ظروف صعبة تطبع مجال العمل الإنساني في اليمن وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ البلاد، فالقصف الذي يشنه التحالف بقيادة السعودية والاقتتال الداخلي رفعا عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في اليمن إلى نحو 80% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 25 مليون شخصا.
وإلى جانب الاحتياجات الملحة لا تجد المساعدات الإنسانية طريقها إلى المحتاجين بسبب الاشتباكات وغلق منافذ البلاد برا وبحرا وجوا، يضاف إلى ذلك تعنت المليشيات الحوثية في توزيعها على من يواليها وبيع الغالب من تلك المساعدات.
الحوثيون يبيعون المساعدات الإنسانية في السوق السوداء
قامت المليشيات الحوثية ببيع المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإنسانية وبعض الدول العربية والأوربية للمتضررين من الأحداث القائمة في البلاد.
وبحسب شهود عيان فإن المليشيات الحوثية تقوم ببيع تلك المساعدات وحرمان المتضررين منها إلى ذلك تمتلئ مخازن تابعة للمليشيات بتلك المساعدات.
يقول الدكتور وليد العليمي السياسي اليمني، إن مليشيات الحوثي وأتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يسيطران على المعونات الإنسانية قبل أن تصل إلى المستحقين من الشعب اليمني لإعادة بيعها مرة أخرى والاستفادة من أموالها بشراء أسلحة وذخائر واستخدامها في الحرب، مشيرا إلى أن الحوثيين يتحكمون في كل شيء بالدولة اليمنية وأنهم يقومون باقتطاع من مرتبات الموظفين وتوجيهها للدعم الحربي.
انتقائية التوزيع
المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحروب والكوارث يجب أن تشمل الجميع، دون تميز بين أحد سواء على المستوى الطائفي أو المناطقي أو الحزبي، لكن ما يحدث في توزيع المساعدات التي وصلت مؤخرا من الأمم المتحدة، والمنظمات الإغاثية، من قبل المليشيات الحوثية هو العكس تماما، حيث يقوم الحوثيون، بتوزيع تلك المساعدات على أفرادها ومواليها فقط ولم تشمل أحدا من المتضررين والفقراء.
عقال الحارات
يلعب عقال الحارات، المرتبطين غالبا بالسلطة القائمة، دورا كبيرا في كثير من المشاكل والاختلالات التي تحصل في مجالات الإغاثة، وغيرها من المشاريع الخيرية، سواءً في المدن، أو القرى.
وحتى اليوم، لا يزال عقال الحارات مسؤولين بشكل كبير على توزيع الإغاثة، والمساعدات الإنسانية، في الوقت الذي يعرف الجميع، فساد عقال الحارات، وارتباطاتهم الحزبية، وغير ذلك، الأمر الذي يجعل تلك المساعدات تذهب لأشخاص ليسوا محتاجين، بل في بعض الأحيان يتم بيعها في الأسواق من قبل عقال الحارات وسماسرة آخرين.
إضافة إلى حقيقة استخدام عقال الحارات للمساعدات الإنسانية، وغيرها كالضمان الاجتماعي وأيضا بعض المشاريع الخيرية، إلى أداة للابتزاز السياسي والاجتماعي.
عقال حارات العاصمة أنموذجا
تعاني العاصمة صنعاء، أكثر من غيرها من هيمنة عقال الحارات على المجالات الإغاثية، وغيرها من الخدمات، وهو ما تسبب في حرمان الآلاف من المستحقين، سواءً للإغاثة، الغاز المنزلي، والضمان الاجتماعي وخدمات أخرى.
وفي هذا السياق، أفاد سكان محليون وشهود عيان، في العاصمة صنعاء، لـ"مندب برس"، أن عقال الحارات وبأوامر من المليشيات الحوثية يقومون بتخزين تلك المساعدات في مخازن خاصة بعد استلامها من المنظمات الإنسانية ثم يقومون ببيعها في السوق السوداء.
