نعرف الكثير عن قصص الآلهة التي كان يعبدها سكان وادي النيل والشام والعراق في العصور القديمة، ولكن تبقى آلهة عرب الجزيرة قبل الإسلام مجهولة المنشأ والدور ولا يُعرَف عنها سوى القليل.
عبد العرب قبل الإسلام مجموعة من الأوثان والأصنام. وقد اختلفت التفسيرات للفرق بين الوثن والصنم. فقال البعض إن الإله المصنوع من خشب أو ذهب أو فضة على صورة إنسان هو الصنم، أما المصنوع من حجارة فهو وثن.
وقال بعضٌ آخر إن الصنم هو ما له شكل وصورة مميزان، أما الوثن فلا صورة له ولا شكل مميز.
بينما قال آخرون إن الصنم هو ما كانت هيئته بشرية، والوثن هو الإله صاحب أية هيئة أخرى.
مراتب الآلهة
ويمكن تقسيم آلهة العرب إلى "آلهة درجة أولى" و"آلهة درجة ثانية"، وقد ورد ذكر كل هذه الآلهة في القرآن الكريم.
الفئة الأولى هي الآلهة التي كانت عبادتها منتشرة بشكل كبير وكانت لها مرتبة أعلى في وجدان قدامى العرب، وتضمّ اللات، والعُزَّى، ومناة، وهُبَل.
أما الفئة الثانية فهي مثل: ود، سواع، يغوث، يعوق، ونسر.
والفرق بين الفئتين يمكن تشبيهه بالفرق الذي وضعته بعض الديانات بين "الإله" الفاعل المتخصص في الأعمال الكبيرة و"الرب" الذي يعتبر مجرد وسيط أو مُساعِد ولكنه ليس بقوة الآلهة الأعلى.
وأرجع معظم المؤرخين المسلمين القدماء أصل عبادة الأصنام في جزيرة العرب إلى رجل من مكة اسمه عمرو بن لحي.
وقالوا إنه كان يجمع بين الزعامتين القبلية والدينية، وإنه حين كان يجول في بلاد الشام للتجارة، رأى أناساً يعبدون آلهة فسألهم عنها فقالوا إنهم يتقربون بها للإله، ويسألونها الحماية فتحميهم، فأخذ منهم بعض تلك التماثيل ونصبها في أرض الحجاز، وكان مؤسس عبادة الأصنام.
وتنقل بعض كتب الحديث عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قوله إنه في رحلة المعراج إلى السماء رأى عمرو بن لحي يجر أمعاءه في جهنم.
اللات
هي إلهة أنثى كان مقرها الرئيسي في مدينة الطائف، وهي تمثل فصل الصيف لقول العرب "إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف ويشتو بالعُزَى لحر تهامة".
كان تمثالها على شكل صخرة بيضاء منقوشة، وقيل إنها مربعة وقال بعض المؤرخين إنها من حجارة بركانية أو نيزكية، وكانت ثقيف تقوم بخدمتها وكسوتها. وكان حولها حرم ممنوع فيه الصيد أو القتل.
وتحتها حفرة يقال لها "الغبغب" توضع فيها القرابين. وكانت عادة المتعبدين لها أن يعلقوا عليها النذور والسيوف وأن يبدأوا سفرهم بالتمسح بها، ثم عند الرجوع يكررون ذلك قبل العودة إلى بيوتهم.
ويبدو أنه كان لها مجسم رمزي تحمله القبائل التي تعبدها عند الخروج للقتال كما فعلت قريش في غزوة أحد.
ولاسم اللات تفسيرات عدة.
أحدها يقول إنها مؤنث لـ"إيل"، أي الله، فكانت إيلات ثم خُفِفَت إلى اللات. وغيره يقول إن أصل الاسم يرجع إلى "اللَت"، أي عجن السويق والتمر، وإن رجلاً كان يمزج التمر والدقيق و"يلتّه" فأخذ هذا الاسم.
وثمة قصة تقول إن زعيماً مات فجزع عليه أهل الطائف فقال لهم عمرو بن لحي إنه لم يمت وإنما حلّت روحه في الصخرة فعبدوها.
واختلف البعض حول تمثيلها لكوكب الزهرة أو الشمس. في كل الأحوال، هنالك إشارات على أنها من الآلهة المستوردة من بلاد الشام، حتى أن المؤرخ اليوناني هيرودوت قد ذكرها في كتاباته.
وكان المؤمنون بها يسمّون "تيم اللات" و"وهب اللات". وقد انتهت عبادتها بعد دخول الإسلام إلى الطائف وأمر الرسول محمد للمغيرة بن شعبة بهدمها وأخذ أموالها من الغبغب.
العُزّى
هي الإلهة المفضلة للقرشيين حتى أن أبا سفيان، في نهاية غزوة أحد، صرخ بوجه جيش المسلمين بعد هزيمته: "لنا العُزّى ولا عُزّى لكم".
كان موقعها شرق مدينة مكة، وقيل إنها كانت تمثالاً، كما قيل إنها كانت ثلاث شجرات متجاورة. وثمة روايات تقول إن العُزَى كانت شيطانة تسكن تلك الشجرات وتخاطب المتعبدين لها بينما تذكر رواية هدمها أن خالد بن الوليد "كسر أنفها" ما يعني أنها تمثال أو هيكل له شكل بشري، والأرجح أنها كانت تمثالاً بجواره شجرة مقدسة. كذلك تقول رواية هدمها إن خالداً وجد عند التمثال امرأة حبشية عارية تصرخ وتخمش وجهها فهاجمته فضربها بالسيف وقتلها.
