مروان الغفوري
1ـ
16 مليون يمني لا يجدون الغذاء، قالت الأمم المتحدة. أما العالقون اليمنيّون في دول العالم المختلفة فتجاوزوا الـ 25 ألفاً، بحسب وزارة حقوق الإنسان اليمنيّة. لقد جاعت حميَر حتى أكلت الحنطة، سابقاً. وجاعت حميَر حالياً حتى أصابها الذل والهوان، ولم تجد للحنطة سبيلاً. وأحرقت امرأة يمنية نقابها في القاهرة، كأنها تقول "وا هادياه" وبقيت السفارة موصدة الأبواب!
وفي الرياض اجتمع مئات الساسة وسادت الدسائس، كعادتهم. حصل محافظ ذمار على خطاب من وزير الخارجية اليمني ياسين يسمح له بعبور الحدود اليمنية السعودية وقت يشاء. كان المحاف يختم خطاباته الرسمية بجملة: نسخة مع التحية والتعظيم لمرشد ثورة 21 سبتمبر. وقد صار، حالياً، مؤيداً للشرعية الدستورية. ولم يمض على آخر تحية ل"المرشد" سوى أيام قليلة!
ملحوظة:
هادي رئيس شرعي، فهو الوحيد في المشهد السياسي الحالي من حصل على تفويض ملايين البشر بالحكم. لا يوجد غيره. وكل ما نريده نحنُ الآن أن نستعيد الشرعية التي منحناها له بنفس الطريقة، أي دولة دستورية عادلة يخرج فيها المواطنون في عملية آمنة ونزيهة ويصوّتون لرئيس جديد، وبرلمان جديد. وقبل ذلك لا بد من التصويت على الدستور المكتوب. هذه معادلات بسيطة، لماذا جعلتموها حرباً يا عبد الملك؟ وحتى ذلك الحين سيبقى هادي هو الرئيس الشرعي، ولا يتعلّق الأمر بهادي بل بإرادتنا الحرّة، تلك منحناها له، ونريد أن نعود إلى "الوضع الطبيعي" لنزعها منه فقد كان رئيساً غير صالح بالمرّة. أما الدليل القاطع على "لاصلاحية هادي" فكان تآمره مع الحوثي على الجمهورية نفسها! ببساطة. لدينا رئيس ضال، ولئيم، وسنحاسبه على طريقتنا وكما تفعل كل الشعوب المتحضّرة، وذلك شأننا كشعب. سنحاسبه أيضاً على تواطئه مع الحوثيين، قبل أن ينقلبوا عليه. لقد انقلبوا عليه عندما صار غير قادر على أن يقدّم لهم مزيداً من الخدمات. وعلى خطيئته القاتلة: عندما اعتقد أنه سيكون بمقدوره أن يحكمنا في المستقبل بتفويض من الحوثيين.
وفي الرياض ناموا كلهم.
حتى بحاح وهادي .. الرجلان يعيشان في جزيرتين مختلفتين، ولا تجري بينهما مياه مشتركة.
هادي لا يخرج إلى العلن، لا يقول شيئاً. كعادته كانت الأمور العظيمة تصله إلى بيته: الرئاسة مثلاً. وعندما غزا الحوثيون اليمن قسموا خطابهم إلى مستويين: مستوى جماهيري، وفيه شطروا الشعب اليمني إلى دواعش ومجاهدين، وكانوا هم المجاهدين. ومستوى سلطوي: لم يتنازلوا عن الديباجة البليغة في خطاب الرئيس: فخامة الرئيس هادي. واعتقد هادي أنه سيكون رئيساً للمنتصرين، كما حدث معه قبل ذلك.
هذا الجحيم صنعه بصورة رئيسية الحوثي وصالح. وبصورة ثانوية: الرئاسة، هادي. ومن خلفهم اللقاء المشترك، ثم منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وكل أولئك تنقّعوا حتى العظام من أنهار صنعاء القذرة، من أموالها المحرّمة وخيالها قصير المدى. وكانت صنعاء ليلة 21 سبتمبر مجرد بلدة خطيئة كبيرة!
تخيلوا التالي:
صحفي معروف يصف الحوثيين بالحركة السياسية الفتية التي هبّت لنجدة لقمة الفقير "أغسطس 2014". ثم يعود ليصفها بالحركة القاتلة "ديسمبر 2014". الزمن هنا يقول الحقيقة المروّعة: المثقف في صنعاء يملك خيالاً لا يكفي لقراءة "ما بعد" أربعة أشهر في المستقبل! ويا له من فقر، يا له من عوز، يا له من ضنك وقلّة حيلة.
