الرئيسية > شؤون دولية > دلالات زيارة محمد بن سلمان لحاملة الطائرات (ثيودور روزفلت)

دلالات زيارة محمد بن سلمان لحاملة الطائرات (ثيودور روزفلت)

دلالات زيارة محمد بن سلمان لحاملة الطائرات (ثيودور روزفلت)

بصفته الرجل الثالث في التراتبية السياسية في المملكة العربية السعودية، فإن كل ما يقوم به من أعمال وما يصدره من بيانات وتصريحات فإنها بالضرورة تعبر عن سياسة المملكة العربية السعودية. هذا القول ينطبق بشكل مباشر على ما قام به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في يوم الأربعاء 21 رمضان 1436ه الموافق 8 يوليو 2015م بزيارة لحاملة الطائرات الأميركية ثيودور روزفلت التي تبحر حالياً في الخليج العربي. والتي اطلع فيها على قدرات حاملة الطائرات التسليحية ومهامها الهجومية والدفاعية والمضادة للغواصات وغيرها من قدرات وإمكانات عسكرية على متن حاملة الطائرات.

ومن هذه المنطلقات الرئيسية لرمزية الزائر ورمزية مكان الزيارة، نستطيع أن نقول بأن هناك عدة اعتبارات ودلالات لهذه الزيارة لحاملة الطائرات الأميركية، ومن هذه الدلالات:

أولاً: استراتيجية العلاقات السعودية – الأميركية. فمن المعلوم تاريخياً بأن العلاقات السعودية – الأميركية منذ تأسيسها في عهد الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي روزفلت هي علاقات استراتيجية على جميع المستويات.

هذه العلاقات لم تتراجع عن مكانتها الاستراتيجية على الرغم من الخلافات حول بعض المواضيع والمسائل التي لا يمكن التنازل عنها مثل القضية الفلسطينية والحقوق العربية والاسلامية. هذه العلاقات الاستراتيجية طويلة المدى أخذت في التقدم خطوات للأمام من خلال التحالف في الحرب على الإرهاب.

ونتيجة للثقة بين الدولتين ورغبة منهما في تطوير هذه العلاقات، جاءت زيارة حاملة الطائرات لتعبر بشكل مباشر عن مدى عمق العلاقات بين السعودية-والولايات المتحدة. لأنه من المعلوم بالضرورة أن المنشآت العسكرية وكل ما يتبعها من عدة وعتاد تعتبر من اسرار الدول التي لا يمكن أن يطلع عليها أحد. وهذا القول ينطبق على أهم أداة عسكرية تملكها القوات الأميركية مثل حاملة الطائرات. ولكن نظراً لعمق العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، تمت هذه الزيارة لتعبر للعالم أجمع بأن العلاقات التي تجمع المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأميركية أعمق مما يعتقد البعض.

ثانياً: علانية الزيارة. فكما هي سياسة المملكة العربية السعودية تاريخياً تقوم على الاعلان والوضوح وتعمل أمام الرأي العام بشكل مباشر؛ لذلك عندما جاء قرار الزيارة تم إعلانه ونشره بالصور أمام الرأي العام العالمي ليعبر بشكل مباشر بأن المملكة العربية السعودية تفتخر وتعتز بسياستها التي تخدم مصالحها ومصالح العالم العربي والإسلامي. هذا التصرف الحكيم للسياسة السعودية ليس وليد اللحظة التي نحن فيها، وإنما هو سياسة سعودية منذ عهد التأسيس وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله. ولعل مثل هذا التصرف المباشر للسياسة السعودية يدل على:

1) أن المملكة العربية السعودية تعمل بالعلن ولا يمكن أن تخفي سياسة معينة لأنها تعمل لخدمة الصالح العام الوطني والعربي والاسلامي

2) أن مبادئ وقيم السياسة السعودية ثابتة في جميع تصرفاتها السياسية لذلك تعلنها أمام الجميع.

ولعلنا نضيف نقطة مهمة هنا والتي تتمثل في أن هذه السياسة العلنية تفضح دائماً ما يتم تداوله من شائعات حول السياسة السعودية وبأنها تعمل في الخفاء على الرغم من أن من يدعي ذلك لم ينشر دليلاً واحداً حول سياسات سعودية مخفية تتناقض مع السياسات العلنية؛ لذلك فمثل هذه الزيارة المعلنة توضح بما لا يدع مجالا للشك بأن من أراد معرفة واقع وحقيقة السياسة السعودية فعليه الرجوع للواقع الحقيقي ومتابعة ما يعلن وليس الوقوف على الشائعات والاستماع لها والتي غالباً ما تأتي من أعداء المملكة العربية السعودية وأعداء الأمتين العربية والاسلامية.

