الرئيسية > اخبار وتقارير > الإعلام اليمني يمارس الدعاية للقوى النافذة ولا يعبر عن الأولوية الوطنية  (تحقيق)

خلقَ ضبابية وإرباك للمشهد ...

الإعلام اليمني يمارس الدعاية للقوى النافذة ولا يعبر عن الأولوية الوطنية  (تحقيق)

الإعلام اليمني يمارس الدعاية للقوى النافذة ولا يعبر عن الأولوية الوطنية  (تحقيق)

لا يوجد قانون ينظم القنوات الفضائية والإذاعات ، وليس هناك رقابة على تلك المحطات .. هذا واقع الإعلام في اليمن ازداد تقزّمه مع تفاقم انتهاك المليشيا للوسط الصحفي .

 

تزايدت أعداد القنوات والإذاعات دون استراتيجيات صحيحة تضمن استمرارها، مما جعلها مثار جدل لدى عموم الشعب، حول مصادر دعمها المؤثر على سياساتها الإعلامية. 

 

الصحف والمجلات

 

الإعلام اليمني دون رقابة قانونية أو مهنية ووسائل الإعلام لا تحترم نفسها والجمهور المتابع لها؛ هذا ما حدثنا به مصدر مسؤول في وزارة الإعلام وهو يعطينا بعض التراخيص لتلك القنوات ويحكي لنا عن سبب تعددها وعشوائيتها !!

 

رصدت وزارة الإعلام حوالي (537) صحيفة ومجلة وفقاً للملف الذي يدون تراخيص الصحافة الممنوحة من قبل الوزارة.

 

وتتوزع تلك الصحف والمجلات إلى 32 وسيلة رسمية حكومية وبعضها قيد التوقيف، إلى جانب 64 وسيلة حزبية معظمها متوقفة بسبب عجزها المالي أو تغطيتها للأحداث بطرق مخالفة، ويأتي العدد الأكبر من نصيب الصحف الأهلية حيث تم رصد 250 صحيفة ومجلة أهلية كذلك بعضها متوقفة للسبب ذاته .

 

كمَّ هائل من الصحف التي مُنحت تراخيص لمزاولة العمل، ناهيك عن الوسائل المسموعة والمرئية، إلى جانب المواقع الإخبارية التي سنتطرق لها لاحقاً.

 

إذن عدد الصحف والمجلات يفوق الـ 500 وهذا ليس بقليل، بل يعد سوق للتجارة يتعمد استغلال عطش المواطن بسلعة الأخبار الزائفة والتضليلية كما وصف مسؤول بوزارة الإعلام تحفظ عن ذكر اسمه.

 

القنوات الفضائية

 

وحتى وصل الأمر بنا إلى أدراج القنوات التلفزيونية؛ استغرق البحث أسبوعاً كامل من أجل الحصول على إحصائيات دقيقة، لكن المعلومة التي صرعت ذهني كصحفي، هي عدم وجود تراخيص عمل للقنوات الفضائية ولا يوجد قوانين تنظمها وتضبط بمعايير عملها.

 

أمعنّا النظر في القنوات المسجلة بأحد الأدراج المهملة في مبنى الوزارة .. فوجدنا قرابة 22 قناة ما بين رسمية وحزبية وأهلية، معظمها بُثت مؤخراً خلال فترة الربيع العربي وما بعد، وما تزال بعض القنوات حيز التدشين لم ندرجها في هذا التحقيق.

 

مشهد من الصعب استيعابه حقيقة، وهو الأمر الذي أثارني وزميلي في التحقيق، حتى أنه أثار استغراب العاملين في الوزارة .. فقط لمجرد معرفتهم بتلك الحقائق، خصوصاً المحطات الإذاعية.

 

المحطات الإذاعات

 

وجدنا سائق التاكسي أثناء عودتنا من الوزارة وهو يتنقل من إذاعة إلى أخرى؛ ربما لكونها تضفي طابعاً آخر من التسلية فمعظم المحطات الإذاعية اليمنية لا يعنيها مناقشة الأوضاع الوطنية أو الاجتماعية إلا فيما ندر.

 

يتحدث المسؤول في قسم الإذاعات بالوزارة/ أحمد السقاف، عن وجود 14 محطة إذاعية وطنية رسمية و 9 أخرى بين إذاعات محلية في المحافظات وخاصة.

 

وطبعا المحطات الإذاعية تشغل الحيز الأكبر لدى الجمهور اليمني، فهناك إقبال، متراكم لدى المستمعين الذين يتواجد غالبيتهم في الأرياف اليمنية، إلى جانب المستمعين في المدن الرئيسية والمحافظات، في أماكن العمل وأثناء قيادة السيارة.

