يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في قصيدته الجديدة «أسود الجزيرة» على كثير من النقاط التي يجب التوقف عندها، والتي تلخص في مجموعها صفات العربي الأصيل الذي إذا ما اشتدت الصعاب عليه، يلجأ للحكمة، والحكمة في عرف العرب، هي خلاصة تجارب الناس عبر مئات السنين.
اقرأ أيضا:
قائد المنطقة العسكرية الثالثة في زيارة للواء 14 مدرع: تحرير مأرب والجوف بات وشيكا (صورة) |
يبدأ قصيدته التي يدل اسمها «أسود الجزيرة» وهي كناية عن قوات التحالف، بقيادة المملكة العربية السعودية، التي تشكلت دعماً للشرعية في اليمن، بتوضيح أمر مهم، يؤكد أن الظروف المحدقة بمنطقة الخليج، والتي باتت تشكل خطراً عليهم، لم تزدهم إلا إصراراً وعناداً، وقوة على مواجهة هذا الخطر، مع ما يرافق ذلك من بذل النفس والشهادة، لا سيما أن الخطوات التي سبقت خوض هذه الحرب، اتسمت بالهدوء والروية، وعمل المستحيل لتجنبها، والمناداة بالسلم والسلام.
القصيدة تجسِّد بصيرة القائد الواثق من النصر
تؤكد القصيدة أخلاقيات العرب وصفاتهم وهم يتعرضون بل تفرض عليهم وقائع وشدائد كالحرب وهي شر لا بد منه، عندها يخوض العربي رغم جنوحه للسلم بل سعيه الدائم للتوفيق بين الناس والابتعاد عن الأتراح والأحزان والويلات التي تسببها الحروب، لكنه في الوقت ذاته إذا ما شعر بأن كرامته -لا سمح الله ستهدر- فهو لها، شديد في بأسه شجاع في إقدامه على الحرب والقتال، صاحب نخوة ومروءة، إذا ما ناداه صاحب عربي أو رفيق أو جار، فكيف به إذا كان من ضلع الجزيرة العربية، ويحتاج إلى مساعدته والوقوف إلى جانبه.
في هذه القصيدة، نجد صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يتصف بصفات ومزايا العربي الأصيل، وهي صفات وميزات تجمع بين الحلم والشجاعة، والقوة والعناد في مقابل التسامح، وعدم الاستهانة بالحقوق، وهو في كل ذلك، عربي، ميال، بل ينزع دائماً إلى السلم، الذي إن لم يجد أذاناً صاغية، عند الطرف الآخر، سيجد ما يعادله، بل ما يوازيه من شدة البأس والعزيمة.
تنادت الإمارات، لنخوة ونصرة المملكة العربية السعودية، كما توضح قصيدة «أسود الجزيرة» وهي ذات الإمارات التي تدرك مكانة السعودية وأهميتها ليس في منطقة الخليج فحسب، بل للأمة العربية والإسلامية برمتها، هذه السعودية المعروفة بحسب ما يصفها سموه بالشهامة والكرم، والتي كما يؤكد أيضاً، تستحق كل مودة وتقدير، وهي ذات المودة، المقدرة والمحفوظة لليمن وأهل اليمن، الذين يصفهم صاحب السمو حاكم دبي بأولاد العمومة. هذه الاستجابة الإماراتية، لنصرة الأهل، والتي بحسب محللين كثر «أوجدت معادلة جديدة في الساحة اليمنية، ليس للحوثيين، ولا للرئيس المخلوع تفوق نوعي فيها، بل إنها ساهمت في تفوق المقاومة الشعبية وقوات الشرعية، وزادت من قدراتهم القتالية». في البيت الرابع حتى السادس من هذه القصيدة التي جاءت في عشرين بيتاً شعرياً، يتحدث صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن جيش الإمارات الباسل، وجنوده الشجعان الصناديد، وها هم الآن في بوتقة واحدة، تحت اسم «جنود الاتحاد» في إشارة إلى قوات التحالف الذين هبوا لنصرة جنود المنطقة، فسطروا ملحمة بطولية من الصمود والفداء، والذود عن الحق، ها هم، عند خط النار كما تصف قصيدة «أسود الجزيرة» يسقون الأعادي كل خسران، في حمى وطيس معركة، يقبضون فيها على زناد السلاح، فيسقط منهم شهداء، في إشارة لنصرة أهلهم، أهل اليمن، الذين تعرضوا لأنواع شتى من الظلم والبغي والعدوان.