كانت صنعاء معطوبة. حتى محمود ياسين الذي قال على قناة الجزيرة "إن اليمن سيارة معطوبة لا يمكن فتح بابها سوى من الخارج" عاد وقال إن الحلول الخارجية محض جنون، وأن اليمنيين قادرون على فتح باب السيارة من الداخل.
وكان يقصد: خلع أبوابها!
هكذا تطوّر موقف الإصلاح من الحركة الحوثية:
أدان الحرب الأولى، وأصدر بياناً قوياً مع اللقاء المشترك يطالب بتوضيح أسباب الحرب ومكاشفة الجماهير.
استمر في إدانته للحرب على الحوثيين في صعدة، فيما بعد. وفي الحرب السادسة التقت قيادات الإصلاح بصالح هبرة، رئيس المكتب السياسي للحوثي، وأعلن الأخير انضمام حركة الحوثيين إلى اللجنة التحضيرية للحوار الوطني "سبتمبر 2009".
توقفت حروب الجيش في صعدة مطلع العام 2010. ومنذ ذلك الوقت اشتعلت حروب الحوثيين في الخارج. وفي تلك الأثناء جازفتُ بالقول، ضارباً عرض الحائط بكل ما سيترتب على ذلك: إن خروج الحوثيين من صعدة بالسلاح ودخولهم المحافظات الأخرى يعطينا صورة واضحة عن مشروعية الحروب التي خيضت ضدهم! تلك الحرب التي كنا أعداءها، وكنّا خصوماً لمدبّريها.
في تلك المرحلة، ما بعد صعدة، خاض الإصلاح حرباً باردة ضد الحوثيين واتخذ السلاح في حجة والجوف، والقوّة الناعمة في صنعاء. أي أن الإصلاح خاض أول مواجهة عسكرية ضد الحوثيين، وبصورة غير رسمية، بعد الحرب السادسة.
يقول الإصلاح: عندما انتقلوا إلى شن الحروب خارج صعدة وقفنا ضدهم بالسلاح.
ويقول خصوم الإصلاح: تلك خطيئة بشعة ارتكبها الإصلاح، وكان من الأجدر أن يترك الحوثي يتحرّك ويكشف نفسه. وقال الإعلاميون: الحوثي مجرّد جماعة صغيرة ستنهار من تلقاء نفسها، لكن الإصلاح يبالغ في التهويل من أخطارها.
وكان العام 2011 هو عام المغازي للحوثيين. فقد انشغل اليمنيّون بتفاعلات الثورة الشعبية وانطلق الحوثيون إلى المحافظات غزاة! ودارت حرباً عنيفة في الجوف فشل فيها الحوثيون أمام تشكيلات عسكرية تتبع الجنرال محسن. وخاضوا سلسلة حروب متتالية في مديريات حجّة، كسبوا بعضها وخسروا البعض الآخر. ولكنهم استطاعوا الاستحواذ على كل صعدة وصارت مدينتها القديمة في قبضتهم.
ألقت حروب الظلام بظلالها على ساحة التغيير، واشتبك الإصلاحيون والحوثيون في الساحة. كانت تلك المعارك مجرّد تعبير مجازي عن حروب ضارية تجري بين الطرفين في الجوف وحجّة، ونظر إليها المثقفون اليمنيّون بأنها حرب للاستحواذ على المنصّة. وقد تعوّدنا على المثقف اليمني الاختزالي دائماً، حتى إن أحداً لم يعد يأخذ كلامه على محمل الجد.
اقترب الحوثيون من عمران، وسقطت في أيديهم. اقتربوا من صنعاء وسقطت في أيديهم. ثم سقطت الحديدة وذمار والمحويت، ثم حجة وإب، وبقيت الجوف لوحدها تقاتل.
وذهبت الآلة الخطابية في صنعاء، منظمات وأحزاب وساسة، تتحدث عن ميليشيا حزب الإصلاح! وقرأت لطاهر شمسان، وهو مثقف معروف، خطاباً موجهاً إلى هادي يحذّره من الاستماع إلى حزب الإصلاح والزج بالجيش في مواجهة اعتصامات الحوثيين على مشارف صنعاء. قال إن تلك معركة لا تخص الدولة "وأرجوكم أبلغوا الرئيس رسالتي هذه". ثم قال بعد شهور طويلة، وحالكة السواد، إن عاصفة الحزم جاءت لتعيد الشرعية الدستورية، وتضع الأمور في نصابها!
