عبير صالح
عاصفة الحزم عصفت بالوطنية لدى البعض حتى أن تأييد العاصفة منزوع عديم الوطنية ، والرافض هو الوطنية فسُمي "وطني رافضي "
كمواطنة " إمريكية " وإن لم تروق للبعض ، لكن نُسمي الأشياء بمسمياتها .. ك مواطنية "إمريكية " من أصلِ يمني ... هاجر والدها منذ "ثلاثون عاماً " هارباً من جحيم الملاحقات ، وتاركاً خلفه وطناً وأرضاً ، حاملاً أبناءه وزوجه معه ، كي يرسم لهم مُستقبلاً أفضل ، وبيئة أجمل ، ووطناً حاضنا ، ليرى أبناءه النور ، لم أكن سوى تلك الفتاة التي كانت كل صباح تستيقظ على صوت أيوب يداعب مسامعها ، والحان الحارثي ، وابوبكر سالم ، تلك الفتاة التي تربت في بيت كل جدرانه مزينة ب أعلام اليمن وأبطالها ، الزبيري ، الثلايا ، القردعي ...
زرع والدها الفار ، الهارب ، الغريب ، زرع بداخلها حب وطن ، وحنين عاشق ، وشوق مُحب ...
نقف أمام التلفاز مُتسمرين نسمع الأخبار وإن لم نفهم بعضها ، غير أن إسم " اليمن " تُشبع من جوع وتأمن من خوف ، وتروي من عطش ...
نستمع ل أبي وهو يحدثنا عن بيوت صنعاء المنقوشة ، عن حيطانها وحاراتها ، عن شوارع عدن ، عن حمامها ، وطيبة أهلها ، عن تغاريد العصافير في الأزقة والحافات ، نعانق جبال تعز وقلاعها ، نستنشق هواء إب ونسميها ، نستظل تحت أشجار الخوخه ، ونبحر في شواطئ الحديدة ، ونتسامر في حضرموت ، كل ذلك من أجل إحياء الجذور والحيلولة دون طمسها ومهما كانت تلك الكلمات بارعة في اعادة رسم الأمكنة والأزمان التي مرت، لا تتعدّى ان تكون ظلالا باهتة مهما وعت الذاكرة لحياة كانت اغنى وأكثر كثافة، ومليئة بالتفاصيل التي يصعب استعادتها من ذاكرة الأجيال الجديدة فان عظمة الأوطان تقاس بعظمة تاريخها الذي تصنعه العقول وعرق أبنائه وسواعدهم ..
هذه الفتاة حُرمت من بلادها كل عمرها ال 25 عاماً ، وعندما حانت لها الفرصة ولاحت في الأفق ، كانت زيارتها ل وطنها برفقة جُثة أبيها الهامدة ، ذلك الجسد الذي أبى الا أن يُدفن في وطنه ، حتى يخبرني أن غيابه عن وطنه ، غياب جسد لا روح ، أما اليوم فقد أجتمع الروح بالجسد ...
عندما تكون فتاة مثلي في العشرينات من عُمرها ، تؤيد مايُسمى ب "عاصفة الحزم " لا يعني أنها تنصلت من وطنيتها . بل هي ترى أن تأييد العاصفة "واجب وطني " ..
هذه الفتاة لم تكُن في منأى عن ظلم الحكومات السابقة واللاحقة ، سواء ل أبيها أو ما حدث مع أخيها من قبل عصابات إجرام ، وماحدث ل أخوالها في جنوب اليمن ... لست في موقف إنتقام أو تشفي ، غير أنهُ نحن جزء من هذا الشعب .. لكن المزايدة المستمرة على حب الوطن والتضحية والتشدق بالوطنية والثورية كما يدعون ، والتى زادت عن الحد والعقل الآن وكأن هؤلاء المتشدقين أخذوا تفويض من الشعب بالتحدث عنه والتشدق باسمه ، وهم وللأسف الشديد أبعد ما يكونوا عن الوطن والمواطن، والذى يمر بأصعب الظروف والمحن والأزمات، ويعانى أشد المعاناة من الظروف الحالية ، كلهم يتحدثون عن الوطنية ، وعندما تحدث مشكلة أو أزمة تجدهم أول من يهربوا ، ويفروا من المعركة
فكلنا للوطن حماة ، ووطنيتنا لايشكك فيها الا مكابر. وعندما يطلبنا الوطن لرأب الصدع واعادة البناء يكون لزاما علينا تلبية هذا النداء دون مساومة او مزايدة بل بعزة وكبرياء فالعودة للوطن من اجل الوطن منتصبا القامة مرفوع الهامة قمة الوطنية الغير خاضعة لاهواء المزايدين عليها ، فالوطني الغيور على وطنه داخل الوطن اوخارجه لا يستطيع احد ان ينازعه فى وطنيته او يشكك فيها لان حب الوطن ساكن فى الوجدان مهما بعدت المسافات وطالت الايام.
فالجميع ينام على نفس الوسادة ولكن احلامهم تختلف فالوسادة هي الوطن الوعاء والحضن الدافئ الذي يسع الجميع باختلاف احلامهم.
كونوا بخير