في البيت السابع حتى العاشر، من القصيدة يتحدث سموه عن جنود الجزيرة هؤلاء، كما يصورهم سموه، لهم كبير القدر عند «أبو خالد» في إشارة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي هو نعم القائد، قائد الجيش الذي يرد له الأمر، والحكم، ليس ذلك فحسب، فهو الذي يدبر على درب الرشاد والحكمة، وهو الذي يأمر، فيطاع، ويلبى أمره، ويتم، وهو القائد الذي فيه من خصال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ومن هذه الخصال مراعاة الود، وأهل الهمم، وأصحاب المنازل العالية التي تروم المجد والأعالي.
في البيت الحادي عشر من القصيدة، يجيء صاحب السمو حاكم دبي على ذكر مناقب محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، وهو طيب الذكر وصاحب الفضل، والذي يستحق الإشادة، فيذكر الجميع محاسنه، ويردد اسمه كل فم، وهو الذي كما تذكر القصيدة، تمت على يديه نجاحات قوة التحالف، فها هم الأعداء يولون ويجرون خلفهم أذيال الهزيمة والتقهقر، كما يوضح البيت الثاني عشر، الذي يتبعه صاحب السمو حاكم دبي، بمزيد من توصيف هذه الشخصية، كما في البيت الثالث عشر ويخاطبه بقوله:
«يا محمد فضلكم عم العباد نعم ب آل سعود حامين الحرم». في البيت الرابع عشر، يؤكد صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أفضال آل سعود، هؤلاء الذين يعم فضلهم كثير من الناس والعباد، وأكثر من ذلك، فسموه ينزل آل سعود منزلة الأنساب والأقارب شديدي القرب، فنحن كإماراتيين وأنتم آل سعود، شعب واحد، كما تفسر القصيدة، ويجمعنا معكم نسب طويل في إشارة إلى قوة العلاقة بين الدولتين الجارتين الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
في البيت الخامس عشر، يأتي سموه على ذكر أهل اليمن، هؤلاء الذين ينتسبون للجزيرة العربية منذ زمن بعيد، والتي تجمعهم مع الخليج رابطة قوية، هذا البلد الذي حين تعرض لمحنة وكرب شديد في إشارة، إلى ما يتعرض له من اعتداء يطال شعبه وأرضه، من قبل زمرة الفساد، الذين قادهم رئيس مخلوع باع شعبه وأهله وقادهم إلى دروب الظلام والتهلكة، وحين طلب اليمن مساعدة الأشقاء، لبى الأهل في إشارة إلى الجيش الإماراتي الباسل، هذا النداء:
يقول سموه:
(واليمن منّا وفي الأيام الشداد يوم نادانا فله قلنا نعم). في البيت السابع عشر، يستمر سموه في وصف المآل الذي لحق باليمن من الطغمة الفاسدة التي أشرنا إليها سابقاً، حين ألب الرئيس المخلوع، نفراً من الطغمة الفاسدة، فتبعوه، وهؤلاء يصفهم سموه ب «أهل العثيره» - أي أصحاب الحظ العاثر- فيما وقف الأهل الشرفاء في وجهه وقاوموه، لا سيما أنهم أهل البلاد، وأصحاب الحق فيها وفي أرضها، وهم أيضاً أهل الشرف والمكارم التليدة.
في كل ما ذكر آنفاً، يتصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بصفات العربي الأشم، العربي الذي يدعو إلى الأخلاق الحميدة، ذاك الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، هو ذات العربي الذي يناصر المكلوم، ويشد من أزره ويعضده، وهي صفات قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم،»إنكم لن تسِعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»، وفي رواية أخرى «فسعوهم ببسط الوجه والخلق الحسن». أو كما قال أحدهم:
(أحب المكارم الأخلاق جهدي وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب الناس حلماً وشر الناس من يهوى السبابا ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقر الرجال فلن يهابا). في البيت الثامن عشر، يؤكد سموه على ما سبقت الإشارة إليه، من بغض الحرب، والحيلولة دون وقوعها بشتى السبل، لكن، إذا فرضت عليه هذه الحرب يقودها بكل بسالة وشجاعة وثقة بالنصر، حيث يؤول مصير الأعداء للندامة والذل، وهو الأمر الذي أكد رؤساء وحكام وقادة الخليج العربي، بما اتصفو به من حكمة ورجاحة عقل، وفي ذلك تشبه بما حملته الشريعة الإسلامية من مبادىء، وما اتصف به نبي الله الكريم وهو يعلم أصحابه ويوجههم فيقول «لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية). فالمسلم، كما يؤكد كثير من الفقهاء، بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسنة النبي الكريم يكره القتل والدماء، ومن ثَم فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنب القتال وسفك الدماء.
