أصدرت القاصة اليمنية/ فكرية شحرة، مؤخرا باكورة إنتاجها القصصي باسم “غيبوبة”، وبفعل ما تشهده اليمن من أحداث عاصفة لم يحصل الكتاب على حقه من الاحتفاء باستثناء فعاليات محدودة من منظمات مدنية مهتمة بالشأن الثقافي.
في 160 صفحة من القطع المتوسط طافت المجموعة ذات الـ24 نصا، بأوجاع المرأة اليمنية في الريف والحضر، من واقع تعيشه القاصة بكل تفاصيله، كما يبدو من نصوص المجموعة الغنية بمشاهد واقعية تفيض بؤسا وشقاء.
كان بمقدور الكاتبة أن تكتفي بالحديث العام عن معاناة أكثر عمومية تعيشها النساء في اليمن، من حرمان لأبسط حقوقها في الحياة وليس انتهاء بحقها في المشاركة في صنع القرار، لكنها آثرت أن تغوص في أعماق المأساة/المآسي، بعين ناقدة وفكر واعٍ، ولغة تتجاوز المألوف في التعبير إلى استخدام لغة تمزج الواقعي بالخيالي دون تشويه للنص أو تشويش على القارئ، وهي إذ تقدم أبطالها/ضحاياها لا تغفل عن سبر أغوار كل منهم، تناقش أفكاره وتعيد اكتشاف ما يعيشه من آلام، وما يقتات عليه من آمال، هي في الغالب تضيع في هاوية من البؤس والحرمان.
وإن كان من الإنصاف الإشارة إلى أن المجموعة القصصية ليست أول من يتناول أوجاع النساء اليمنيات، سواء في ذلك الكتابة الأدبية من رواية وشعر وقصة، أو غيرها من الكتابات والتقارير والإحصائيات الصادرة عن الجهات ذات الصلة، غير أن “غيبوبة” حضرت فيها تفاصيل لا تخلو من الوخز الذي هو أحد سمات الحقيقة حين تلسع كالنحلة، كما وأنها تعرج على هوامش لا ترى إلا في الحواشي الدنيا للمتن اليومي، بينما هي هنا تحضر بشكل موازٍ لأشكال المعاناة التي اعتدنا على اعتبارها أساسية وما سواها ثانوي وأقل من أن يذكر، حتى أنها تفصح عن حقوق لم يخطر على بال أحد المطالبة بها، كما تفعل تحت عنوان “من حقي أن أتألم”، وهي صرخة مكتومة أطلقتها إحداهن بعد ما ظلت أياما تُخفي عن أهلها آلامها الناجمة عن تعرّضها لحادث سير كان الفاعل فيه دراجة نارية، ولا يليق بامرأة عاقلة ان تخرج من بيت أهلها دون رفقة أحدهم، ثم تعود مهشمة الأضلاع بفعل دراجة نارية، والعرف اليمني المتوارث هنا يقول “موت المرأة في بيتها أهون من موتها في مكان آخر”، وهو ما كانت تردده إحدى الجدات في القصة نفسها.
وفي قضاء الرجل سنوات من عمره مغتربا عن أهله ووطنه تتجلى كثير من صور معاناته، بيد أن القاصة وهي تنتمي لمحافظة إب ذات الرصيد الهائل في أعداد المغتربين خارج الوطن، تسلط ضوء السرد الآسر على ما يطال المرأة جراء اغتراب الرجل، فهي إما تكون عرضة لظلم أقارب زوجها المغترب، كما هو الحال في “الهاربة”، أو ما تعانيه من ألم البُعد وأوجاع الفراق سنوات طويلة، كما في “العائدون من النسيان”، حين كانت سلمى “تنتظر مزيدا من الانتظار والصبر، مع التزامها الصمت حتى لا تسخر النساء منها”، ص77.
وهي ترسم ملامح الألم المحفور في وجدان اليمنيين عموما، والنساء خاصة، لا يفوتها أن تـُـفرد لثورة الربيع اليمني مساحة من الوجع، ذلك أن إخفاقها في تحقيق آمال ثوارها – حتى الآن على الأقل- دفع كثيرين منهم إلى حافة اليأس، وعند شفا الحافة تلك قرر ثائر أن يترك أغلى ما لديه الوطن والحبيبة التي نسج بينهما في إحدى ساحات الثورة، “لقد رحل كحلم ثورة، كطلقة غدر.. كوطن بلا شعب.. وكان أقصى انتقام أن يخسر حبا يشبه الوطن”، ص28.
وفي “غيبوبة” حضور لأشكال وصور من الواقع المعيشي للمجتمع اليمني بعضها متوارث ويحتاج سنينا طويلة وربما عقود بالإضافة للوعي اللازم كي يتم تجاوزه، وإحداث التغيير الإيجابي المنشود.