 

المواقع الإلكترونية

 

كنا قد حطّينا الرحال لنحلق أمام وزارة الإعلام، وندق ناقوس الخطر على الكم الهائل من المواقع الالكترونية الإخبارية، وما يزال العدد يتزايد، فمن حين لآخر تنشأ مواقع إخبارية جديدة وغالبيتها تعمل كمسوق للأخبار التحريضية والكاذبة في ظل سلطات المليشيا الانقلابية مما جعلها تفقد مصداقيتهم بسرعة لدى المتابع.

 

بحسب إحصائية دليل المواقع في محرك بث "صحافة نت" حصدنا حوالي 911 موقع إخباري، ومحرك البث هذا يعد واحد من محركات البث العديدة، التي تقوم بنشر أخبار المواقع وتحديثها من حين لآخر.

 

وقبل كل ذلك الشيء المؤسف حقاً أن وزارة الإعلام ليس لها صلة بتلك المواقع الإخبارية التي تضخ الأخبار على مدار اليوم، ويضيف المسؤولين بالوزارة أن الحكومة ليس لها رقابة على تلك المواقع.

 

لم يكن الأمر سهل إذن، حتى نحصل على رصد للمواقع الإخبارية وتوجهاتها ومصادر تمويلها، فبعدما اتجهنا إلى وزارة الاتصالات التي تمنح تراخيص لاستضافة المواقع الإخبارية، أبلغتنا الوزارة أنه ليس لها علاقة بالمواقع الإخبارية، فمواقعها تتعلق بشؤون الهيئات والمؤسسات الحكومية فقط.

 

واتضح بعد ذلك أن وزارة الاتصالات تمنح عقود لشركات إلكترونية تستطيع من خلالها استضافة المواقع الإخبارية فصعب البحث عن تلك الشركات الموزعة في مناطق مختلفة من البلاد.

 

وبعد العبور من خلال هذه المحاور، وجدنا هناك قرصنة كبيرة على وسائل الإعلام الأمر الذي جعلها تحتل المرتبة الأعلى في إدارة الأزمات والسيطرة على منافذ خروج المعلومة.

 

صحافة شاذة !

 

كل هذه المعلومات لم ترض فضولنا ورغبتنا في الحصول على معلومات أكثر، فكان لا بد من معرفة الموقف النقابي إزاء ذلك.

 

قابلنا وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين/ سعيد ثابت سعيد والذي رحب بنا بصدر طليق، لكنه تجهم حينما بدأ يحدثنا عن واقع الصحافة اليمنية اليوم، وذكر أنها تمر بأسوأ مراحلها وتعيش وضع شاذ مقارنة بالصحافة خارج اليمن.

 

الصحفي سعيد ثابت والذي يعمل مديرا لقناة الجزيرة في اليمن أبدى وجهة نظر مهمة عن سياسة وتوجه المواقع الالكترونية ووصفها قائلاً: " المواقع الالكترونية تقوم بالعبث بعقل المواطن واللعب بمعلوماته، فهذه المواقع يسيطر عليها طرف وتلك تسيطر عليه جماعة".

 

وعبر عن استياءه ممن وصفهم بالأوصياء الجدد على دار الرئاسة متمثلين بجماعة الرئيس عبدربه منصور هادي، مبيناً أن هؤلاء اشتروا كثير من المواقع الكترونية ليسربوا من خلالها الإشعاعات والأكاذيب، مما زاد الوضع المهني للصحافة رداءةً خصوصاً مع بقاء الطرف الثاني المتحالف مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح .

 

 

واتهم ثابت المواقع الإلكترونية بانتهاكها لقدسية الخبر، وممارسة مذبحة للمهنية الصحفية من خلال هذه المواقع.

 

وتابع: "المواقع الالكترونية هي الأخطر؛ تشتغل دون قانون .. دون أي التزام بأخلاقية المهنة، والمشكلة أن الصحافة الورقية والقنوات الفضائية تعتمد على هذه المواقع لنشر المعلومات".

 

وعن نظرة نقابة الصحفيين من الوضع المتردي للصحافة اليمنية يقول سعيد أن النقابة ترى واقع الإعلام والصحافة على أنه مشهد سيء وغير مبشر بخير، اذا استمر الوضع بهذا الشكل الذي نجده.

 

 وأضاف: "ستشهد انتكاسات كبيرة إن لم يحدث حالة موت سريري للحرية الصحفية، ووضع قوانين تتحكم بالإعلام والصحافة، دون أي خروقات أو انتهاكات تسيء للمهنة الإعلامية والصحفية على حد سواء".

