عامر الدميني
وجود نائب لرئيس الجمهورية في اليمن يبدو قضية مميعة منذ قيام دولة الوحدة، ولم تأخذ حقها الكافي قانونياً، فالدستور اليمني الذي اعطى رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، لم يحدد مواصفات وشروط اختيار نائب الرئيس، مثلما هو الحال لرئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والوزراء واعضاء مجلس النواب، بل اعطى الرئيس حق اختيار نائب وحق تفويضه في بعض الاختصاصات، والمواد التالية في الدستور اليمني توضح هذا الامر:
مادة(124) يعاون رئيس الجمهورية في أعماله نائب الرئيس، وللرئيس أن يفوض نائبه في بعض اختصاصاته.
مادة(116) في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل، يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس، لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس، يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس.
هذا الامر يكشف عن خلل واضح في الدستور، فكيف يتولى نائب الرئيس مهام الرئاسة مؤقتا في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل، بينما لم يحدد الدستور أي مواصفات مشروطة له عند تعيينه، او مهام يقوم بها بعد تعيينه، يعني الامر يتعلق بالمزاج، فالرئيس هو من يحدد المهام الموكلة لنائبه، اياً كانت طبيعة تلك المهام، كبيرة او صغيرة، بمعنى انه يصبح اداة ولعبة بيد الرئيس يكلفه بما يريد متى ما يريد، و يحيله الى النوم والفراغ متى ما يريد، ولم يعط النائب أي مهام من تلك التي يتولاها الرئيس.
و المواد السابقة هي كل المواد التي تتحدث عن نائب الرئيس في الدستور اليمني، وهي بالمناسبة تم تفصيلها لتخدم بقاء رئيس الجمهورية حتى آخر نفس بحياته، والامر يتعلق هنا بنفسية الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي اقر الدستور الحالي لليمن في عهده.
ومع الموقع الهامشي والهش لمنصب نائب الرئيس يعتبر القانون رقم (6) لسنة 1995م، بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة ان نائب الرئيس ينتمي الى السلطة التنفيذية العليا التي تضم كلا من رئيس الجمهورية، ونائبه، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء ونوابهم.
وعندما اصدر هادي قراره بتعيين بحاح نائباً له ارتكب خرقاً واضحاً للدستور اليمني الذي تنص مادته رقم (134) على: لا يجوز لرئيس الوزراء ولا لايا من الوزراء أثناء توليهم الوزارة أن يتولوا أي وظيفة عامة أخرى..إلخ، و خرق الدستور يعني: مخالفة نص من نصوص الدستور أو تعليقه أو تعديله دون إتباع الاجراءات المحددة فيه، لكن في الوقت الحالي لم يعد هذا يمثل خرقاً، فالدستور الحالي لليمن اصبح في حالة غيبوبة كاملة، وكل طرف يجتزئ منه ما يريد ويوظفه في صالحه، ويرفض منه ما يريد.
وحتى اللحظة لم يُعلن بحاح تراجعه عن إستقالته التي قدمها مع هادي في يناير الماضي، فهل يعني تراجع هادي عن استقالته وعودته لممارسة عمله كرئيس جمهورية يلغي اعلان إستقالة حكومة بحاح وعودتها لممارسة عملها؟، واذا كانت كذلك فلماذا لا يتم دعوتها للإنعقاد خارج اليمن، على الأقل بما لديها من وزراء لسحب الشرعية الحكومية على جماعة الحوثي، التي قال رئيس لجنتها الثورية امس السبت بأنه يجري مشاوراته لتشكيل حكومة جديدة داخل اليمن.
لذلك فإن تعيين بحاح ليس سوا مسعى لتفويت الفرصة على هيئة مجلس النواب المحسوبة على حزب المؤتمر، و التي خولها الدستور بأن تتولى مهام رئيس الجمهورية في حال عدم قدرته على ذلك، وتعذر تولي نائب الرئيس لمهمته، وذلك وفقاً للمادة رقم ( 116 ) التي نصت على التالي:
في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة ل تزيد عن ستين يوما من
تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب، وإذا كان مجلس النواب منحل حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد.
وهي المخاوف التي استشعرتها الدول الراعية للمبادرة الخليجية، بعد محاولة جماعة الحوثي والرئيس السابق في تنحية هادي واجباره على الإستقالة، وهو ما كاد يتحقق لها، لولا انطلاق عاصفة الحزم التي قطعت الطريق عليها، وأنقذت الرئيس هادي قبل ان يصبح خارج الشرعية الدستورية، سواء تلك التي فرضتها المبادرة الخليجية او الدستور اليمني.
وهذا يقود الى احدى احتمالين:
الاول: ان بحاح سيظل نائبا لهادي، وسيتولى مهام رئيسية لسد العجز الذي بدا واضحا في اداء هادي، اضافة الى توليه رئاسة الحكومة، وهذا مخالف لنصوص الدستور الواضحة، إلا ان يتم إسناد مهمة رئاسة الحكومة لشخصية جديدة لاحقاً.
الثاني: ان يكون تعيين بحاح نائبا لهادي مقدمة لنقل السلطة بكاملها له، ثم تنحية هادي من موقعه لاحقا كونه بات جزاء من المشكلة السياسية في اليمن.
تلك مجرد لحظات عابرة عن مشهد يمني لازال ملبداً بالغيوم ومليئ بالتعقيدات والتشابكات.