "الإسلامي العسكري" و"مجلس التعاون الاستراتيجي المرتقب"، لتقوية مواقفهما المشتركة إزاء التهديدات الإقليمية المتصاعدة، وتعزيز قوتهما السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما يفشل المخطط الروسي لتهميش تركيا ومحاصرتها وإضعافها، ويضعف الهيمنة الروسية على الملف السوري بتعزيزات أكبر لدعم المعارضة السورية وتوحيدها، وتحجيم مخطط استئصالها، والتدخل بملف محاربة داعش وإضعاف الهيمنة الغربية الأمريكية عليه وفق مصالحها، بما قد يوقف مخططات التقسيم الطائفية.
التقارب السعودي القطري مع تركيا يمثل ظهيرًا إقليميًا قويًا لنصرة القضايا العربية الاستراتيجية، ويضمن تنويع مصادر التسليح والطاقة والاقتصاد بين البلدان الثلاث، وتفكيك الحصار الروسي.
مجلس تعاون استراتيجي
"المجلس الاستراتيجي" يعد أهم ثمار زيارة أردوغان، حيث صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره مولود تشويش أوغلو مساء أمس: "إن المباحثات نتج عنها رغبة من القائدين أن يُشكّل مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين البلدين". وأضاف قائلاً: "إن المجلس سيكون مهتماً بأمور عديدة، بما فيها المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعليم والشؤون الثقافية والطب، وغيرها من المجالات، وسيدير المجلس وزيرا الخارجية في البلدين، بمشاركة مسؤولين من وزارات ومؤسسات وقطاعات أخرى".
وأضاف: "الهدف أيضًا هو تعزيز العلاقات لخدمة البلدية والشعبين، في ظل الظروف التي تمر به المنطقة والتحديات التي نواجهها سويا في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، سواء فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو بتدخلات إيران السلبية والعدوانية في شؤون المنطقة".
وأكد الجبير، أن "السعودية وتركيا ملتزمتان بتوحيد صف المعارضة السورية المعتدلة، ويعملان مع بعض في هذا المجال، وما زلنا نعمل مع بعض، ومع دول حليفة أخرى فيما يسمى مجموعة باريس، ومجموعة فيينا، من أجل حث المجتمع الدولي على الالتزام بإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، لا يكون لبشار الأسد أي دور فيه".
تحالف شامل
التحالف السعودي القطري مع تركيا بأبعاد متعددة في إطار مفهوم شامل، ففي بداية ديسمبر 2015 شهد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الدوحة، توقيع حزمة من الاتفاقيات، بعد عقد الاجتماع الأول للجنة الاستراتيجية العليا بين دولتي قطر وتركيا، ووقع البلدان على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكولاً، جاء من بينها اتفاقية تعاون في مجال تطوير إدارة المالية العامة، واتفاقية للنقل البحري، وكذا التوقيع على مذكرة تفاهم بين بنك قطر للتنمية وبنك التصدير والاستيراد التركي.
وتنظر تركيا إلى قطر كمورد مهم للمساهمة في تنويع واردات الطاقة التركية، وتحقيق أمن الطاقة في البلاد.
تهديدات إقليمية غير مسبوقة
يأتي أهمية تأسيس "المجلس الاستراتيجي" المرتقب قبل 25 يومًا على مفاوضات جنيف السورية، وعقب إعلان الرياض تدشين التحالف العسكري الاستراتيجي بمشاركة أنقرة، وأثناء التصعيد الحوثي المدعوم إيرانيا ضد السعودية، والأكثر خطورة تهديدات روسيا لأنقرة عبر حدودها مع سوريا بفرض عقوبات اقتصادية، وفتح جبهة عراقية ضدها من قبل حكومة حيدر العبادي الطائفية بمساندة من الجامعة العربية، أحدثها اتهام بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، تركيا بتقديم مساعدة مباشرة لتنظيمات "إرهابية" تحارب داخل سوريا، وتهديد حكومة حيدر العبادي لتركيا إن لم تسحب قواتها، ما سيجعل التعاون (التركي - السعودي) بمثابة طوق نجاة للبلدين ضد التخاذل والصمت الأمريكي، والتغول الروسي والتغلغل الإيراني، والتربص السوري العراقي.
جاء الإعلان عن المجلس الجديد كخطوة لتفكيك الحصار الاقتصادي على أنقرة، بالتزامن مع توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، على مرسوم قرار يقتضي توسيع العقوبات الاقتصادية على تركيا، التي نص عليها القرار الصادر في 28 نوفمبر الماضي، على خليفة إسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت السيادة التركية.
تغيير المعادلة العسكرية
في إطار تقاطع التحالفات تستطيع تركيا والسعودية وقطر إعادة توجيه مسار التحالف الدولي ضد داعش، وضبط مساره عبر التحالف الإسلامي العسكري، بما يعجل بحسم الملف السوري والعراقي بما يتفق والمصالح العليا للدول العربية والإسلامية، وليس لخدمة مخططات التقسيم والتفتيت للمنطقة، فالسعودية هي قائدة التحالف الإسلامي المكون من 34 دولة مسلمة، وبالتنسيق مع تركيا الدولة القوية عسكريًا واقتصاديًا يمكن تغيير المعادلة العسكرية والميدانية، وتقليل القبضة الأمريكية الروسية الأوروبية على ملف داعش، ووضع جدول زمني واضح، وتحديد أهداف الضربات ووقف عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، وانتهاكات الميليشيات الشيعية والأجنبية، بحسب مراقبين.
الرئيس التركي يحمل في جعبته مشروع إنشاء المنطقة الآمنة داخل الأراضي السورية، والتي لم تلق التأييد الحقيقي والصريح من أمريكا، ولا يستبعد أن يطلب الرئيس التركي من العاهل السعودي دعم هذا المشروع في المحافل الدولية واللقاءات الثنائية مع الدول الكبرى، بالمقابل إن أي تنسيق أو تأييد تحصل عليه تركيا من السعودية يعد بمثابة نصر لها. وخصوصًا بعد التأييد الواسع من قبل العرب.
وقف مخطط تصفية الثورة السورية
يبقى السؤال: هل يسبق المحور السعودي - التركي المخططات (الأمريكية - الروسية - الإيرانية) في إنقاذ المنطقة قبل فوات الأوان أم لا؟ سؤال أثاره تحليل الكاتب "علي حسين باكير" تحت عنوان "الاستنزاف هو الخيار الأخير في سوريا" بصحيفة العرب القطرية أمس، قال فيه: إن "جزءًا من الأقليات الطائفيّة والقوميّة الموجودة في سوريا تواصل عمليات التطهير التي تقوم بها بحق الأغلبية.. أمّا الجانب الأميركي منخرط بقوة حالياً في عملية تصفية الثورة السورية سياسياً، بعد أن استنفد كل ذرائعه وحججه في تبرير موقفه المتخاذل، بل المعرقل لنجاح الثورة السورية، وتؤدي الجهود السياسية التي يقوم بها اليوم إلى تأمين الغطاء الشرعي لعملية التصفية العسكرية، التي تقودها كل من روسيا وإيران من جهة، وعملية تقسيم (دي فاكتو) لسوريا عبر دعم الجزء المذكور من المكون الكردي".
وتابع: "وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجاهل إدارة أوباما التام لمطالب ومصالح حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم تركيا والسعودية، فهذا يعني أن الموقف الأميركي بعيدًا عن التصريحات الكلامية هو عملياً في صف روسيا وإيران، وإن كان هناك تباين في بعض التفصيلات التي لا تخل بالأجندة العامة".