تحوّلات جمّة حصلت في العالم العربي منذ عام 2010 حيث مرّت البلدان العربية بمخاضات صعبة في تونس ومصر وليبيا وسورية والعراق واليمن.
بدأت التحولات في تونس التي سقط فيها حكم الرئيس زين العابدين بن علي لتدخل المرحلة الإنتقالية الصعبة التي أفضت الى انتخابات ولم تنج تونس من الأعمال الإرهابية ومحاولة تمدّد التطرف في داخلها، وبعد أقل من شهر سقط حكم الرئيس المصري حسني مبارك ثمّ الرئيس الليبي معمّر القذافي وبدأ حراك في سورية واليمن أدى الى مآس مخيفة من قتل ودمار ونزوح كثيف، ثم محت "داعش" الحدود المعروفة بين سورية والعراق لتتمدد كتنظيم إرهابي لا يريد حدودا وطنية للدول. ولا يزال اليمن ينزف منذ (فبراير)2011 وسورية منذ (مارس) 2011. فهل يمكن القول بأنّ ما يحدث في العالم العربي هو تحوّل سياسيّ ناجح صوب الديموقراطية؟ أمّ انه مشروع انقسام وتقسيم وخصوصا مع بروز جماعات إرهابية لا تعترف بالحدود الوطنية عليها وأبرزها تنظيم "داعش"؟ وهل ستنتهي فصول الأحلام العربية في خضمّ الفوضى الموجودة حاليا أمّ أن مستقبلا أفضل ينتظر الشرق الأوسط؟
ليس بالضرورة أن ننطلق عربيا من اللحظات الأخيرة أو الأعوام الأخيرة، هذا ما يلفت إليه الكاتب والمحلّل السياسي أحمد الغزّ معيدا الذاكرة الى قمّة بيروت العربية التي انعقدت عام 2002، والتي كانت أوّل قمّة نظاميّة بعد قمّة عمّان، وقد طرحت في قمّة بيروت "المبادرة العربية للسلام" .
ويرى الغزّ انه في تلك القمّة ذهب النظام العربي مجتمعا نحو الإستقرار والخروج من النّزاعات التي استنزفت مقدّرات المجتمعات العربيّة لعقود طويلة من أجل الإنتقال الى نظام تنموي يأخذ بالإعتبار إحتياجات الشعوب وخصوصا في الدول الفقيرة، ولذا لم تكن المبادرة العربية للسلام يتيمة، بل واكبتها قمم إقتصادية كانت الغاية منها إيجاد نوع من آلية للتكامل الإقتصادي وهي اليوم جوهر التكونات الحديثة للنظم العربية".
العرب يؤسسون لتكامل يشبه التكامل الأوروبي المبني على قيم السوق والإنتاجية
(الإنقلاب الإيراني)
لكن مفاعيل قمّة بيروت واجهتها عثرات وعراقيل أبرزها من إيران . يعود الغزّ الى تفاصيل من تلك المرحلة: " ما حدث أننا عشية القمة الإقتصادية في الكويت عام 2008 حصل انقسام عربي قادته تركيا وإيران آنذاك، وعقدت قمّة غزّة عشية القمة العربية في الدوحة، وتم تنظيم قمة إسلامية في مواجهة القمة الإقتصادية التي تحدّث فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز (يرحمه الله) عن اليد الممدودة وطيّ الصفحة وكانت قمّة الكويت فاصلة في هذا الإتجاه".
هكذا عانى الإتجاه العربي التوحيدي التكاملي من محاولات الإختراق عبر تأجيج الإنقسام في الموضوع الفلسطيني ما قطع الطريق على إتفاق مكّة بين المكوّنات الفلسطينية، وما تلاه من حروب غزّة المتتالية، والتي أدت الى اختراق لإيران في ملفات المنطقة وواكبتها السياسة الأميركية التي حملت عنوان "الفوضى الخلاقة"، والتي لا يجب أن نعزل ما يسمى "الربيع العربي" كنتيجة لها بعد غزو العراق وقيام تحالف عميق بين إيران والولايات المتحدة الأميركية ، وقد بدأ الطرفان يهيئان لتشكيل الآليات لتنفيذ خطّة الفوضى الخلاقة في المجتمعات العربيّة التي نشهد الآن أبهى صورها في الإنقسام الفلسطيني واليمني والسوري والعراقي وكلّ هذه البقع متداخلة مع التدخّل الإيراني المباشر في هذه الدول تحديدا بالإضافة طبعا الى لبنان".