قال الله تعالى: «قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إِنَّ الله لا يحب المعتدين». يقول سموه:
(ما نحب الحرب وإذ حق الجلاد واعتدى العادي فيبشر بالندم). في البيتين التاسع عشر والعشرين، يبشر صاحب السمو حاكم دبي، بالنصر على الأعداء، وهذا النصر، لا بد له من مجالدة، وثمن غالي في النفس والشهادة، وهي النتيجة الحتمية لكل معركة، يقودها جيش واثق من عزيمته، ومن قادته وحكمتهم، هذا النصر هو وسام الشعب الذي يروم الحرية، الذي يسير على نبراس الحق، طالما كان لديه هذا العزم وهذه البطولة التي تقارع المستحيل.
يختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدته (أسود الجزيرة) بقوله:
(كل نصر وله ثمن غالي يقاد والنصر ما يستوي من غير دم يا شعبنا الحر وأهلي والبلاد دامنا عالحق لا ما ننهزم).
إضافة جديدة ونوعية للخطاب الشعري
الشعر، صنو المروءة والنبل والفروسية، والشعر ديوان العرب، وسجل بطولاتهم وحروبهم، كما هو سجل وجدانهم والرواية الجمالية لحوادث العرب وأيّامهم، وإيقاع حضورهم في التاريخ. والشعر له اعتباريته الأدبية والثقافية الأكبر والأميز عندما يصدر عن سُراة القوم وأعلامهم ورجالاتهم الذين يعرفون وزن الكلام، ومكان العبارة، وموقع الفصاحة.
في قصيدته الجديدة «أسود الجزيرة» يصوغ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شعراً صافياً، قويّ السّبك، واضحَ المبنى والمعنى، وكاملَ البنية والبناء بلغة نبطية هي شقيقة الفصحى ومكمّلة لها، تحت عنوان يحيل بكل شفافية إلى بسالة جيش الاتحاد وإقدامه وشجاعته ونخوته في قتاله الشريف في اليمن، وفي أي مكان يلبي فيه أسود الجزيرة نداء الواجب الوطني والإنساني والأخلاقي.
قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تحية رجل فارس إلى رجال فرسان استشهد منهم جنود شجعان قدّموا دماءهم فداء لأوطانهم أولاً، كما قدّموا أرواحهم فداء لإخوانهم العرب، غير هيّابي الموت والخطر، ونار الحرب.
برؤية شاعر فارس يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن الأخطار لا تزيد شعب الإمارات، وجيش الإمارات، ورجال الإمارات إلاّ العزم، وفي كل نداء واجبي وإنساني ووطني يمدّ ابن البلاد يده لأهل الشهامة والكرم في السعودية وفي اليمن «أولاد عم».
هذه الرؤية الفروسية تعزز أخوّة أهل الخليج العربي، وتعزز بسالة جنود الاتحاد «أسود الجزيرة»، وفي القصيدة تظهر حميمية الروح الواحدة، والمصير الواحد.
القصيدة ملحمة شعرية سياسية، تتضمن مواقف شجاعة، وفي لحظة تاريخية تتحدد في اليمن الذي يتعرض لأطماع داخلية وخارجية.
يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن مودتنا للسعودية مؤكدة، وإلى أهل اليمن، ثم ينتقل إلى التأكيد على بسالة جنود جيش الاتحاد، وهم عند خط النار يقبضون على سلاحهم وينصرون المظلوم ويعيدون إليه الحق، وهم حافظو العهد، وإذا جاء يوم القتال فهم دائماً رجال الفداء للأرض والعَلم.
قصيدة «أسود الجزيرة» قصيدة قائد يرى بعين الفارس وحدس الشاعر.. يقول إن هؤلاء الأسود لهم كل تقدير عند صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نِعم القائد الذي يُردّ إليه الأمر والحكم، وكل تدبير له هو تدبير الرشاد، وإذا أمر «بنقول تم»،
«فيه من زايد مراعاة الوداد
وفيه من ذاته صفات أهل الهمَم»
قصيدة «أسود الجزيرة» قصيدة رجال طيبي الذكر.. رجال المروءة والشجاعة، ويستحضر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قائداً آخر في هذه الملحمة التي جاءت في وقتها، حيث يسجل جنود الاتحاد نموذجاً مشرفاً في البطولة والإصرار على النصر.. هذه المرة يشير سموه إلى محمد بن سلمان ولي ولي عهد السعودية:
«يا محمد فضلكم عم العبادْ
نعمْ ب آل سعود حامين الحرم
نحنْ وانتوا شعب واحد بالوكادْ
يجتمع فَ أنسابنا دم ورحم»
مرة ثانية.. قصيدة مروءة، وأخوّة. قصيدة دم واحد، وقربى أصيلة عميقة في التاريخ وراكزة في الذاكرة والقلب والوجدان.
