تُعتبر المعالم التاريخية لأي بلد، مكسباً له قيمة كبيرة، كونها ترتبط بالحضارات التي مرت به. واليمن الذي يعتبر واحداً من أقدم مراكز الحضارة في المنطقة، يزخر بـ “ثروة تاريخية” ضاربة في القدم، ولكن الحرب أتت على بعض المعالم التاريخية اليمنية، فأحالتها إلى كومة من ركام.
مدينة عدن، العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن، فيها الكثير من المواقع الأثرية التي يعود بعضها إلى مئات السنين، والتي ظلت محافِظة على مكانتها التاريخية والروحانية إلى وقت قريب، إلى الوقت الذي دقت فيه الحرب التي اندلعت في مارس/أذار الماضي، أبواب هذا البلد، عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وامتدادهم إلى مدن أخرى.
ويبرز المتحف الحربي الذي يعود بناؤه إلى العام 1918م، في مقدمة هذه الأماكن التي حل بها الدمار والخراب .
المتحف الذي كان مدرسة للتعليم الابتدائي، مطلع القرن الماضي، جرى تحويله إلى متحف مخصص للتراث العسكري اليمني، وفق قرار صادر من الرئيس الجنوبي الراحل، سالم ربيع علي، عام 1971م.
وبحسب هيئة الآثار والمتاحف اليمنية، كان المتحف يتألف من 7 صالات، وتوجد فيه أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية، تم تنظيمها وفق التسلسل التاريخي والزمني للوقائع والأحداث التاريخية المتعاقبة ابتداءً من العصور الحجرية، وعصور ما قبل التاريخ، والعصر الإسلامي، والاحتلال البريطاني، ثم فترة حكم الأئمة ( أسرة يحيى حميد الدين أو ما كانت تعرف بالمملكة المتوكلية عام 1918م – 1962م)، وثورتي الـ26 من سبتمبر/أيلول 1962م، و14 أكتوبر/تشرين أول 1967م، وصولاً إلى الوحدة اليمنية عام 1990.
وتُعد الأسلحة القديمة، وصور الثوار، ومعروضات عن تاريخ اليمن العسكري، ومراحل التطوير الحديث التي شهدتها القوات المسلحة، أبرز مقتنيات المتحف الذي يضم أيضاً صوراً وأعمالاً يدوية صنعها الإنسان من الحجارة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد.
لكن هذا المعلم الذي يقع وسط مدينة كريتر، بمحافظة عدن (تحمل اسم المدينة نفسه)، تعرض إلى خراب كبير، بعد أن دمرت المواجهات المسلحة بين أطراف الصراع، أجزاءً كبيرة منه، وسُرقت معظم مقتنياته الثمينة، بحسب مراسل الأناضول.
حي القطيع الأثري
وعلى مقربة من المتحف، يقع حي “القطيع”، الذي يعد واحداً من أعرق وأهم الأحياء في المدينة، بحكم موقعه بالقرب من البحر، حيث شُيدت فيه منذ فترة مبكرة من القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، عدة مبان سكنية، ومنشآت حيوية، أبرزها نادي التنس العدني العريق الذي أُنشئ عام 1902م، وبُني على أنقاضه مبنى إدارة الهجرة والجوازات حالياً.
كما يوجد فيه أعرق الأندية الكروية في المنطقة العربية، وهو نادي “التلال” الرياضي الذي تأسس عام 1905م.
وفيه يوجد مسجد “العلوي” الذي شيده أحد أئمة الصوفية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، ويُرجع بعض المؤرخين تاريخ بنائه إلى السيدة “بهجة” وهي أميرة من أميرات بني زريع (قبيلة حكمت اليمن في الفترة من 1138م – 1175م وتنتمي الى جشم يام أحد قبائل نجران) ، إلا أن المعلم التاريخي الديني بطابعه القديم قد طُمس بعد الوحدة اليمنية عام 1990، بحجة إعادة بنائه، مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتعرض إلى دمار كامل، إثر غارة جوية استهدفت تجمعاً للحوثيين في مايو/أيار المنصرم، وفق مراسل الأناضول.
