علي حسن الشاطر
بالنظر إلى مجمل النتائج الكارثية التي لحقت باليمن أرضاً وإنساناً بسبب مشاحنات وتناقضات ومكايدات القوى السياسية التي تخلت عن مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية وزجت بالوطن نحو المحرقة بخبث وبسابق إصرار، تتضح حقيقة أنه لم يعد هنالك طرف سياسي أو شبه سياسي أو اجتماعي أو شبه اجتماعي إلا وأدلى بدلوه في صناعة هذا الواقع المؤلم والمآل الكارثي الذي لم يكن يخطر على بال أي يمني أن تصل إليه البلاد، بكل ما ينطوي عليه من آلام وتدمير ومخاطر نفسية وسياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية متناسلة عن بعضها، ومتدفقة كسيل جارف يكتسح واقع الحياة بأبعادها ومكوناتها الماضوية والمعاصرة والمستقبلية.
الوزر الأكبر من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع والأزمات والكوارث المعاشة وما يحدث اليوم على الساحة اليمنية تتحمله كافة القوى والمكونات السياسية والاجتماعية المتصارعة بما أقدمت وتقدم عليه من ممارسات لا وطنية ولا أخلاقية، وما تنتهجه من سياسات غير موضوعية حبلى برزايا المشاريع الصغيرة القائمة على حسابات ومصالح ذاتية وفئوية آنية تعمل على خدمة الأجندات الخارجية وادعاء الانتصارات الوهمية التي يقتصر فحواها على إلغاء الوطن قبل إضعاف الآخر، وتعسف الحقائق والإصرار والعناد في استمرار ثقافة الاستحواذ والإقصاء الحاملة فيروس الإلغاء للآخر ورفض المبادرات الداخلية والخارجية الهادفة تقديم الحلول وتيسير المخارج، إما عن طريق التمترس وراء أطروحاتها غير المنطقية وغير المقبولة، أو ممارسة المماطلة لإفشال الحوارات؛ بالقفز إلى منطقة الاشتراطات التعجيزية المستحيلة، والتجاهل المتعمد لتفاصيل ما يعج به واقع اللحظة التاريخية اليمنية الراهنة والخطيرة، التي تجاوزت كل الاحتمالات، واحتشدت فيها مرة واحدة كل المصائب والأزمات المدمرة، بكل ما أفضت إليه من آلام وأعراض ومظاهر معاناة يتجرع مرارتها المواطن اليمني البائس ويدفع ثمنها من حياته وأمنه واستقراره ومقدرات وطنه، وبكل ما أحدثته من تصدعات وتشوهات نفسية وفكرية وقيمية وأخلاقية ووطنية في النسيج المجتمعي اليمني.. والأدهى من ذلك أن مستقبل هذا الوطن المثخن بالجروح باتت تقرر مصيره وتحدد طبيعته وهويته خيارات وأشكال جديدة من الانتهازية السياسية والاجتماعية الصارخة والتصورات والسياسات الارتجالية والممارسات الخاطئة غير المدروسة والمحكومة بتبعية الانجرار وراء بريق مشاريع داخلية وخارجية تؤكد معطيات الواقع واحتياجاته بما لا يدع مجالاً للشك، إنها أشراك خداع تفصح عن العلة أكثر من إفصاحها عن الدواء.
ما جعل الصراع في الساحة اليمنية يختلف عن غيره من دورات الصراع والعنف التي شهدتها منذ أكثر من خمسة عقود.. هو تحرك جميع أطرافه داخل إطار مشاريعهم الذاتية الخاصة ووفقاً لحساباتهم السياسية والحزبية الأنانية والضيقة، واستجرارهم لأمراض ماضوية ناضل اليمنيون الأحرار من أجل استئصالها بهدف إقامة مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل يتساوى فيه جميع أبناء الشعب في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو السلالة أو اللغة أو العقيدة أو المذهب.
أسباب ومحركات صراع اليوم وطاقة دفعه السياسية والاجتماعية والداخلية وروافد دعمه الخارجية مسخرة باتجاه إثارة الفتن والنزعات المناطقية والجهوية والمذهبية والسلالية، وتعزز من مقومات الفرز والتأطير والتمزق داخل الكيان الوطني، وفي هذا يتجسد الخطر الداهم الذي يهدد وحدته وهويته ويفقدها أهم شروط صمودها في التاريخ والحياة، ففي ظل استمرار مسار النشوء والتطور المشوه للأحداث فإن كل المؤشرات تصب في تأكيد أن اليمن ذاهب في منحدر اضمحلال الدولة وانهيارها الكامل وتفكيك وتمزيق الوطن وزوال أشكال سلطاته، وبرغم كثرة ما تشهده ساحة هذا الوطن من أحداث جسام وتحولات مصيرية كبيرة بسبب تمادي الساسة في تعميق النزعات الانقسامية- فإن الأخطر منها هو مشاعر الاغتراب عن الوطن والدولة الجامعة، وإعادة بعث وإحياء هويات ما قبل الدولة ذات العناوين المناطقية والمذهبية والقبلية والجهوية ومدها بأسباب التعارض الاجتماعي والضدية السياسية والثنائية التصادمية وغيرها من الممارسات التي تثير مشاعر الخوف المروعة من استمرار الانزلاق في مستنقع صراع واقتتال أهلي، وتمزق وتناحر وتشظي، ومستقبل مجهول لا قِبَلَ لأبناء اليمن به ولا خِبْرَة لهم بجنونه وآثاره المدمرة.
//نقلا عن الرياض//