شارت دراسة بعنوان "كيفية إصلاح العلاقات الأميركية مع دول مجلس التعاون الخليجي"، أعدها الكاتبان إيلان جولدنبرج، وميليسا دالتون، ونشرتها مجلة الشؤون الخارجية الأميركية، "فورين أفيرز"، إلى أن أحداث السنوات الخمس الماضية فرضت ضغوطا على العلاقة بين الولايات المتحدة وشركائها التقليديين في العالم العربي، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. وكثيرا ما عبر القادة في واشنطن والعواصم العربية عن قلقهم مما يجري في المنطقة، بردود فعل مختلفة تماما، أضف إلى ذلك أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي تابعت عملية التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران، وصولا إلى اتفاق للحد من برنامج الأخيرة النووي.
الاتفاق النووي
في أغسطس الماضي، بعد إعلان نجاح الصفقة النووية، دعمت دول الخليج علنا الاتفاق، لكنها عبرت في نفس الوقت عن شكوكها العميقة في إيران ونهجها في المنطقة، وتدخلها في شؤون الدول الأخري، فضلا عن شكوكها في التزام واشنطن الجدي بشؤون الشرق الأوسط، لذا طالب قادة الخليج بضمانات سياسية وأمنية إضافية من الولايات المتحدة.
إعلان التزام واشنطن بدعم دول الخليج عن طريق زيادة المساعدات العسكرية وصفقات الأسلحة والتكنولوجيا والتدريب لم يبدد مخاوف دول الخليج، فالدعم الأميركي مهم وضروري، لكنه غير كاف لسد الفجوة التي فتحت بين الجانبين.
وسيظل العنف الذي تشهده العراق وسورية واليمن، والتهديد الحقيقي من التدخل الإيراني في شؤون دول الخليج، وتمددها على حساب المصالح العربية، أهم اختبار للعلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يتطلب شكلا أكثر تطورا للدبلوماسية بين الطرفين.
فقد أثبتت الأحداث طيلة الفترة الماضية أن كلا من واشنطن والحكومات العربية لديها أولويات مختلفة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر باستراتيجية إقليمية للشرق الأوسط، ولكن هناك ما يكفي من تداخل المصالح للحفاظ على شراكتهما، ما دامكل طرف على استعداد لاحترام المخاوف الأساسية للطرف الآخر، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع إيران.
عقبات أمام التعاون
وليست الاختلافات بين واشنطن ودول الخليج حول مصادر التهديد في المنطقة هي المصدر الوحيد لتوتر العلاقات بينهما، فهناك عدد آخر من القضايا لها جذور تاريخية عميقة، تشكل عقبات أمام التعاون بينهما.
كما أن هناك توجسا حول ميل الولايات المتحدة تجاه طهران، ورغم ما يتردد عن أنها مخاوف لا أساس لها، فإن هناك شكوكا جديدة ومؤكدة في مستقبل الشرق الأوسط، أثرت في الحسابات الاستراتيجية لمعظم دول الخليج والدول العربية أيضا، وتمثل ذلك عمليا في اتخاذ إجراءات مستقلة عن الولايات المتحدة.
إنقاذ العلاقات
واشنطن قد ترحب بهذا التحول نحو مزيد من الاستقلال العسكري الذاتي من جانب شركائها في الخليج، الأمر الذي سيقلل من العبء عليها للعب دور الشرطي في المنطقة. لكن هذا الأمر من وجهة نظر الدول العربية يعني أساسا تقليص نفوذ واشنطن وربما انسحابها من قضايا المنطقة ودعمها المباشر للحلفاء التقليديين، غير أنه يمكن إنقاذ وتعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية، من خلال الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في القضايا التي تهم الجانبين.
وفي السياق ذاته، يتعين على الولايات المتحدة إظهار استعدادها الفعلي لمواجهة وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة، مع بدء تنفيذ الاتفاق النووي. وفي سورية، ينبغي على الولايات المتحدة إيجاد الظروف العسكرية والسياسية التي يمكن أن تؤدي إلى نهاية تفاوضية للحرب الأهلية، بدلا من الاكتفاء بمحاربة داعش، كذلك ينبغي على الجانبين تكثيف الدعم للعراق والتنسيق مع بغداد.
وعلى الرغم من أن هذه الجهود والتعاون العسكري في العراق وسورية تعزز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع، فإن المطلوب أيضا هو مزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية ومزيد من التدريبات لمكافحة الإرهاب، كذلك علي واشنطن أن تعلن إطلاق حوار استراتيجي مع دول الخليج حول كيفية مكافحة وكلاء إيران باتخاذ إجراءات عملية لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية، فضلا عن تنسيق الجهود العسكرية ضد النفوذ الإيراني بالمنطقة.