الأرشيف

لعنة السياسة ...حينما تقتل الاوطان وتفرق لا تجمع

الأرشيف
الاثنين ، ٢٠ ابريل ٢٠١٥ الساعة ١٠:٣٢ مساءً

بشرى العامري


في الطرف الاغر من حينا يقطن الجارين عزيز وهاشم ويعتقد انهما اول من وطئ هذا الحي قادمين من قرية تقبع في المنطقة الوسطى .

فالكل هنا لا يعرف سوى انهما منذ عقود كانا جارين حميمين جداً فاقت علاقتهما علاقة اي اخوين متوافقين .

ولكثرة ترابطهما فتحا باباً في الجدار العازل لمنزليهما حتى يتسنى للنسوة والاطفال التنقل من خلاله بكل حرية وسهولة في اي وقت يشاؤون .

حين نزورهما بالكاد نرى شيئا مختلفاً في اثاث او مقتنيات المنزلين فغالباً تخرج النسوة معاً ويجلبن نفس الاغراض والاشياء للمنزلين , وغالباً ما يتوافق الجميع نساءً واطفالاً في ذات الملبس وذات المقتنيات الشخصية.

تربى اطفالهما وكبروا معاً, وقرر الجاران عزيز وهاشم  تزويج زينب ابنة هاشم لمحمد ابن عزيز لتتوطد العلاقة اكثر واكثر ويتحولان من جارين حميمين الى صهرين لن يفرقهما شيء ابدأ .

ومرت الايام وانجبت زينب ثلاثة اطفال كانوا زهرة حياة الاسرتين, وشعر الجميع انهم يعيشون سعادة الدنيا في هذه الحياة التوافقية التي جمعتهم سنين طويلة .

ومع مرور الايام التحق احمد ابن عزيز الاخر بحزب التجمع اليمني للإصلاح ومارس طقوس التشدد الديني على اسرته بعد ان استطاع جذب والدته واخته لينضما الى الحزب كعضوات وترتقي بعدها اخته لتكون احدى قيادات الدائرة السياسية للإصلاح في الحي الذي نقطنه وفجأة بدأت تطوف المنازل واعظة ومرشدة تدعو وتنصح وتؤدلج الكثير من النساء في جلباب الحزب تحت عباءة الدين والزهد والتقوى ..

جاءت ثورة العام 2011 فكانت السباقة واسرتها الى شارع الستين كل جمعة للصلاة وتحمل معها من النساء ما استطاعت واستمالت وكذا يفعل اخاها, وكان جارهم هاشم له موقف مغاير فهو لم يكن مقتنعاً بأهمية تلك الثورة وجدواها ويراها بين خصمين سياسيين لا ناقة له ولا جمل وحينما كان يحاول جاره عزيز استمالته واحراجه يقول له ضاحكاً " خليني هانا افضل اوبه على عيالي وعيالك وانت والبقية سيروا جاهدوا النظام والفساد ان انتصرتم ساد الخير على الجميع وان خسرتم ما نضيعش كلنا"

كان ابن عزيز ينعت جارهم بانه مثالاً سيئا للفئة الصامتة التي تضر اي ثورة ووالده ينهره دوماً ويؤكد ان الديمقراطية تكمن في ان يعبر كلا عن رأيه وله الحرية فيما يعتقده بشرط الا يؤذي الاخرين وعلى الاطراف الاخرى عدم دفعه بالقوة لاتخاذ موقف مساند لهم او وصم الاطراف الاخرى بصفات مسيئة لانهم اختلفوا في الرأي فقط .

مرت الايام وتشكلت حكومة الوفاق واصبح احمد بين ليلة وضحاها مدير عام لإحدى المؤسسات الحكومية رغم انه وظف فيها منذ عامين فقط.

وبدأت ملامح الفساد تظهر عليه سيارة جديدة  ونفقات باهظة ومن سأله  اجاب "هذا من فضل ربي يؤتيه من يشاء"

سقطت حكومة الوفاق وجاءت حكومة الكفاءات وتنمر احمد ومجموعته  داخل المؤسسة وبدأوا بزرع الخلافات في وجه القيادة الوزارية التي تنضوي تحتها المؤسسة التي يديرها ..

اقتحمت ثورة الحوثي صنعاء , واقتحمت لجانه جميع المقرات الحكومية وعزل احمد وعاد الى المنزل كما كان قبل اربعة اعوام ...

لكن الانكى ان علي ابن جارهم هاشم الذي لم يحصل على شهادة الثانوية اصبح مديراً عوضاً عنه في المؤسسة وجمع جميع اصدقائه ليكونوا معه في المؤسسة بعد ان كان مجرد موظف بسيط سعى احمد لتوظيفه بعد الحاح من ابيه .

واتضح ان هاشم واولاده وجميع افراد اسرته  قد انضووا تحت لواء الحوثي واصبحوا دعاة تحرير الوطن من براثن الفساد الإخواني الداعشي التكفيري الذي يرى في اسرة عزيز نموذجاً سيئاً له .

وخلع الباب الذي يفصل بين المنزلين وسد مكانه بطوب واغلق الجدار تماماً معلنا انشقاق الاسرتين عن بعض , وطالب علي وابوه ابنتهم زينب ترك زوجها الداعشي والتخلي عن ابناءها ولكنها ابت , وفي ذات الوقت شرع عزيز واسرته بتحذير ابنهم محمد من زوجته الحوثية التي ستخرب عقله وعقل ابناءه بأفكار اسرتها المسمومة واخراجه عن الدين والملة .

