بالرغم من أن الحكومة والبعثات الدولية لم تمسح سوى 30% من آثار اليمن، فهنالك ثلاثة وأربعون معلماً منها تضرّرت وباتت مهددة بالاندثار، بسبب عمليات القصف والتدمير التي تشنها طائرات التحالف وجماعة الحوثي.
سد مأرب
في محافظة مأرب شرقي اليمن يقع سد مأرب الذي يُعد أحد أقدم السدود الحجرية في العالم، ويعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد. ببنائه أراد السبئيّون حصر مياه السيول والانتفاع بها، وعلى مر تاريخه، عانى السد من انهيارات كثيرة أدخلت عليه تشوهات وأوقفت عمله. وهو يبعد عن السد الجديد ثلاثة كيلومترات.
وقال الدكتور محمد العروسي، أستاذ التاريخ في جامعة صنعاء، لرصيف22 إن "سد مأرب بُني على مراحل مختلفة وآخر ترميم له كان في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، ويظهر فيه نقش بخط المسند، الخط اليمني القديم، يشير إلى وصول أبرهة الحبشي إليه أثناء ظهور الدعوة الإسلامية".
وقال وكيل وزارة السياحة اليمني مطهر تقي: "استُهدف سد مأرب القديم ست مرات من طيران التحالف، وهُدمت أجزاء منه في الجانبين الأيمن والأيسر، أي ما يُسمّى بالصدف الأيمن والصدف الأيسر، وتأثرت نقوش الصدفتين كما تأثرت مادة القضقاض التي بني بها السد وهي تشبه مادة الإسمنت اليوم". وأضاف أنه "من خلال الصور التي وصلتنا للدمار الكبير الذي حلّ بالسد، هنالك صعوبة في إعادة إعماره".
وأشار المتخصص في التاريخ اليمني خليل العمري إلى أن "قصف مصارف سد مأرب بالطيران كان عبثياً، وضرباً للإرث والتاريخ اليمنيين، لأنه لا يوجد فيه مسلحون حوثيون أو موالون للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وهذا السد قديم وهش البنية، وتهديمه سهل. كما لا يمكن ترميمه، فهو ليس منزلاً ولا قصراً حتى يعاد تجديده ويبقى محافظاً على تاريخه".
مدينة صنعاء القديمة
"هذه البيوت تعيش على كف عفريت"، قال السبعيني علي محمد. وأشار بإصبعه نحو صنعاء القديمة المحاطة بسور يمتد على ارتفاع ثلاثة أمتار. وتابع: "يُقال إن سام ابن نبي الله نوح هو من قام بتأسيس صنعاء القديمة، على أعلى هضبة في شبه الجزيرة العربية. واليوم عقب آلاف السنوات يدكها قصف همجي من دون مبالاة أو مراعاة لتاريخها".
وأكد رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية الدكتور ناجي ثوابة، أن "ستة منازل تهدمت بشكل كلي في حي القاسمي، يصل عمرها إلى 800 عام، بينما تعرض أربعة آلاف منزل ومعلم أثري لأضرار مختلفة من مجموع تسعة آلاف منزل، هي كل منازل ومعالم صنعاء القديمة". وأضاف: "سوف نعيد بناء المنازل المهدمة بالطريقة المعمارية نفسها التي كانت عليها، وسنحاول استنساخ ما تدمر. وقد قمنا بإنزال المخططات للبدء، غير أن المهندسين العسكريين يؤكدون أنه لن تتم إعادة بناء المنازل المهدمة حتى يُزال صاروخ أطلقته إحدى طائرات التحالف، ولا يزال قابعاً بين أنقاض المنازل".
وعلق الدكتور العروسي: "تشقق الكثير من منازل صنعاء القديمة بفعل الغارات التي استهدفت مخازن الأسلحة في جبل نقم المطل على المدينة، وهذا ما أدى إلى تشوهات داخلها بعد أن كانت عبارة عن متحف مفتوح، يعكس لوحة بانورامية لمعالم صنعاء القديمة".
قلعة القاهرة
جمعت قلعة القاهرة، في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، في أركانها حقبات تاريخية عدّة. وبُنيت على مراحل سبقت ظهور الإسلام كما تشير الآثار المنتشرة فيها، وشهدت أعمال ترميم في العصرين الأيوبي والرسولي، وفي العصرين العثماني والحديث، نظراً لأنها استُخدمت كثيراً كقلعة عسكرية فتضررت".