عندما قلتُ لمجموعة كبيرة من المثقفين في صنعاء قبل حوالي عشرة أشهر إن الإصلاح ليس لديه ميليشيا عسكرية كأني صدمتهم. كانوا قد اتفقوا، بصورة رسالية مهيبة، على أن الإصلاح ميليشيا دينية. وعندما اختطف الحوثيون 400 من قيادات الإصلاح لم يعثروا في منزل أيّ منهم لا على قطع سلاح ولا على خطط للحروب. وفي كل حروب علي محسن الأحمر في صعدة كان الإصلاح ضد علي محسن الأحمر.
وعندما فشل كل المنطق الذي سقته أمامهم بينما أنا أشرح لهم بينة حزب الإصلاح الثقافية والسياسية والاجتماعية، وأمنياته حول الدولة، عدتُ وقلتُ لهم:
بما إني كنتُ عضواً في الإصلاح، وأنكم لم تعرفوا قط أني كنت عضواً في الحزب إلا بعد استقالتي، وكنتم تكيلون لي المديح العظيم، فها أنتم الآن تقول عني إني إرهابي سابق!
وقالوا لي: لا أنت شي ثاني!
ومن هذا العك!
حزب الإصلاح منكوب، وهو حزب الطبقة المتوسطة في اليمن! ويستحق اعتذاراً من الجميع.
تطوّر موقف الحزب الاشتراكي من حروب الحوثيين كالتالي، بالإحالة إلى خطابه الرسمي:
اشترك معهم، إعلامياً وعسكرياً، في اقتحام عمران. وبحسب تقرير لقناة البي بي سي فقد اشترك قادة اشتراكيون مرموقون في تلك الحرب إلى جانب الحوثيين. وشخصياً التقيت في رمضان، قبل عام، في صنعاء بشخصية اشتراكية كبيرة وكان قادماً من عمران ودار بيننا جدل عنيف، وكنتُ حادّاً للغاية في تعليقي على طرحه. قال بغرور: اجتمعتُ مع أبو علي الحاكم قبل أيام وقال لنا "حدودنا جامعة الإيمان والفرقة"..
ثم انسحب الاشتراكي خطوة إلى الوراء وتحوّل إلى حليف ناعم. نلمح ذلك في المبادرة التي قدمها الاشتراكي إلى جمال بن عمر، والتي دعا فيها إلى ضرورة الحفاظ على المكتسبات الوطنية العظيمة التي أنجزتها حركة النضال الوطني ومن ذلك ما تحقق للشعب اليمني في الـ 21 من سبتمبر!
أي اليوم الذي سقطت فيه صنعاء. وحتى الآن لم يصدر الحزب توضيحاً حول مبادرته تلك!
وقبل هذا التحالف الصادم كان ياسين سعيد نعمان، في مؤتمر التنحّي، قد أعلن وفاة اللقاء المشترك وقيامة حلف جديد مع الحوثيين. وحضر الحوثيون ليمثلوا المجال السياسي وألقوا خطاباً عظيماً عن الديموقراطية والدولة المدنية! وبالطبع لم يعلن نعمان حلفاً جديداً وبشكل واضح، غير أن إعلان وفاة المشترك وجلب الحوثيين ليلقوا خطاباً دون غيرهم وثناء الطرفين على بعضهما لم يكن بحاجة لمزيد من التصريحات.
سارع الحوثيون وصالح في غزواتهم. ومن عجب إن هادي تسابق مع صالح على صداقة الحوثيين وخرج مهزوماً، وكان الاشتراكي يسابق أيضاً على تلك الصداقة. وكان صالح أيضاً حليفاً للحوثيين!
انظروا إلى الكارثة، الخديعة، الجحيم. ما نحنُ فيه صنعته تلك الأيام السوداء، وهذا ما لا ينبغي أن يسقط من الذاكرة أبداً. الأمر لا يتعلق بالسياسة بل بحياتنا، نحن الذين صرنا بلا دولة ولا طعام!
تأخر الاشتراكي خطوة ثانية إلى الخلف، محرجاً ومرتبكاً من صديقه الأحمق والمراوغ والمقاتل. وأعلن الحياد الموضوعي وتحوّله إلى قوة موضوعية ثالثة!
