حبيب العزي
يواجه الحوثيون ومرتزقة علي عبدالله صالح في مدينة تعز، هذه الأيام، امتحاناً هو الأشد صعوبة في تاريخ حياتهم الحافل بالحروب، مع لجنة رقابة صارمة تُحرِّم الغش وتجرِّمه، وقد عجزوا، حتى اللحظة، عن اجتياز هذا الامتحان، ولن يجتازوه بأي حال، لأنهم تعودوا على الغش وتزوير كل شيء حتى النجاح، والامتحان عندما يأتي من أبناء تعز، روَّاد القلم والكلمة، ستعجز عن الإجابة عليه حتماً مثل تلك الكائنات الحية التي خرجت لتوها من الكهوف والمغارات، والتي لا تفقه شيئاً في لغة العلم أو أخلاقيات الحضارة وقيم الإنسان.
جاءت تلك الكائنات من كل حدب وصوب، وهي تقرع طبول الحرب، واحتشدت قطعان الخِراف، وهي لا تدرك حتى إلى أين تُساق، والهدف كان ولا يزال تعز، المدينة التي استعصت عليهم على الدوام، بإبائها وكبريائها، كما وأغضبهم شموخها وعنفوانها، فكان لا بد من تأديبها قبل الرحيل، وعضَّها قبل النزع الأخير.
لم تكن تدرك تلك القُطعان الشاردة أنها قد قَدِمت للاصطفاف طوابير طويلة، في انتظار نهايتها، وأنها تُساقُ إلى حتفها، فتعز باتت "المحرقة" التي كانت تنتظرها، وتعز الحليمة بطبعها والحالمة بطبيعتها، بدت بركاناً يزمجر في اليومين الماضيين، إذ خرجت بقضِّها وقضيضها تُغني للغزاة أهازيج الغضب، وتذيقهم من كؤوسها صنوف الموت الزؤام، واتقوا شر الحليم إذا غضب.
تعز ليست للبيع أو الشراء أيها الحمقى. يجب أن تفهموا ذلك جيداً، إنها تتعالى عليكم بشموخها وغرورها أيها الأقزام، ها هي تدنس أقدامها إذ تدوسكم، فلا تستمعوا لأمنيات صالح، ولا لشعوذات عبد الملك الحوثي، التي زجَّت بكم في أتون جحيم لا طاقة لكم به، بينما تقبع هي داخل السراديب، هرباً من الموت وروائح البارود.
ها هي تعز الرابضةُ ما بين انتصار وانتصار، والتي لم تعد تعرف بعد اليوم معنى الانكسار، ها هي كلها اليوم تُقاتلكم.. أرضها.. سماؤها.. أشجارها.. أحجارها.. هواؤها.. كل شيء فيها يقاتلكم، فافهموا الدرس جيداً أيها الأوغاد، فتعز لن تكون سوى الجحيم الذي يشتاق إليكم.
ها هم أبناؤها العِظام، وأبطالها الشجعان، يصبون اليوم عليكم حمم الموت في كل حارة، وفي كل شارع، ويُسطرون بدمائهم أروع ملاحم البطولة، وها هي أرواحهم تُلهم العالم أجمع، دروساً عملية في العظمة وحب الأوطان، وهاهم يحيلون غُبار النقع وجهاً للنهار.
ها هي تعز المحروسة بعناية السماء، والمحاطة بسياج من العزة والإباء، وبدعاء الشيوخ والثكالى والأبرياء، وبأبطالها الذين لا يعرفون معنى الانحناء، ها هي تقاوم الغزاة، وعصابات الكهنوت وجحافل الظلام.. ها هي تتقدم يوماً بعد يوم.. ثم ها هي حتماً.. تنتصر.