وكان للعزى أيضاً حرم لا يجوز أن يُضرّ أحد فيه. والاسم يقال إنه كان "العزيزة" ثم حُباً في التفخيم أصبح "العُزَّى" أي الأكثر عِزة. وقد حمل بعض العرب أسماء مثل "عبد العُزى" وأشهر من حمل هذا الاسم هو عبد العُزى بن عبد المطلب المعروف بأبي لهب.
وتجاوزت عبادة العزى مكة، ووصلت إلى أهل مملكة الحيرة في العراق حتى أن أحد ملوكهم قد ضحّى بابن لعدوه بذبحه عندها. ويقول بعض الباحثين إن العُزّى هي المعادل العربي للآلهة الإناث القديمات مثل عشتار وعناة وإيزيس وفينوس.
مناة
اختلف المؤرخون على ما إذا كانت تمثالاً أم صخرة. فمنهم مَن قال إنها تمثال حجري على ساحل البحر الأحمر، ومنهم مَن قال إنها صخرة تقدَّم لها الذبائح وإنها حملت اسم "مناة" لأن الدماء كانت عندها "تُمنَى"، أي تراق من القرابين. ويقول الدكتور جواد علي، صاحب موسوعة "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، إنها كانت صنماً وأمامه صخرة تمثل المذبح.
وكان الأوس والخزرج أهم من عظّموا هذه الإلهة، حتى أنهم كانوا لا يتمون حجهم قبل الإسلام إلا بزيارتها وحلاقة رؤوسهم عندها. ويقول البعض إن عابديها كانوا يعتقدون أنها إلهة كريمة طيبة تجلب الخير ولهذا نصبوا تمثالها عند ساحل البحر المرتبط بالماء، والذي تأتي من ناحيته السحب المحملة بالأمطار إلى قلب الحجاز. بينما يقول آخرون إنه كان إلهاً للأمنيات السعيدة وللمنايا، أي الموت، وللحظوظ، وثمة آراء تعتبر أن مصدر مناة هو بلاد بابل لوجود إلهة بابلية اسمها "ما مناتو". وقد انتهت عبادتها حين أرسل الرسول علي بن أبي طالب لهدم معبدها.
هُبَل
كان بمثابة "كبير آلهة" قريش. وقيل إنه كان منصوباً في جوف الكعبة. وقيل إنه أول صنم وضعه عمرو بن لحي في مكة. ومذكور عن أبي سفيان هتافه بـ"أعلِ هُبَل" بعد معركة أحد.
وهُبَل تمثال من العقيق الأحمر لرجل كانت يده مكسورة فصنعت قريش له يداً من ذهب. وعند نصبه كانت توجد سبعة قداح لاستفتائه في الأمور الهامة كالزواج والسفر والحرب والنسب. فللنسب كان القدح يحمل سهمين هما "صريح"، أي ابن المنسوب له، و"ملصق"، أي ليس ابنه، كما كان هناك سهمان، "نعم" و"لا"، لاستفتاء الإله في فعل شيء أو الإحجام عنه.
واختلف المؤرخون في "تخصص" هُبَل، فقال بعضهم إنه إله الخصب والخير، وغيرهم قال إنه إله القمر بينما قال كثيرون إنه التجسيد القديم لله. وثمة رأي يقول إن هُبَل تعريب لـ"أبوللو" وإنه بذلك إله للشمس والشعر، ورأي خامس قال إنه تخفيف لكلمة "هو بعل" التي ترمز إلى الإله بعل الفينيقي والبابلي. ولم نجد بين أسماء العرب ما هو منسوب إلى هُبَل كـ"عبد هُبل".
ود
هو إله ذكر على هيئة رجل ضخم يرتدي مئزراً وحُلة ويعلق في عنقه سيفاً وعلى كتفه قوساً وفي يده حربة فيها راية وجعبة سهام. يبدو من هيئته أنه "إله محارب"، وإن كانت قصته مجهولة. عظّمه بعض العرب وتسمّوا بـ"عبد ود" وبقي معبوداً حتى هدمه خالد بن الوليد بأمر من الرسول.
سواع
هي امرأة عبدتها بعض القبائل وقيل إن مقرها كان في "ينبع"، وقد هدمه عمرو بن العاص.
يغوث
هو صنم على هيئة أسد. يرجح بعض المؤرخين أن أصوله مصرية أو حبشية لتشابهه مع بعض آلهة تلك الشعوب. وقيل إنه كان في اليمن عند ساحل البحر الأحمر. وغير معروف إذا كان اسم يغوث هو اسم معرّب أم مشتق من فعل الغوث.
يعوق
هو صنم على هيئة فرس. عُبِدَ في اليمن أيضاً وكان يشبه في شكله صنم "اليعبوب" الذي عبدته قبيلة طيء.
نسر
هو صنم على هيئة نسر. قيل إن قبيلة حمير اليمنية عبدته قبل اعتناقها اليهودية. ويُعتَقَد أنه كان من آلهة الساميين القدماء.
وثمة أسطورة عن هذه الآلهة الخمسة الأخيرة تقول إن الطوفان حين أغرق الأرض، قد نقلها إلى جزيرة العرب وطمسها، ثم جاء الشيطان ووسوس للناس باستخراجها وعبادتها ففعلوا ذلك، وهي أسطورة تحاول تفسير وصول هذه الآلهة، التي يقول القرآن إنها كانت تُعبد في زمن النبي نوح، إلى شبه الجزيرة العربية.