تسلسل القصيدة، وانتقالاتها من فكرة إلى فكرة، ومن صورة إلى صورة تشير إلى بناء شعري منظم، قائم على رؤية سياسية، وأدبية أيضاً ذات صلة بأرض الواقع، ومعطياته، ونتائجه.
يقول سموه.. عندما نادانا اليمن قلنا له نعم تلبية لنداء الجار وانتخاء له بكل رجولية، دفعاً للشر عن هذا البلد الذي باعه أعداؤه بالفساد وساقوه إلى ما فيه الآن من عثرات، وهؤلاء الأعداء، أعداء الناس وأعداء اليمن تبعهم «أهل العثيرة والكساد»، وتركهم «أهل الشرف والكرم».
أخيراً ينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى ختام هذه الملحمة السياسية الشعرية بموقف حضاري.. إننا لا نحب الحرب، ولكن إذا فرضت علينا فبشّر المعتدي بالندم، وكل نصر وله ثمن.. «والنصر ما يستوي من غير دم»، ثم يختم سموه قصيدته الحرّة هذه ببيت تصح فيه حقاً عبارة «مسك الختام».. سموه يقول مخاطباً شعب الإمارات أهل البلاد.. إنه ما دمنا على الحق فلن ننهزم.
كما رأينا تقوم القصيدة على أفكار وصور متدرّجة، مترابطة، وكل فكرة، تنساب أو تنتقل إلى الفكرة التالية لها بوضوح، وجمالية أدبية، وترابط منطقي.
هذه القصيدة، إضافة جديدة ونوعية إلى الخطاب الشعري المعروف لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فهو خطاب رجل دولة، ورجل أدب، ورجل سياسة، يفضل عادة أن يقول رأيه السياسي بلغة شعرية هي لغة القلب ولغة العقل أيضاً، من دون انفعالات ومن دون مقولات سياسية متشنّجة، وبلا منبريّات حادّة.
اختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الشعر قناة أدبية واقعية ليوجّه عبر هذه القناة الحضارية تحيّاته النبيلة لجيش الاتحاد، ويعبّر عن حميمية قربى الدم والرحم بأسلوب يعكس شخصية سموه القيادية الفروسية، كما يعكس أسلوبه الشعري حجم ثقافته اللغوية البعيدة عن المبالغة والتعقيد، والمتوجهة دائماً إلى قارئ يثق بعبقرية الشعر عندما يكون راية أخرى من رايات العزم والشهامة والكرم:
«نرفع الرايات ونمد الأياد
لأهلنا أهل الشهامة والكرم».
يوسف أبولوز
عبدالله الهدية: حين تتعانق الكلمة مع ضربات المدافع
قال الشاعر عبدالله الهدية: «عندما يكون الشعر بهذه القوة، وعندما يأتي من فارس الشعر، فهذه رسالة للجميع بأن الخليج قوي ومتلاحم، وأن للحق رجالاً، حين تتعانق الكلمة مع ضربات المدافع.
هذه اللحمة بين الكلمة والسيف هي التي حققت الانتصارات عبر التاريخ، فقد عبرت قصيدة «أسود الجزيرة» من خلال أبياتها عن العزم، وعن الحزم، وعن الدم العربي المشترك.
هكذا هو شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شعر موقف وعزيمة، يستذكر الأبطال البواسل وأفضالهم وتضحياتهم، يستذكر أفضال الرجال القادة الذين وقفوا في الصفوف الأولى، واتخذوا القرار المناسب في الوقت المناسب.
قصيدة تشحذ الهمم، وتعلي شأن الشهيد الغالي الذي ضحى بروحه فداء للوطن، وعبّد بدمه الطاهر طريق الحرية والخلاص، حتى يبقى السلام يعم الأرجاء.
قصيدة تعلي قيم الأخوة بين الشعوب، وتؤكد قرابة الدم وتلاحم المصير، فكل شعوب الخليج جسد واحد، إذا تداعى فيه عضو تداعت له سائر الأعضاء.
