كانت منابر المساجد وما تزال، واحدة من وسائل الإعلام الجماهيري ذات التأثير البالغ بالنظر إلى قدسية المكان ومكانته في بناء الشخصية المسلمة بناءً سليماً على أسس ومناهج الدين الإسلامي الحنيف، الذي يرفض الإكراه في كل شيء وترك حتى حرية اختيار الدين دون فرض.
لكن تلك الفائدة العظيمة التي كان يجنيها الناس من هذا اليوم المبارك تلاشت كثيراً هذه الأيام في اليمن.
من يسمون أنفسهم أصحاب "المسيرة القرآنية" حاربوا حفّاظ كتاب الله وفجروا دور القرآن، وبعد انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد حاولت مليشيات الحوثي والمخلوع صالح فرض سيطرتها على المساجد وتعيين خطباء منهم، وقد نجحوا نوعاً ما في المحافظات الموالية لهم وعلى رأسها العاصمة صنعاء، في حين فشلت المليشيات في تنفيذ تلك الخطة في محافظات أخرى تفتقد فيها للحاضنة الشعبية ومن تلك المحافظات الحديدة.
- مداهمة واعتقالات
شهد الأسبوع الفائت تطوراً ملحوظاً في ارتفاع نسبة الاختطافات ونوعيتها، إذ اتجهت المليشيات إلى أرياف المحافظة المسالمة وحاولت فرض خطباء يتبعون فكرها وينشرونه، بعد أن بدأت بتطبيق تلك الفكرة في المدينة.
وينظر الحوثيون وأتباعهم إلى المنابر باهتمام بالغ لكونها وسيلة تعبئة جماهيرية يرون فيها طريقاً للتأثير على عقول المواطنين وجرهم إلى فكرهم، حيث يهاجمون في المنابر رموزاً دينية، ويستخدمون الدين لهواهم وأغراضهم.
وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري حيث كانت المليشيات تحتفل بما تسميه "عيد الغدير"، دشنت حملات أطلقت خلالها النار على المصلين في الزيدية واختطفت الخطيب عركي علي قوي، وشقيقه الشيخ إسماعيل علي قوي، واقتحمت منابر الجمعة في قرى أخرى وفرضت خطباء لها بقوة السلاح، وهو الأمر ذاته الذي جرى في مديريات الضحي وباجل والصليف التي شهدت اختطاف المليشيات لثلاثة خطباء.
- إفلاس أخلاقي
محمد سليمان، إمام وخطيب جامع في محافظة الحديدة، اعتبر ممارسات الحوثيين وقمعهم للخطباء والدعاة حالة من "الإفلاس الأخلاقي والتخبط؛ نتيجة شعورهم برفض المجتمع لفكرهم، ما دفعهم لمحاولة إجبار الخطباء والدعاة لترويج أفكارهم المرفوضة في المجتمع التهامي".
وأشار في حديثه لـ "الخليج أونلاين" إلى حادثة إغلاق جامع مفتي الجمهورية الشيخ محمد بن إسماعيل العمراني، أحد أبرز الهامات الدينية المحسوبة على المذهب الزيدي المعتدل، وهو الأمر ذاته الذي سلكته المليشيات في كثير من الجوامع المحسوبة على معارضين لها، كما غيرت بعض أسماء الجوامع تماشياً مع فكرهم، مضيفاً إلى أن الحوثيين "لا يتبنون أفكار الزيدية بقدر تبنيها لأفكار التشيع القادمة من إيران، وقد ظهر ذلك جلياً في احتفالاتهم بما أسموه عيد الغدير وذكرى الولاية".
ومع غياب الحاضنة الشعبية لفكر المليشيات وعدم إيمان الأغلبية الساحقة بالفكر الحوثي، زادت ممارسات المليشيات لردع معارضيها، بيد أن قوة السلاح فشلت أمام صلابة المواطنين، حيث شهدت الكثير من الجوامع مغادرة المصلين بعد أن فرضت المليشيات خطباءها فيها، إذ ترك المصلون الخطيب الحوثي في الجامع الكبير بمديرية المرواعة وغادروا الجامع مع بداية الخطبة في عيد الأضحى المبارك، والحال نفسها في جوامع أخرى.
وقال الشيخ صالح باكرمان، متحدثاً لـ"الخليج أونلاين": "لا يجوز شرعاً فرض خطباء على الناس؛ لأن المقصود من الخطبة وعظ الناس وتذكيرهم والتأثير فيهم، وهذا لا يتأتى للخطيب الذي يفرض نفسه أو يفرضه غيره، ولأنهم سيصلون بالناس وهم لهم كارهون وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك".
وعلق باكرمان على مغادرة الناس للجوامع دون الاستماع للخطيب الحوثي قائلاً: "لا بأس بترك الخطبة للذهاب إلى مسجد آخر تركاً لمن يستخدم الخطبة في غير محلها الصحيح، وإذا لم تكن ثمة جمعة يمكن إدراكها فعليهم بترك الخطبة والانتظار خارج المسجد ثم الدخول للصلاة".
وأضاف أن خطبة الجمعة "خاصة لها مقصد تعبدي، والسياسة التي تعلن في المسجد هي السياسة الشرعية التي غايتها تحكيم الشريعة وتطبيقها في الواقع، وليست سياسة الأحزاب والطوائف المتنازعة".
- تفكك النسيج الاجتماعي
الداعية اليمني بلال الزهيري، وأحد الخطباء في الولايات المتحدة الأمريكية، أشار إلى أن "الممارسات الإقصائية التي دأبت عليها الجماعة منذ انقلابها لا تزيد النسيج الاجتماعي إلا تفككاً والسلم الأهلي إلا تصدعاً".
ويضيف في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "وهي توضح أكثر مدى تشبع الجماعة بالطائفية المقيتة وعدم احترام الآخر ومعتقده وخصوصياته، وعلى النقيض من ذلك نحن نجد أن للمسلمين هنا في الغرب الحرية في مساجدهم ومراكزهم، ولا أحد يقصيهم منها أو يفرض عليهم ما يفعلون فيها مع اختلافنا مع كل شرائح المجتمع هنا في العقيدة والدين والثقافة".
- مضايقة الخطباء
عماد الحوصلي، أحد الخطباء في العاصمة صنعاء، أكد تعرضهم لمضايقات من قبل الحوثيين بفرض خطبائهم بالقوة، "ويصل الأمر لاعتماد الدعاء على التحالف واجباً في كل جمعة".
ويرى الحوصلي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "الخطباء طلاب آخرة لا يخطبون مقابل راتب أو أجرة أو مصلحة، ففرض خطب أو توجيهات لا يؤمن بها من المستحيل تنفيذها؛ وعندما يقومون بفرض خطيبهم يقدم أفكاراً غريبة على المجتمع ما يدفع المصلين لمغادرة الجامع"، متهماً المليشيات بتفجير المساجد التي لا يستطيعون السيطرة عليها، فيما يخشى الناس من الصلاة في المساجد التي يسيطر عليها الحوثيون نتيجة المخاوف من تعرضها لعمليات انتحارية.
*الخليج اونلاين