جاء هذا الإعلان و: الرئيس تحت الإقامة الجبرية، رئيس الحكومة تحت الإقامة الجبرية، وزراء الحكومة تحت الإقامة الجبرية، انهيار كلّي للسياسة، سيطرة الحوثيين على الدولة، استحواذهم على الجيش والأمن وتطويره إلى ميليشيا، وهروب البعثات الدولية!
وكان هناك من يقول: لا لكل هذا. ومن يقول نعم لكل هذا.
وهنالك وقف الاشتراكي وقال: تلك صراعات أطراف ونحن قوة ثالثة.
وقدّم لنا الحزب رؤية غير مسبوقة تقول إن سقوط الدولة في يد ميليشيا هو مجرّد عملية سياسية لا ينبغي أن تدفع المرء لاتخاذ موقف، ومن الأفضل أن يبقى ذاتاً محايدة!
وحدثت مفاجأة من تعِز. فقد أصدر الاشتراكي دعوة إلى خوض النضال ضد جماعة الحوثي والالتحاق بالمظاهرات والاعتصامات، ووصف الحوثيين بالميليشيا القاتلة والهمجيّة. وبدا كأن الاشتراكي حزبان!
الدرجة الرابعة من علاقة الحزب الاشتراكي بالحوثيين حدثت بعد ذلك بعد خراب عدن، المدينة التي في القرآن كما يسميها منصور الأعرج.
أصدر الاشتراكي بياناً في اليوم العالمي للعمال، 1 مايو، أدان فيه ما يجري في عدن ولم يدن الحوثيين.
ولم يتقدم بعد ذلك خطوة واحدة إلى الأمام. باستثناء تجميد عضوية المقالح، وهو شخص مكوّن من طابقين، فلم يكترث الاشتراكي لما يجري في البلدة.
أدري بالطبع أن الاشتراكي، وقد قلتُ سابقاً، ليس سوى مكتبة عظيمة. ومع الأيام صارت تلك المكتبة لا تصلح للسياسة. وعندما صارت السياسة قضية وطنية حادة، حالة من الانهيار الشامل، علّقت المكتبة يافطة على الباب: نحن جهة ثالثة، لا علاقة لنا بما يجري في الخارج.
... بينما أنا أتحدث إلى مثقف يمني ضليع بالمادة التي يناقشها استعرضنا احتفالات أوروبا حالياً بهزيمة هتلر. وقال لي ذلك المثقف "لم يفهموك عندما قلتَ لهم إن الحوثية صورة دقيقة من النازية، وأنها لا بد وأن تأخذ المآل نفسه". واعترف لي أنه درس النازية الألمانية في الأيام الماضية وتوصّل لاستنتاج مشابه. وأن تشابه العناصر التكوينية الحوثية والنازية أصابه بالذهول. ونحن نقترح حلولاً، أو خيالاً اتفقنا على التالي:
لا بد من تجريم الخطاب الحوثي واعتباره نازياً محرّماً قانوناً، كما جرى مع النازية. من الشعار حتى الأضرحة، من الاسم حتى العناوين. فكل مساهمة الحوثية في الحياة اليمنية حتى الساعة لم تكن سوى "الحروب، الموت، تدمير المنازل، الجوع، العزلة الدولية، الانفجار الطائفي، انهيار الدولة، وتشريد اليمنيين في العالم، ووعوداً بمزيد من الحروب والفوضى والتوتر". وإذا كان متعذّراً ذلك فلا داعي لأن يعيش الجميع في دولة واحدة: النازي القاتل الذي يشطر مجتمعه إلى أسياد وشركاء، مع المواطن الطيّب الذي لا يفكّر سوى في لقمة العيش، ومصاريف الجامعة لابنته.
6. للتذكير:
تقوم الحوثية على أساس اجتماعي يعتقد بتفوق الهاشمية أخلاقياً ورسالياً على باقي الشعب "في الأيام الأولى عينوا ضابطاً صغيراً في منتصف الثلاثينات رئيساً للأركان، وكان ذلك اختراقاً مرعباً في أخلاقيات العسكرية وقوانينها. وقال هو للقادة الذين يكبرونه سنّاً إنه من آل الشامي، ولم يكونوا بحاجة لذلك التوضيح. ثم جاء الطيران وقصف بيته وقريته في السدّة بين إب والضالع، وكانت تلك خاتمة كلاسيكية للنازية".