قصيدة تؤكد الصمود حتى النصر، فمهما بلغ الخطر، ومهما أزبد العدو وأرغى، فإن بواسلنا له بالمرصاد، فهم الحصن المنيع وسيل الحق الجارف، هم العزة والرفعة ومشاعل النور، هم الأحبة والأخوة الذين ستبقى أسماؤهم نجوماً تنير السماء.
هذه القصيدة هي معركة كبرى بحد ذاتها، وبشرى بالنصر الحالي وبالانتصارات اللاحقة، قصيدة، كما كل قصائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نابعة من القلب، وإلى القلب، تصل بمعانيها السامية، وبمفرداتها القوية والشجاعة التي تفضح العدو وتنذره بالشؤم، وتعد شعبنا بالرفعة والشموخ.
الشعر وثّق حروب العرب وصولاتهم وجولاتهم
البريكي: تجسد معاني الأخوة والدم العربي والخليجي المشترك
أشار محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة إلى أن قصيدة أسود الجزيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي تجسد أسمى معاني الأخوة والدم العربي والخليجي المشترك والتلاحم والوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص أمام ما يحيط بالأمة من أحداث جسام تحاول أن تهدم تاريخها وتدمر حضارتها الممتدة في عمق الزمن والتاريخ، وتعبر عما يمتلكه هذا الشعب من إرادة حقيقية تجعله يقف بشجاعة في وجه كل من يريد المساس بأمن واستقرار هذا الجسد الواحد والبيت المتوحد، هذه القصيدة بكل ما حملته أبياتها من معان كثيرة من خلال محورها الذي تشظت منه تفاصيل النص وهو عاصفة الحزم تندرج ضمن تلك القصائد العربية منذ عصر ما قبل الإسلام إلى يومنا هذا وما سيليه من عصر، وهي تثبت أن الشعر هو تاريخ الأمة وحارس حضارتها، فقد وثق العرب حروبهم وصولاتهم وجولاتهم بالشعر، فقد تربت ذائقة العربي على التاريخ من خلال الشعر، فحرب البسوس ربما لم تكن لتحضر ببهائها ودهشتها لولا تلك الأشعار التي رويت عن بطلها الأسطورة المهلهل وهو يتغنى بفخر بفروسيته هو وقومه وهو يقول:
فدوسي يا يمامة فوق رأسي
على شاشي إذا كنا نسينا
فإن دارت رحانا مع رحاهم
طحناهم وكنا الطاحنينا
وكذلك ما خلده عنترة العبسي بشعره لأحداث حرب داحس والغبراء، وما تناقلته العرب عن فروسيته ووقوفه في ساحة الوغى وهو بين الحب والحرب، ليبقي على أحداث تلك الأيام بكل ما فيها حاضرة إلى يومنا هذا:
ولقد ذكرتُك والرماح نواهلٌ مني
وسيف الهند يقطرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسِّمِ
ولم يتوقف هذا السرد الشعري التاريخي عند مرحلة، بل كان التوثيق في عزه عند المتنبي وهو يسجل أحداث حروب سيف الدولة الحمداني، ولولا ذاك الشعر العظيم ربما لم يكن تاريخ تلك المرحلة بهذا التوهج الذي نعرفه ونقرأ عنه بشغف من خلال أبيات هذا الشاعر الذي رافق القائد في غزواته وسجلها وهو يمتدح وقوف القائد في وجه الردى في صورة مدهشة قلما يلتقطها إنسان بقوتها إلا من خلال هذا الكائن الجميل في قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ / وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
لينقل صورة وقوف سيف الدولة في ذلك المشهد:
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
من هنا يحق لنا التوقف عند مثل هذه القصائد الخالدة، «أسود الجزيرة» وهي تتحدث عن وقوف دولة الإمارات مع شقيقتها المملكة العربية السعودية ودول التحالف في عاصفة الحزم، وذكر موقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الصريح والواضح في وقوف قيادة الدولة مع هذا التحالف، وما قدمته هذه الدولة من تضحيات وشهداء ماتوا وهم يدافعون عن أمتهم هو سرد حاضر يجسد الواقع، لكنه سيبقى تاريخاً للأجيال القادمة لتتعرف بما دار من أحداث خلال هذه المرحلة من تاريخ الجزيرة العربية وما مرت به من أحداث جسام جعلتها تتوحد من أجل أن تقف صامدة في وجه تلك الهجمة الشرسة على وحدة وأمن واستقرار هذه المنطقة المرتبطة بمحيطها وأمتها العربية والإسلامية.