ثالثاً: اولوية العلاقات السعودية – الأميركية على غيرها. من يتابع الزيارات الرسمية التي يقوم بها رجال الدولة السعوديون لدول العالم المختلفة يجد أن هناك من يقول بأن هذه الزيارات تأتي لتقديم علاقات المملكة مع تلك الدول على العلاقات السعودية – الأميركية. حدث هذا خلال الزيارتين الأخيرتين اللتين قام بهما الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لدولة روسيا الاتحادية وللجمهورية الفرنسية في شهر يونيو 2015م. فعلى الرغم من أهمية دولة روسيا الاتحادية وأهمية الجمهورية الفرنسية في السياسة الدولية على جميع المستويات، إلا أن العلاقات السعودية مع هاتين الدولتين لا يمكن أن تكون أكثر تقدماً من علاقات السعودية مع الولايات المتحدة. ولكن بحكم العمل الدولي، فمن الطبيعي أن تكون هناك علاقات سياسية ومصالح مشتركة تتطلب إقامة علاقات وزيارات رسمية لمسؤولي الدول.

لذلك تأتي زيارة حاملة الطائرات لتقول بأنه في الوقت الذي ترتبط المملكة العربية السعودية بعلاقات جيدة مع جميع دول العالم باستثناء الكيان الإسرائيلي، إلا أن هذه العلاقات لن تحل محل العلاقات الاستراتيجية السعودية – الأميركية.

رابعاً: تعزيز القدرات العسكرية السعودية في مواجهة التحديات الإقليمية.

ففي الوقت الذي تمر منطقة الشرق الأوسط بتحديات متصاعدة تتمثل في تعدد الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية وعدم استقرار في بعض الدول العربية كالعراق وسورية ولبنان واليمن، فإن مواجهة هذه التحديات المتعددة تتطلب العمل مع دول أخرى تملك امكانات وقدرات عسكرية ولوجستية متقدمة وهذا ما تملكه الولايات المتحدة. فمن خلال الزيارة لحاملة الطائرات ولقاء قائد الأسطول الأميركي الخامس الفريق جون ميلر نستطيع القول إن هناك الكثير يمكن عمله بين الدولتين في سبيل تعزيز ودعم الأمن والسلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

خامساً: رسالة مباشرة للدولة الإيرانية. ففي الوقت الذي تعتقد الدولة الإيرانية بأنها تستطيع زعزعة استقرار وأمن دول مجلس التعاون بتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المجلس عن طريق دعم الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، فإن هذا الاعتقاد الإيراني قد يكلفها الكثير إذا ما تمادت وأرادت الدخول في حرب مع دول مجلس التعاون؛ فهذه الزيارة التي تمت لعلها رسالة للدولة الإيرانية بأنه في الوقت الذي تتحالف إيران مع الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، فإن المملكة ترتبط بعلاقات وتحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة، والدولة المتقدمة عسكرياً تستطيع ليس فقط مواجهة الدولة الإيرانية وإنما تدمير قدراتها بشكل كامل.

وهنا التعبير واضح ومباشر بأن المملكة العربية السعودية تعمل أمام الجميع وتعلن ذلك أمام الرأي العام العالمي وليس كما هي السياسات الإيرانية التي تتحالف مع التطرف والإرهاب، وتتعاطى مع العملاء والمرتزقة ومن يخونون أوطانهم ودينهم ومبادئ مجتمعاتهم.

سادسا: تسخير الإمكانات المادية والاقتصادية لأغراض التنمية الداخلية . فمن خلال تطوير العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، تستطيع المملكة تسخير إمكاناتها المادية والاقتصادية لأغراض التنمية الداخلية وتطوير البنية التحتية وتنمية المجتمع في جميع جوانبه، وفي ذلك عدم إنفاق الكثير من الاموال على القدرات العسكرية التي تستنزف الموارد المالية من غير عوائد تنموية مباشرة. نقول ذلك ونحن نؤمن بأن امتلاك القدرات والامكانات العسكرية أمر في غاية الأهمية، ولكن سوف يأتي الوقت الذي تساهم فيه هذه التنمية البشرية والمجتمعية في بناء القدرات العسكرية للمملكة العربية السعودية مستقبلاً. فالتنمية في الوقت الحاضر سوف تعود ببناء المجتمع بسواعد ابنائه في المستقبل.

وفي الختام نقول إنه من الأهمية إدراك نقاط محددة في النظر للسياسة السعودية ومن هذه النقاط:

1) أهمية تقييم السياسة السعودية بما يتم إعلانه بشكل رسمي وليس بما يتم تداوله.

2) أهمية النظر لما يقوم به المسؤولون الرسميون صناع السياسة السعودية من أعمال وليس بما يعتقد أنهم قاموا به من أعمال.

3) أن السياسة السعودية ملتزمة التزاماً مباشراً بقيم الاسلام الأصيلة ولم ولن تتراجع عنها في الوقت الذي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. 4) تعمل السياسة السعودية مع الدول والمنظمات الدولية القائمة والمعتبرة ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

5) تتبنى السياسة السعودية على جميع المستويات المحلية والاقليمية والدولية مكافحةَ الإرهاب ومن يقف وراءه.

* أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية جامعة الملك سعود

نقلا عن صحيفة الرياض

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
شريط الأخبار