عقيدة التفوّق السلالي، المقدّسة، تصبح عنفاً سياسياً لأنها لا تسمح بالتنافس الحر والعادل، ولا بتكافؤ الفرص. فمن شأن تكافؤ الفرص أن يسوق "الأقل شأناً" ليصيروا حكّاماً على "الأعلى شأنا". أي أنها تخلق استبعاداً اجتماعياً وسياسيّاً. أي تقضي على الديموقراطية، بحسبان الديموقراطية مناخاً للتنافس العادل، ومدخلاً لدولة لجميع الناس.
ثم تتطور عقيدة التفوق السلالي وتصير حرباً أهلية عندما تجابه برفض اجتماعي وسياسي. أي عندما يقول المجتمع الذي يحاول أن يصبح حديثاً: إن ذلك لا يمكن أن يمر. وهذا بالضبط ما فعلته النازية! وهو بالفعل، صوتاً وصورةً، ما وقعت فيه الحوثية. وفي النهاية تجلب النازيات حروباً من الخارج، وقبل أن تنهار تكون قد تركت خراباً رهيباً.
ولا بد من تجريم هذا بالقانون. وأن يكون تجريم الحوثية مردافاً للدولة الحديثة.
في "حوارات حول الدين الطبيعي" ثبّت الفيلسوف الإنجليزي الأشهر ديفيد هيوم نظريته الصارمة:
العقائد المنحرفة يقضى عليها مع الأيام، أو تقضي انحرافاتها عليها، وتكتب الحياة فقط للنظريات والأحكام التي تتوافق مع الطبيعة!
والحوثية نظرية ضد الطبيعة، وضد التاريخ، وضد الحداثة، ضد الميلودي والهارموني الكوني. وفي أشهر خطابات عبد الملك في عيد الغدير قال الجعنان إنه الولي، وأن الله خلق الولاية قبل الكون، وأنها بقيت تهبط في العالم السفلي حتى وصلت إليه. ثم تبسّم وقال بثقة: وإن ما أصاب الأمّة الإسلامية على مدار التاريخ مردّه إلى تخلي الأمّة عن الولاية.
وهو يقصد بوضوح فوسفوري رهيب: عندما منعوني وأهلي من أن نكون حكاماً!
قرأت لصحفيّ معروف يلقّبه الإعلامي عبد الله دوبلة بـ "البهمة" حديثاً عن اشتراك قوات التحالف في الحرب ضد الحوثيين إلى جانب المقاومة الشعبية. وكان يقول إن السعودية قرّرت دخول الحرب عندما فشل وكلاؤها في الداخل في الحيلولة دون شراكة الحوثيين في السلطة!
لاحظوا أن الحوثيين، قبل دقائق من العاصفة، كانوا قد سيطروا على كل شيء حتى إنهم أجبروا صاحب صيدليّة في إب على تغيير اليافطة من "صيدليّة أبو الحسن" إلى "صيدلية أبو حسن"! فهو من إب، ولا ينبغي أن يمنح نفسه شرف أن يكون أبا الحسن. ليكُن أبا حسن، أيَّ حسن، وذلك يكفيه!
16 مليون يمني لا يجدون لقمة العيش، والرئيس هادي لم يظهر مرّة واحدة ليقول للناس ما الذي يجري، وما الذي سيجري. الحكومة التزمت الصمت، ودخلنا في الظلام. ودائماً ما يقال:
يكفي أن تنشر الجوع في المدينة حتى يصبح أهلها مجرمين!
ولا بد، وبسرعة، من الإجهاز على الحوثيين في تعز وأبين وعدن. وعن طريق حضرموت تمد الإعانات لمدن الشرق، عن طريق عدن تمد الإعانات لمدن الجنوب الغربي، وعن طريق تعِز لمدن الوسط. ثم نتحرك معاً لاستخلاص بقية المُدن من قبضة النازية. ولا توجد طرق أخرى. فبعد ستين عاماً من سقوط النازية في وسط أوروبا يتذكر العالم كم أن تلك العملية التاريخية كانت بالفعل تستحق التضحيات، والألم. وبمراجعة العمل الرهيب الذي أنجزه المؤرخ الإنجليزي المعاصر إيان موريس: "the Blood lands" أو "أراضي الدم، أوروبا بين هتلر وستالين" يمكن تخيّل الصورة المروّعة التي تخلقها النازية عندما تمتلك كميّات ضخمة من السلاح.
وهذا الصباح قال عالم النفس، والطب النفسي، اليمني الأميركي مصطفى العبسي إن الحوثيّة ورم، وإن إزالة الورم ليست عملية يسيرة!