وقالت وكيلة الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية أمة الرزاق جحاف إن "غارات جوية استهدفت قلعة القاهرة التاريخية، ما أدى إلى تدميرها بشكل شبه كامل، وتكبّدنا خسارة تاريخية كبيرة، كونها من أبرز معالم الهوية الثقافية والتاريخية لليمن".
وأضافت: "في الخمسينيات من القرن الماضي، خُصصت للسجناء السياسيين وتحولت بعدها إلى مزار تاريخي. وهي من أهم مصادر الدخل السياحي للبلاد". وتابعت: "خسرنا قلعة القاهرة لأنه لم يعد ينفع معها الترميم".
متحف ذمار
بُني عام 2002 في محافظة ذمار شمال اليمن، وضمّ 12.500 قطعة أثرية نادرة تعود إلى العصور الحميرية والسبئية والإسلامية، ويصل عمر بعضها إلى ألفي عام.
وشرح نائب مدير عام الآثار والمتاحف في اليمن عبد الكريم البركاني وضع المتحف لـرصيف22 قائلاً: "دمّر طيران التحالف متحف ذمار كلياً بسبب استهداف بضعة حوثيين كانوا قد استولوا عليه العام الماضي، تزامناً مع سقوط صنعاء في يد جماعتهم، وتحولت القطع الأثرية التي كان يحتوي عليها إلى قطع صغيرة، وتدمرت أجمل تحفة معمارية في اليمن، وهي المنبر الفريد لجامع ذمار التاريخي". وتابع: "أنزلنا فريقاً متخصصاً بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار وجامعة ذمار، وتم تجميع نحو 500 قطعة أثرية صالحة. وهناك آثار أخرى لا تزال تحت أنقاض المتحف".
قصر دار الحجر
يقع قصر الحجر شمال العاصمة اليمنية صنعاء وتحديداً في وادي ظهر، ويضم سبع أدوار مشيّدة فوق صخرة من الجراتين، ويعود تاريخه إلى العصر الحميري ويصل عمره إلى ثلاثة آلاف عام.
وأكد رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف "تدمير القصر جزئياً بسبب قصف طائرات التحالف، التي لم تستهدفه بشكل مباشر، بل استهدفت منطقة وادي ظهر التي يقع فيها، وهذا ما أدى إلى تضرره".
وروى أستاذ الآثار والفنون الإسلامية في جامعة صنعاء الدكتور غيلان حمود أن "علي بن صالح العماري، الذي اشتهر بالهندسة المعمارية والفلك والأدب، قام بتصميم قصر دار الحجر على أنقاض معبد قديم أو حصن، كما تشير بعض الروايات، وهو من التحف والمزارات الرائعة، التي تمثل رمزاً من رموز البناء الفريد في اليمن، وتؤرخ لفترة ازدهار العمارة والبناء، سواء من جهة موقعها أو موضعها. وقد تعرض محيط هذا الموقع إلى قصف عنيف، أثّر على جدران وزخارف المبنى من الخارج والداخل، وهو يحتاج إلى ترميم، وبإمكاننا إنقاذه عبر تدخل سريع لأن إهدار الوقت ليس لمصلحتنا".
قلعة باجل
تعرف أيضاً بقلعة القشلة، وتقع في محافظة الحديدة غرب اليمن، يعود تاريخها إلى العهد العثماني الأول (950 هـ.)، حين شُيّدت على قمة جبل الشريف غرب مدينة باجل.
وقال الدكتور محمد العروسي إن "القلعة بنيت في العصر العثماني كتوسيع لقلعة قديمة، تعود إلى ما قبل الإسلام. وقد دُمرت أجزاء من سورها وقلعتها القديمة، ما يعد خسارة كبيرة للتراث اليمني والعالمي. يمكن إعادة ترميمها كونها دُمرت بشكل جزئي، لكنها كبقية الآثار سوف تفقد الكثير من قيمتها التاريخية".
وعبّر الأستاذ والخبير اللغوي نبيل مصلح عن أسفه لكل ما يحصل، قائلاً: "دماء أجدادنا سالت لأجل الحفاط على ملامح اليمن العريق. خاضوا حروباً مع الغزاة وفي ما بينهم، لكنهم لم يقربوا هذه الآثار بسوء، لأنهم علموا أن المقياس الحضاري لأي أمة هو الحفاظ على هوية الشعب المتأصل في إرث حضاراته. القصف الجوي لطائرات التحالف العربي سيحرم أجيالاً مقبلة من استكشاف آثار أجدادهم التي تروي قصة حضارات موطنهم".