عبدالرحمن بجاش
ذات سمو وشوق ولحظة شجن , طلب مني عبدان دهيس أن اكتب عن عبدالباري , وفي لحظة أخرى قال عبد الالاه القُدسي ضاحكا بطريقته: وعبدالرحمن الأهدل أين هو منك ؟ قلت فورا وقد عدنا من تعز : تصدق عادنا أكتشفت البحر المحيط هذه المرة , وأنت حين تريد الفصل بين مياه البحر والبحر فلا تستطيع فكلا الاثنين بحر لا تكاد ترى هذا الا بذاك !!! . كل أنسان معجون بمادة ما , بعضهم بالتراب , وبعضهم بالطيب والمسك , وآخرون بالبخور الجاوي , وأنا معجون بثلاثة لا رابع لهم : المسًاح , عبدالباري طاهر , ويحيى العرشي , وكلما أشرت الي ستجد الثلاثة يسبقون حتى اسمي غصبا عني , حين حاولت يومها الكتابة عطفا على عبدان , قلت أحدث نفسي وبالبلدي : ليش هذا الصاحب عبدان وضعني في هذا المأزق ؟ إذ كيف يمكنني أن أكتب عن تهامة وبحرها وأفق الله الواسع هذا الرجل عبدالباري الذي لا نعرفه الا راجلا يلتصق بالأرض , لا نراه ابدا غير الأرض بكل تجلياتها , وأحرص على أن أناديه هكذا : يا عبدالباري فأحس أنني جزء من سر الطين والأفق اللذين هما عنوان تهامة التي أعتجن أهلنا بها وليست تهامة من لا يريدون تهامة إلا مطية يركبون عليها متى ما هبت العواصف , وفي العنوان يرقد الآخر البحر الذي قراره لؤلؤ منثور صاحبي وصاحب فؤاد عبدالقادر وعبدالله فتيني عبدالرحمن الأهدل المضمخ بالعلم عبق المراوعة وضميرها , والبحر الذي يتدفق تهامة تسكن أنفاس الطيبين وحتى رائحة جباههم السمر !!! , سأكون مقصرا مهما تحدثت عن الرجل البحر , وإذ ستسكنني هواجسي حول أجادة اللغة أسلوبا للوصول إلى أعماق الرجل , فانا ازعم أنني أسكن أرضه التي لا تزال تعطي ورب ينزل غيثة المدرار زنينة غبش الفجر التهامي هي الحكمة سر الشواطئي المسافرة في أنفس النُسًاك لا تكاد تتوقف عن السفر , وحده من يجيد غناء تهامة أبو بكر (( يا سمار )) ولا يحلو المغنى سوى في ليالي تهامة المقمرة , حين تدلف من باب ناقتها وتبحر تحت سماء الله نجوم تتلألا أسماء من حجم عبدالباري, والحضرمي , يحي عوض صاحبي الآخر ورسام , والصغيري محمود وأحمد ببراءة الأطفال في عينيه !! , ومحمد عقلان الشيباني الذي لاتحلو تهامة بدونه!! , ماذا يمكن لي أن اضيف على همسة القُدسي (( شفت عبدالباري؟ )) , ويضحك بطريقته المستفزة , أقول : يا قُدسي بحر تهامة يسكنني وأعيشه , ولا أستطيع الفكاك من عبدالكريم قحطان لأهرب إلى محمد جميل فارع , لا أنسى محمد حميد , الذي إن ذكره عبدالباري دمع قلبه , كان محمد حميد قاسما مشتركا أعظم , كما كان ولا يزال أحمد الديلمي هنا في صنعاء حيث انخنا إبلنا !!, لا تزال الحصى أثرها بين أصابع أقدامنا علقت بها من ذلك الكوم يجلس على حافته عبدالباري يراجع قصة قصيرة لعباس غالب في التوجيه المعنوي , ومحمود الحاج بالقرب , والزرقة في الديمة التي لم تتسع للجميع !! , كانت المطابع لتوها قد أحترقت ومن تلك الديمة أصدرنا (( الثورة )) مع آبائنا الكبار , يحضر إلى ذهني مساوى أحمد, وأبن الزبير, والصيقل, وعبدالولي الشامي, وعلي العمراني ,وأحمد شرف, ومنبه ذمران, والسنباني , ومحمد علي قاسم وكل الذين تركونا بدون أن يستاذنوا, والجاوي وأبو بكر, وزين , حين اتوقف عند بوابة عبدالباري أطمئن سؤالا عنه , فقد تعلمنا منه أن نسأل حتى عمن يعتبروتنا أعداءهم , تلك إحدى أهم ميزات الطاهر عبدالباري في علاقته بالآخر , وأصيخ السمع لأجمل نقاش يدور بالقرب من أذني حين يتناقشان هو ووضاح عبدالباري طاهر , وعبدالباري , يتفقان فيما يتفقان ويعذران بعضا عما يختلفان فيه , معجون بتقدير محمد عبدالله صهره التهامي من أشرف وأكرم من زاملت أيام أحمد عبدالعزيز البنا , أيام الدكاكين شارع القيادة حيث كنا لا نزال نتلمس نحن طريقنا, ابراهيم المقحفي , رؤوفة , عباس , عبد الوهاب , وعبدالماجد , عبدالله سعد , ومطهر الأشموري وكلب أو دراجة المساح !! , كيف أنهي هذا ولا ازال قادرا على الإبحار , ساتوقف في هذا الميناء على أن نبحر من مرفئه ذات فجر أو غبش أو زنينة مطر تبلل أرواحنا بعبق الأيام الأنبل ....
*صحيفة الثورة