ياسر الزعاترة
ربما كان الأمر مفاجئاً إلى حد كبير، من حيث توقيت الإعلان عن وقف عاصفة الحزم، فيما كان الارتباك واضحاً في تجلية الموقف. وزاد الجدل بوجود تصريح صدر قبل حوالي 8 ساعات من مساعد وزير الخارجية الإيراني قال فيه: إن العمليات العسكرية ستتوقف خلال ساعات، وإن كان لافتاً أنه عاد قبل إعلان وقفها إلى التعبير عن أسفه لعدم وقفها، ما يعني أنه شكّ من جديد في الموقف.
كل ذلك يؤكد أن هناك ما كان يجري في الكواليس، وليس الأمر متعلقا فقط بالبعد العسكري، سواء تمثل في الحديث عن وساطة عُمانية، أم اتصالات مباشرة مع أطراف في الداخل اليمني، أم بوجود طلب حقيقي من قبل هادي ونائبه بحاح بوقف العمليات بعد أن لم يعد بوسعها إضافة الكثير للسياق الداخلي، إلى جانب تأثيراتها الأخرى على المدنيين.
جاءت سيطرة الحوثيين على معسكر في تعز صباح الأربعاء، ومن ثم الرد الجوي عليه، وتواصل الاشتباكات والردود حتى كتابة هذه السطور لتضفي مزيداً من الغموض على المشهد، فيما كان الاحتفال لافتاً في أوساط الحلف الإيراني الذي حفلت وسائل إعلامه بهجاء للسعودية وتأكيد على هزيمتها، من دون أن يقال لنا عن أية هزيمة يتحدثون، وهل قال أحد من قبل: إن الضربات الجوية ستحسم المعركة؟! لكن الاحتفال، ما لبث أن تحوّل إلى تهديدات رعناء وسخيفة بعد تواصل الضربات الجوية.
بعيدا عن كل التفاصيل التي يمكن الحديث عنها، أو الكواليس والاتصالات، فإن المشهد الذي نحن بصدده ليس له على الأرجح إلا أحد احتمالين مع احتمال ثالث لا نتمناه؛ الأول أن يكون هناك حوار ترعاه عُمان أو أي طرف آخر، وهو حوار ينبغي أن ينتهي بإعادة الشرعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل إن طرف الحوثي وصالح على استعداد بالفعل لإعادة هادي رئيسا، أو حتى خالد بحاح والاعتراف بشرعيته، ومن ثم سحب السلاح، على الأقل من المدن وتسليم السلطة والمؤسسات الحكومية للرئيس؟
إذا صح ذلك، فقد يراه البعض إنجازاً لعاصفة الحزم، لكنه ليس كذلك إذا انتهى بحوار تحت سطوة السلاح في تكرار لنموذج حزب الله، ممثلاً في ممارسة الوصاية على العملية السياسية عبر التلويح بالسلاح، من دون الحاجة إلى استخدامه، ربما باستثناء حالات محدودة كما فعل في مايو 2008. ونتذكر أن هذا النموذج كان قائما قبل شهور في اليمن بوجود هادي رئيساً، وبوجود حكومته، لكن الحوار لم يؤد إلى نتيجة لأن الطرف القابض على السلاح كان يصر على ترجمة قوته العسكرية إلى مكاسب سياسية تؤكد سيطرته على البلد.
نقول ذلك، ونحن نشك في أن الحوثي سينسحب بسلاحه إلى صعدة، فضلاً عن أن يسلم ما سرقه من معسكرات الجيش، لكن المشكلة أن الدولة ذاتها لم تغادر مربع الخضوع لسيطرة المخلوع وأزلامه (خروجه كشخص لن يعني الكثير هنا)، وتلك معضلة أخرى، مع أن فك ارتباط هذا الأخير بالحوثي وارد، لكن المصيبة تبقى كما هي لأنه لا يقل سوءا عن الحوثي في واقع الحال، في حين يعلم الجميع أن إعادة الحوثي لحجمه القديم لن تتم بسهولة، ولو تخلى عنه المخلوع.
الاحتمال الآخر هو استمرار العمليات على الأرض من خلال المقاومة الشعبية، وهذا هو المسار الأفضل، بوجود دعم جوي يُستخدم عند الحاجة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه العملية ستستمر حتى يعود الحوثي إلى رشده ويقبل بحوار من نمط آخر، ومعه المخلوع أيضاً، وبشروط مختلفة، وبالطبع بعد أن يُستنزف على نحو يصعب عليه الاحتمال، ومن ورائه جهة التمويل، أعني إيران.
هنا يمكن ترجمة إعادة الأمل، وهو الاسم الجديد لعملية ما بعد عاصفة الحزم، واقعا حقيقيا، ذلك أنه لا عودة للأمل بوجود الحوثي وسلاحه، ولا بسطوة المخلوع وأذرعه السرطانية في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
مؤكد أن مساراً كهذا سيكون طويلاً بعض الشيء، لكنه سيكون الأنجع لليمن وأهله، في الوقت ذاته الذي سيكون جزءاً لا يتجزأ من مشروع التصدي للبرنامج الإيراني، والذي ينبغي أن يتحرك في الوقت ذاته على الجبهة السورية، وحتى العراقية، وذلك حتى تيأس إيران من فرض خياراتها على غالبية الأمة، وتقبل بصفقة تمنحها حجمها دون تجاوز على الآخرين.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى تصريحات المخلوع مساء الجمعة التي تضمنت دعوة للحوثيين للانسحاب من المدن، وتسليم السلطة للمؤسسات الحكومية (هو يسيطر عليها عمليا)، وهذه الدعوة مع استمرار أنصاره في القتال، إنما تعني عرض صفقة مع السعودية والخليج، يتخلى بموجبها المخلوع عن الحوثي، ويؤمّن نفسه وعصابته في السلطة، وما نخشاه حقيقة هو أن يتم القبول بذلك، ما يعني أنه لن يكون هناك كبير أمل للشعب اليمني، حتى لو تخلص جزئياً من سطوة الحوثي.
العرب القطرية