ويقع في الحي، مستوصف “الفارسي أدلجي”، بمبناه التاريخي الفريد الذي شُيد عام 1913م، وكان يقدم خدماته بالمجان، ليس لأبناء حي القطيع فقط، بل لبقية الأحياء في كريتر، كحي العيدروس، والخساف، والطويلة، والروزميت الذي تعرض هو الآخر للدمار، إثر المواجهات المسلحة التي دارت رحاها إبان فترة الحرب على عدن، بين القوات الحكومية مسنودة بطيران التحالف العربي من جهة، والحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن يتم تحرير المدينة منتصف يوليو/تموز الماضي.
* مكتبة عبدالله باذيب
وبمحاذاة المتحف الحربي، تقع مكتبة “الفقيد عبدالله باذيب” الوطنية،التي تُعد صرحا ثقافياً تنويرياً رائداً، ، يعود تاريخ بنائها إلى أكثر من 5 عقود، ويتردد عليها عشرات الزوار يومياً، للإطلاع على ما تحتويه أقسامها المتعددة التي تصل إلى 12 قسماً، من كتب، ومطبوعات، وأرشيف ثقافي وصحفي نادر.
لكن ذلك لم يشفع لها، فطالتها قذائف الحوثيين، لتغدو أثراً بعد عين، وفق مراسل الأناضول.
كنيسة سانت جوزيف
ما يميز عدن عن باقي مدن اليمن، أنها الوحيدة التي تعايشت فيها أديان سماوية وغير سماوية، حيث لا تزال كنسية “سانت جوزيف” في حي البادري، بكريتر، التي بُنيت عام 1852 على يد الكاردينال جي ماسايا، شاهدة على ذلك.
الكنيسة التي كانت مدرسة مخصصة للراهبات، قبل أن يتم إضافة ملحق بها خاص بالروم الكاثوليك، تعرضت للعبث والتدمير من قبل عناصر الحوثيين وقوات صالح.
أما كنيسة “شيلدن” التي بُنيت عام 1952، إبان الحكم البريطاني لعدن، فخطّ الحوثيون على جدرانها، شعاراتهم المعروفة بـ”الموت لأمريكا”، “الموت لإسرائيل” .. الخ “.
رصيف السواح
في مدينة التواهي، بالمحافظة نفسها، يقع ميناء عدن الشهير، يوجد رصيف “ويلز” المشهور بـ”رصيف السواح”، والذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 1905م، ويتميز بطرازه الجميل، وسقفه القرمزي الأخاذ، زاد من جماله أنه بُني بنفس طراز بوابة ميناء بومباي، الهندية.
وأثناء سيطرتهم على المدينة، تمركز الحوثيون وقوات صالح، داخل الرصيف، ما جعل منه هدفاً لمقاتلات التحالف، حيث وصلت نسبة التدمير فيه، وفق مراسل الأناضول، إلى 90%، وتحول سقفه البديع إلى حطام متناثر.
معبد جين الهندوسي
في طرف من أطراف منطقة الخساف الجبلية، بمدينة كريتر، بين ثنايا الجبل، بُني المعبد الهندوسي، قبل أكثر من مائة عام، وظل أتباع الديانة يمارسون طقوسهم وشعائرهم بكل هدوء ، دون أن يعترضهم أحد، بحسب مؤرخين، إلا أن المبنى تعرض مؤخراً للهدم من قبل جماعات إسلامية ترى أن وجود المعبد فيه “مخالفة للتعاليم الإسلامية” عقب طرد عناصر الحوثيين وقوات صالح من المدينة منتصف يوليو/ تموز الماضي .
ناشطون من مختلف المكونات الشبابية في عدن، لم ترق لهم عملية الهدم، فنفذوا عدة وقفات احتجاجية، معتبرين المعبد جزءًا من التاريخ الثقافي للمدينة.
ومنذ 26 مارس/أذار الماضي، يواصل التحالف الذي تقوده السعودية، قصف مواقع تابعة لجماعة الحوثي، وقوات موالية لصالح، المتحالف مع الجماعة، ضمن عملية أسماها “عاصفة الحزم” استجابة لطلب الرئيس عبدربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً لـ”حماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية”، قبل أن يعقبها في 21 أبريل/نيسان بعملية أخرى أطلق عليها اسم “إعادة الأمل” قال إن من أهدافها شق سياسي يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين، وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة من خلال غارات جوية.