("داعش" أداة تقسيم)
وسط تمدّد "داعش" الحاصل منذ سنة، يسأل الغزّ:" بيد من كان العراق؟ لقد كان في يد الولايات المتّحدة الأميركية وإيران، فبين عامي 2003 و 2014، أي بعد مرور 11 عاما كان فيها الجيش الأميركي حاضرا مع الحرس الثوري الإيراني ومع حكم "حزب الدعوة" في العراق سقط العراق بعشر ساعات، ماذا كان يفعل هؤلاء في العراق؟ إذن نستطيع أن نقول بأنّ سياسة الفوضى هي نقيض قيام الدّول، وبالتالي فإنّ سياسة الفوضى الخلاقة هدفها تفكيك الدّول العربية، وهذا نموذج واضح في العراق ولم تكن "داعش" إلا أداة من أدواتهم لكي تصبح المقارنة بين السيء والأقل سوءا، وبالتالي كانت "داعش" هي صناعة العدو، ونحن نسأل: من كان يشتري النفط من "داعش"؟ ومن سلّمها منابع النفط؟ ولماذا لم تضرب "داعش" لا من النظام العراقي ولا من النظام السوري بالطيران لغاية اليوم؟ إذن هذه أسئلة، تطرح ونحن نعتقد الآن وهذا كنه الخطاب العربي الجديد وخصوصا بعد الوقوف من قبل دول مجلس التعاون الخليجي الى جانب مصر إقتصاديّا في المؤتمر الأخير الذي عقد في شرم الشيخ، أن العرب يؤسسون لتكامل عربي يشبه التكامل الأوروبي الذي ارتكز على قيم السوق أي بمعنى الإنتاجية، وهذا ما قام في أوروبّا بعد الحرب العالميّة الثانية، أوروبا قامت على تأسيس منظومة إرتكزت على قيم السوق من سوق أوروبية الى إتحاد أوروبي الى منظومة كبرى وهذا ما نحتاجه الآن هو أن يكون الإطار إستثماريّا".
(الإستثمار السعودي في مصر واليمن)
وبالتالي يلفت الغزّ أنه " حين نرى أنّ حدّ الإستثمار وصل في مصر في مؤتمر واحد الى 130 مليار دولار بصرف النّظر عن الهبات فبالتالي هذا يعني أن الإنتقال في اليمن من عملية"عاصفة الحزم" الى "إعادة الأمل" هو تبنّ لإعادة بناء اليمن والإستثمار في إستقراره، هذا الإتجاه يعني أن الإنقسام العربي اليوم هو بين من يستثمر في الإستقرار وهي دول مجلس التّعاون الخليجي وبين من يستثمر في الفوضى وهي إيران".
ولمن ستكون الغلبة بعد الإتفاق النووي الإيراني المنتظر مع دول مجموعة الخمسة زائد واحد؟ يقول الغزّ:" لم تدم أية محاولة هيمنة على مرّ التاريخ، فالأرض لأصحابها، وهذه الهوية العربية هي إستيعابية وقد مرّ عليها الكثير من النماذج وتمّت هزيمتها".
وعن دور المملكة في إرساء التكامل العربي وتوحيده مجددا وسط المحاولات المستمرة للإختراق؟ يقول:" منذ ما قبل اندلاع"عاصفة الحزم" في اليمن وقفت المملكة الى جانب مصر، وأقرأ في "عاصفة الحزم" إستثمارا سعوديا في الإستقرار، فلنتخيل لو دخل الإيراني الى المفاوضات النهائيّة في جنيف من أجل اتفاق الإطار حول الملفّ النووي، وكانت إيران محتلّة لليمن، فأي تفاوض كاد ليكون حول المنطقة؟
لا أعتقد بأن الطموح الإيراني مبرّر أو له أفق".
ماذا عن طموح "داعش"؟
يجيب الغزّ:" الدولة الوطنية هي التي ستنتصر في النهاية، وفي لبنان إما أن ننتصر للدولة الوطنية أو ندخل في الفوضى".