ورغم محاولات محمد التأكيد لهم بانه لم يشهد من زوجته طوال سنين عدة الا كل خير ورغم دموع زينب لأهلها وتأكيدها انه لم يسفههم ولم يذكرهم قط بسوء الا ان الاسرتين اصرتا على تفريق هذين الزجين بالقوة , فما كان منهما الا ان رحلا بأبنائهما في جنح الظلام الى مكان قصي في اطراف العاصمة واختفيا هناك يناشدان الله ان تعود عائلتيهما لجادة الصواب وان ترحل عنهما عين الحسد التي اصابتهما او لعنة السياسة التي التحفت رداء الطائفية المزعومة لتفرق شمل اسرتين ظلت مترابطة سنينا طويلة .

وبعد بضعة ايام ذهب عزيز الى كلية الشرطة لمراجعة ملف ترقيته واضطر للمبيت في طابور طويل ممن اتوا للمراجعة او التسجيل في الكلية ولكنه لم يعد بعدها ابدأ الى المنزل فقد قتل في الانفجار الذي حدث امام بوابة الكلية ولم ترى اسرته من بقايا له سوى بطاقته وملفه المليء بالدماء واشلاء متناثرة هنا وهناك تؤكد انه رحل للابد.

واتهم اهله واولاده الحوثيين بالضلوع في هذا التفجير كون لا احد من عناصرهم قتل في هذا التفجير ودخل اتباعهم من باب اخر دون الوقوف في اي طابور حد قولهم .

حزن هاشم كثيراً في قرارة نفسه على فراق رفيق عمره ولكن ابنه علي اصر على انه لا يجب الترحم او التعزية في داعشي خائن للوطن لان مصيره حتماً للنار فهو قد مات على الضلالة..

وماهي الا ايام حتى لقي هاشم حتفه ايضاً بينما كان يصلي في جامع بدر اثناء انفجار انتحاري مجهول بجمع من المصلين , وتم توجيه الاتهامات على اثرها لكل اصلاحي وداعشي وقاعدة  واعتبر هذا الثالوث هو وجه واحد للعدو واصبح كل من يخالف الحوثي في فكره ومعتقده وكل ما يقوله ويراه يتمثل في هذا الثالوث البغيض ولذا فتجب محاربته حتى ينضم لهم او يهلك لامحالة .

توالت الاحداث العدوان الخليجي يقصف اليمن وعوضاً ان تتحد كل الجبهات وتنتهي كل الخلافات وتتوحد الصفوف لمواجهة هذا العدوان زادت حدة الخلافات واشتدت وتيرة التفرقة ..

فوجئت اسرة عزيز بابن جارهم علي يقتحم عليهم البيت ومعه كتيبة مسلحين , قاموا بجر احمد معهم دون جريرة سوى ان حزبه اصدر بياناً يؤيد العدوان وبحثوا عن اخته فلم يجدوها وتوعدوا بتعقبها ان لم تكف عن مهاجمتهم خصوصاً بعد ان احتدم النقاش بينها وبين والدة واخت احمد في احدى جلسات الحي ووصل النقاش الى حد الاشتباك بالأيدي لولا تدخل الجارات وفض النزاع ..

تقدمت والدة احمد وهالة من الحزن الدفين لفقدانها زوجها تضاف اليها اليوم هلع اشد لفكرة فقدان ابنها ايضاً ترجت علي ان يترك اخاه الذي تربى معه ان يرحم حزنها وضعفها وفزع خواته الصغار لكنه اصر على اخذه رمت له بغطاء رأسها جاهاً كما جرت العادة في مثل هكذا مواقف ليترك ابنها لكنه لم يستجب لأي عرف او تقليد ورفع وشاح والدة احمد واعطاه اياها قائلاً هذه اوامر السيد ويجب تنفيذها مهما كلف الامر وثقي اني سأعيده لك قريباً .

كان محمد وزينب لازالا مختفيين في مكانهما القصي بعيدين عن كل تلك الاحداث حتى جاءهما وابل القصف العنيف الذي استهدف منطقتهما اكثر من مرة تواصلا مع اهلهما وعرفا اخبارهم التي لم تسر وقررا جمع حاجياتهم والعودة لأهلهم وعمل المستحيل للم الشمل ونبذ هذا الخلاف العقيم ..

سبق محمد لسيارته استعدادا للعودة ولحقه ابنه الاكبر وبقت زينب مع طفليها الاخرين في المنزل تكمل اللحظات الاخيرة من استعدادها للمغادرة وماهي الا برهة حتى سقط صاروخ على المنطقة التي يوجد فيها المنزل فانهار المنزل امام عيني محمد ففزع وارتعب خرج من سيارته مسرعأ .. نادى زوجته وابنيه بأعلى صوته حمل ابنه الذي كان يصرخ من هول ما حدث ...  وفجأة سقطت قذيفة لمضاد طائرة على رأسه هو وابنه فقتلتهما على الفور .

خرج احمد بعد ايام من اختطافه من قبل علي وجماعته بعد ان كتب تعهدا تحت وقع التعذيب انه متبرئ من حزبه ووقع على ورقة تضمنت استقالته من العمل تحت لواء هذا الحزب كان قلبه مليء بالحقد وافكار الانتقام تملؤ رأسه .

فيما التحق علي مع مجموعة من اصدقائه لقتال الدواعش حسب معتقده في جنوب البلاد ... ولكن ما لبث ان سمع اهله نبأ مقتله بعد ايام قليلة من ذهابه ... اختفى احمد وكذلك اخته وانتهت تلك الاسرة وبقي المنزلين شاهدين بان اسرتين كانتا هنا تحابا وتجاورا وعاشا سنينا جميلة ففرقتهما لعنة الكراسي وصراع السياسة وكذبة التطرف الديني وبقيت الاطلال تحكي تلك القصة التي لم تطال هذي المنزلين فقط بل عشرات الالاف من المنازل التي كانت يوماً تعم بالسلام وفرحة الاطفال .

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)