وأضاف السكان والشهود، " بأن منطقة مذبح وحارة الأندلس وشارع الثلاثين أمام بوابة جامعة الإيمان يوجد فيها مخازن مليئة بتلك المساعدات التي لم يستفد منها أحد من أبناء تلك المناطق"، علما بأن عقال تلك الحارات قد قاموا بحصر المتضررين ورفع كشوفات للمنظمات الإنسانية ولكن لم يصل منها شيء لأصحابها.
كذلك الحال في شملان منطقة الخانق وصلت دفعتان من تلك المساعدات إلى عاقل الحارة كل دفعة تحتوي على 400 حالة ، حيث تم في الدفعة الأولى، توزيع جزء بسيط منها’ أما الدفعة الثانية فلم يصل منها شيء للمحتاجين.
حالة أخرى كسابقتها في منطقة الصافية وبحسب سكان "فإن عقال الحارات ومعهم أفراد من المليشيات يقومون ببيع المساعدات للتجار وبأسعار تافهة (القمح) يتم بيع الكيس منه ب 2000ريال لا غير".
تزايد نسب الفقر مع استمرار الصراع
ارتفعت الأسعار بشكل جنوني في جميع السلع وبالأخص السلع الأساسية كالأغذية والمشروبات، وكذلك الخدمات كالنقل، بالإضافة إلى الأدوية وغيرها من الأشياء الضرورية.
وباستمرار الحرب يدخل كل يوم جزء من أبناء الشعب تحت خط الفقر حتى أصبح جميع سكان الجمهورية اليمنية تحت خط الفقر تقريبا.
وتشير تقارير اقتصادية بأن نسبة الفقر في اليمن مع استمرار الصراع وتسريح القطاع الخاص لموظفيه بلغت 54,5%، 35% منهم تحت خط الفقر، في حين بلغت نسبة البطالة في أوساط الشباب بلغت 60%.
ومع كل تلك المعاناة وذلك الإنهيار المتسارع تصر المليشيات الحوثية على جرمها في تجير المساعدات وبيعها في السوق السوداء وحرمان الفقراء منها.
ما يتم توزيعه
سكان أمانة العاصمة الذين يقبعون تحت رحمة حكم المليشيات من شملتهم المساعدات منهم لم يجدوا منها إلا القليل والمنتهي الصلاحية أو تلك القريبة من الانتهاء، حيث اقتصر على "كيس دقيق + قطمة صغيرة شبيسة خاصة بالأطفال".
وبالرغم من كمية المساعدات الكبيرة التي وصلت للعاصمة صنعاء على متن الطائرات والسفن عبر ميناء الحديدة إلا أن المليشيات الحوثية نهبت كل تلك المساعدات لصالح مقاتليها في جبهات القتال التي تخوضها ضد الشعب.
شكاوى المواطنين
يشكوا كثير من المواطنين، من غياب العدالة في توزيع المساعدات الإنسانية، حيث أن أغلب المساعدات تصل إلى ميناء الحديدة (غرب) الذي يقع تحت سيطرة الحوثيين؛ وهذا يعني عدم وصول المساعدات إلى عدن والضالع ولحج (محافظات جنوب اليمن) وهي أكثر المناطق المشتعلة، وبها أكبر عدد من المتضررين".
يقول أحد الأهالي في منطقة مذبح: "قام أنصار الله بتفويض وجهاء ومشايخ موالية لهم كي يقوموا بتوزيع الدقيق على المواطنين، لكن هؤلاء المشايخ قاموا بالصرف لأنفسهم ولأقربائهم كميات كبيرة وإعطاء الفقراء كيسا واحدا فقط
وأضاف لـ"مندب برس": "لا تتوفر للناس معلومات عن كميات المساعدات ليكونوا أدوات رقابة عند التوزيع، كما أن المنظمات لا تقوم بعمليات دراسة قبل التوزيع لتعرف ما هي المناطق التي بحاجة إلى مساعدات".