يختلف اليمنيون في كل شيء تقريباً، ما عدا صوت أيوب طارش. إذ لا يخلو بيت يمني من صوته، أو من أحد ألحانه.
فهو مؤلف موسيقى النشيد الوطني لبلدهم، الذي يبدأون به نهارهم قائلين: "رددي أيتها الدنيا نشيدي".
وهو من كلمات الشاعر عبد الله نعمان (الفضول)، الذي سيرتبط اسمه بأغنيات أيوب ويصبحان توأمين طوال حياة الأول.
"رددي" هو النشيد نفسه الذي كان تابعاً لليمن الجنوبي قبل اختياره نشيد اليمن بعد الوحدة عام 1990.
أيضاً لا تخلو حقيبة مسافر في رحلة طويلة خارج الوطن، من كاسيت غنائي لأيوب، الذي أمتع الناس بعمل حمل عنوان "بالله عليك وا (يا) مسافر".
هذا ما يمكن قوله باختصار عن هذا المطرب المولود في العام 1942، في قرية صغيرة في مدينة تعز، التي يُطلق عليها "عاصمة الثقافة اليمنية"، لكثرة الأسماء الأدبية والفكرية والسياسية والأكاديمية التي خرجت منها.
وقد ارتبط صاحب أغنية "من أجل عينيك يا حبيبي"، بتفاصيل حياة أهل اليمن كافة، وصار ركناً أساسياً في تركيبتها، هو الذي غنى للأرض والإنسان، للقروي وربة المنزل والمغترب.
عبد الوهاب الإلهام الأول
التقينا أيوب ليحكي عن نقطة انطلاقته الأولى في سن مُبكرة (عام 1953)، إلى مدينة عدن الجنوبية طالباً للعلم، فدرس هناك في المعهد العلمي الإسلامي ونال منه شهادة الثانوية. وهناك أيضاً سعى أيوب لامتلاك آلة العود، إذ كان قد وقع في غرام الغناء والطرب، ولقي تشجيعاً من رفاقه الذين دفعوه إلى الغناء حين لمسوا موهبته وتفردّه في هذا المجال.
ويذكر أيوب أن أحد أصدقائه كان يمتلك جهاز تسجيل، يستمع من خلاله إلى أغاني محمد عبد الوهاب.
"كنت أستمع إليها وأتمعن فيها لدرجة حفظها وإعادة غنائها أمام زملائي في المعهد في اليوم التالي"، يقول.
كان صوت عبد الوهاب يرافقه دائماً، وكان يكرر أغنياته في طريق عودته من عمله. يقول أيوب: "كنت أتسلى في طريق عودتي بإعادة تأدية أغاني عبد الوهاب التي كنت قد حفظتها تماماً وبشغف، وكنت أتعمد السير في تقاطعات متعددة وطويلة، لتمديد مسافة الطريق، حتى لا أصل إلى البيت بسرعة، وأستمتع بترداد الغناء، لكن الطريق كان ينتهي في كل مرّة".
تمكن لاحقاً من شراء عود بمساعدة شقيق زوجته، وبدأ في تعلم العزف عليه بشكل شخصي. لم يكن هناك من يعلمه الأصول، إلى أن التقى شخصيات لديها مهارات في العزف.
المرحلة الأهم في حياة أيوب هي رحلته الدراسية إلى القاهرة عام 1974 حيث درس عامين كاملين في معهد الموسيقى العربية، صقل خلالهما موهبته فأحدث ذلك تغييراً جذرياً في سياق نتاجه اللحني والغنائي.
بعد ذلك لحن أغنية "بالله عليك يا مسافر"، وهي من كلمات شقيقه الذي أرسلها إلى إذاعة تعز ليتم بثها، وتبدأ رحلة انتشار أيوب خصوصاً لدى جماهير المغتربين. ثم توالت أغنياته، وأشهرها: "يا حب يا ضوء القلوب"، و"هل عادك حبيب"، و"يا من رحلت إلى بعيد"، و"طير مالك والبكا"، و"لك أيامي"، و"طاب البلس"، و"مكانني ظمآن"، و"دق القاع"، وغالبيتها، إن لم يكن جميعها، أُنتجت عن طريق شركة محلية تدعى "13 يونيو".
فمعظم أهل الفن في اليمن لا يملكون شركات خاصة بهم، ولا يمكنهم ترك وظائفهم الحكومية، وقد استمر أيوب في عمله في شركة الطيران اليمنية عام 1969، قبل أن يستقر في بنك الإنشاء والتعمير الذي تقاعد منه عام 2001.
أسئلة القلب
"قلبي يسائلني عليك، أين أنت، أين الحب، هل عادك حبيب؟"... سألنا أيوب: لمن تغني كل هذا الألم والشكوى؟ ولمن كل أسئلتك؟ فكان جوابه: ليس لأحد.
وقال: "المسألة لا يمكن أن تكون بنيات مسبقة وتستهدف شخصية بعينها، أنا أغنيّ لأنني أعشق الغناء وأجدني فيه، ولم أفكّر مرّة واحدة أن يكون من وراء أغنية ما هدف محدد".
مضيفاً: "لم أحب في حياتي غير زوجتي".