محمود نور: شعر محمد بن راشد يصدح بصوت الحق
أكد الشاعر الإماراتي محمود نور، مدير عام مجلس العويس الثقافي، إن أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، طالما لامست الواقع المعاش وعبرت عنه بعمق، وقصيدته «أسود الجزيرة» تأتي ضمن هذا السياق، فهو يسرد فيها واقع الحال بعبارات منتقاة تستثير الهمم وتحثها لنصرة الوطن جيشاً وشعباً في مواجهة الظلم، وهو عندما يذكر الجزيرة في عنوان القصيدة لا يخص الخليج فقط، وإنما يقصد الأمة العربية بأكملها ويدلل على الانتماء العروبي الخالص لقضايا الأمة الكبيرة والحساسة التي تتطلب الحكمة والشجاعة في إيجاد الحلول، ويؤكد سموه في البيت الأول من القصيدة أن الأخطار المحدقة لا تخيفنا وإنما تجعلنا أكثر قوة، وتزيدنا صلابة، وهذا واضح في قوله: (وكلما يزيد الخطر نرويه دم).
ويشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في البيتين الثالث والرابع إلى قضية في غاية الأهمية وهي مسألة التعاضد والتلاحم مع الشعبين السعودي واليمني، كما يؤكد على المودة والحب وعلاقات النسب والقربى، فهذه الأوطان تحيا بوحدة شعوبها وتضافر جهودهم عند الصعاب والمحن، فهم إخوة وسند لبعضهم مهما كان المصاب أو الحدث جللاً.
وهنا لا ينسى صاحب السمو ذكر أصحاب الفضل في هذا الحدث، ويأتي في مقدمتهم جنود الوطن البواسل القابضون على الزناد والراسخون في أرضهم يحمون العرض والحمى، يفتدون أوطانهم ولا يبخلون ببذل الغالي والنفيس في سبيل رفعة العلم، ويروون التراب بدمائهم الذكية، كما تشير الأبيات إلى معنى الشهادة المقدس، فصاحب السمو يرى الشهداء في مرتبة رفيعة وعالية، وإلى جانب تضحيات الشهداء يذكر القيادة الحكيمة والثاقبة التي تقود هذا التحالف المجيد، فيذكر شجاعة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، ورهبة الأعداء من اسمه، كما يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وحكمته والتفاف شعب الإمارات حول قيادتها وجيشها وحول عوائل أسر الشهداء.
وتؤكد القصيدة أن هذا التحالف يأتي في صميم الحق ونصرة المستضعفين، وهي تأدية لواجب وطني وأخلاقي ورجولي وإنساني تجاه شعوب المنطقة بأكملها ورد الأخطار المحدقة بها من كل حدب وصوب، ومهما تطاول المخربون وحاولوا النيل من السلم فهناك جنود شجعان يقفون بالمرصاد ويردون كيد العدا.
كما تفضح القصيدة العدو الذي سولت له نفسه وباع الوطن، عابثاً بمصير شعبه وأمته، وضلل وسوغ وكذب للوصول إلى مآرب خبيثة تاركاً الباب مفتوحاً لنزيف الدم اليمني الغالي، وهذا ما دعا في المقام الأول إلى الخروج إلى ساحات الوغى ومقارعة الظلام الذي حاكه العدو.
وتأتي الأبيات الثلاثة الأخيرة من القصيدة لتضيء عدة جوانب في غاية الأهمية، أولها أن كل نصر وله تضحيات تبذل ودماء تراق ليبقى الوطن والمواطن عزيزين، ومهما بلغ الأمر فإن هذه التضحيات لن تذهب سدى، وسترفرف رايات الوطن منتصرة وخفاقة في قلوب الشعب، وأن دماء شهدائنا تضيء العتمة وترفع الضيم عن كل محتاج وعن كل مستنجد ومظلوم، وفي ناحية أخرى تؤكد القصيدة أننا شعب يحب السلام ولا يرغب في خوض الحروب العبثية، فمنذ نشوء الاتحاد ترسخ مفهوم السلم وإزاحة القلاقل في ضمير كل إماراتي.
كل معاني القصيدة ودلالاتها تصب في خانة الشعور الإنساني العالي الذي يتمتع به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وتشير إلى حاسته العالية تجاه قضايا شعبه وأمته، فتأتي كلماته لتصدح بصوت الحق، وتفضح كل متآمر، وتساند كل مظلوم.