 

ألحينا على الوكيل سعيد ثابت لنعرف موقف النقابة مما يحدث للصحافة اليوم فذكر أن النقابة تناضل بقدر استطاعتها، رغم وضعها البائس.

 

وتابع: "كما لاحظتم النقابة تعمل بحسب إمكانياتها وتصدر بيانات في ظل صمت كبير، تستنكر سيطرة المليشيا .. اليوم كثير من القوى لا تستطيع أن تصدر حتى بيان تعبر عن مواقفها".

 

وأشار في هذا الصدد أن النقابة سلطتها ليست تنفيذية وإنما أخلاقية يلتزم بها منتسبي النقابة، منبها إلى أن معظم الذين يمارسون العبث بالمهنة الصحفية ليسوا منتسبين للنقابة ومعظمهم دخلاء على المهنة.

 

إعلام نافذين

 

لا شك أن الجانب النقابي كان مهماً في موضوع كهذا، وبقي الجانب الأكاديمي الذي لا يقل أهمية عن ذلك، ولدى زيارتنا لجامعة صنعاء، التقينا بعميد كلية الإعلام الدكتور علي البريهي، وشرح الكثير من التفاصيل حول واقع الصحافة اليمنية اليوم.

 

أتهم الدكتور البريهي المؤسسات الإعلامية والصحفية أنها مؤسسات تابعة فقدت دورها المؤسسي وخضعت للسلطة ومراكز النفوذ.

 

وأرجع البريهي هذا الأمر إلى كونه لا يوجد في اليمن قوانين وتقاليد ترسخ لمؤسسات إعلامية تحترم ذاتها وتحترم جمهورها.

 

كما وصف واقع الصحافة اليمنية بأنها تشهد حالة من التشظي، مشيراً إلى أنها أصبحت تبث خطاب الكراهية والصراع إلى جانب كونها تمارس الدعاية للقوى النافذة ولا تعبر عن الأولوية الوطنية أو على الشخصية الاجتماعية الوطنية .

 

وأضاف: "الصحافة اليوم تحاول أن تخلق لنا جو صراع، أكثر مما تخلق الوئام وتمارس دورها التنموي".

 

ووصف البريهي هذا الكمَّ الهائل من القنوات والصحف والمواقع الإخبارية بأنه خلق ضبابية وإرباك المشهد ، وكذلك تسويق الزيف والتضليل والكذب، مشيراً إلى المواقع الالكترونية بأنها أكثر دجلاً وكذباً، ناهيك عن كونها مجهولة الهوية.

 

المواطن وهو المستهدف الأول من السلعة الصحفية فيعتبرها اتجه صوب التضليل والافتراء، وابتعدت عن نطاق العمل المهني والشفافية ؛ هذا ما تلخص لنا من الآراء القصيرة للشارع اليمني.

 

وفي هذا الصدد يذكر أستاذ الاتصال بكلية الإعلام الدكتور علي البريهي أن الإعلام اليمني أصبح يمارس قرصنة سياسية، مفيداً أن الإعلام اليوم لم يعد يحترم المفهوم الحقيقي لمعنى الإعلام والصحافة، ولا يحترم الإعلام كعلم.

 

وعن مستقبل الإعلام تحدث الدكتور البريهي قال: "إذا أرادت الأسرة الصحفية ونقابة الصحفيين والكليات والجامعات أن يكون هناك مستقبل مهني فسيكون .. وإذا سمحت للمتطفلين والدخلاء الاستمرار بالعبث فلن يكون هناك مستقبل للإعلام وستكون الساحة الإعلامية ساحة فوضوية .

 

واختتم عميد كلية الإعلام الدكتور علي البريهي برسالة شديدة اللهجة مطالباً فيها المؤسسات الإعلامية والصحفية إلى التعامل بأخلاق مهنية وإعادة إنتاج وترتيب نقابة الصحفيين بحيث تكون نقابة خالية من الدخلاء.

 

كما دعا هذه المؤسسات إلى الحرص على نيل رضا المتلقي والمجتمع بشكل عام، من خلال العمل  باحترافية ومهنية.

 

يبدو أن الإعلام اليمني بات اليوم مسرحاً للفوضى، ومرتعاً خصباً لإذكاء الصراعات، خصوصاً بعد الكم الهائل من الوسائل الإعلامية الذي تزايدت مع انتفاضة الربيع العربي.

 

الحديث عن واقع الإعلام اليمني أمرٌ لا ينتهي، يشعرك بمرارة المشهد الذي تعيشه صحافتنا المقروءة والمسموعة والمرئية، لكننا نعقد الأمل بمستقبل إعلامي مشرق طبقاً للوضع السياسي الذي نأمل أن تعيشه اليمن.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
شريط الأخبار