عبدالملك شمسان
من الطبيعي أن لا يكون قرار القصف الجوي قد اتخذ من قبل التحالف العربي في يوم وليلة وإن كان الهجوم قد جاء مباغتا ومفاجئا للجميع، إذ لابد دون قرار كهذا من مشاورات ومباحثات إقليمية ودولية مكثفة، وأن تسبقه ترتيبات كثيرة، والواضح أنه لم يتخذ خلال الأيام القليلة الماضية، ولا كعملية استثارها نهار ذلك اليوم إعلان صالح والحوثيين دخول قواتهم إلى مدينة عدن حيث مقر الرئيس هادي.
أعود هنا إلى قبل شهرين، وتحديدا 11 فبراير الماضي، حين اتخذت السفارات الأجنبية في صنعاء قرارا بإغلاق أبوابها وترحيل موظفيها الأجانب.. اجتهدت قنوات التلفزة والمعنيون بالسياسة تلك الفترة في تقديم تفسيرات لهذا الرحيل الجماعي والمفاجئ، وقدموا له تفسيرات وتبريرات كثيرة من قبيل أنه احتجاج على الانقلاب على الشرعية، وأنه أداة ضغط على الانقلابيين، أو أنه استجابة للوضع الأمني المضطرب، ونحو ذلك، لكن ما يتضح اليوم هو أن ذلك الرحيل كان قرارا مترتبا على البت في قرار الضربة العسكرية التي نشهدها اليوم، وكأن التأخر في تنفيذ هذه الضربة من ذلك الحين راجع إلى الحصار الذي أطبقه صالح والحوثيون على الرئيس هادي في صنعاء حتى تمكن من الخلاص والمغادرة نحو عدن في 21 من ذات الشهر.
انتفض صالح والحوثيون عقب تمكن الرئيس من الهروب إلى عدن، وأرادوا أن يجتاحوا الجنوب لفرض واقع جديد يستميلوا به موقف الخارج، ويقدموا به أنفسهم بوصفهم الطرف الأقوى، فضلا عن اعتقادهم أن بسط السيطرة على عدن والجنوب سيصرف الخارج عن قرار الضربة العسكرية التي كانت –بالنسبة لهما- أمرا محتملا لا مؤكدا.
دخل قرار الضربة العسكرية الجوية حيز التنفيذ قبل سيطرتهم على عدن، ويبدو غريبا اليوم أن يواصلوا الحرب ضد الوسط والجنوب في ظل القصف الجوي المستمر من دول التحالف، وكأنهما -أي صالح والحوثي- ما يزالان يعتقدان أن بمقدورهما السيطرة على كل البلاد وتقديم أنفسهما للأمريكان والخارج بوصفهما الطرف الأقوى والأقدر على السيطرة، وذلك تبعا للفكرة السياسية الشائعة التي تقول إن الخارج يتعامل مع الطرف الأقوى، وهذه الفكرة ليست صحيحة على الدوام، إذ الصحيح على الدوام هو أن الخارج مع الأفضل لا مع الأقوى، والأفضل بالنسبة لهم بالطبع.
بسقوط الرئيس والرئاسة في العاصمة صنعاء، بدا لـ"صالح" أن المرحلة الجديدة قد حانت وحان قطافها، وأنه صاحبها، فراح يخرج المظاهرات المطالبة بترشيح ابنه أحمد للرئاسة، وبدأ التصريح بمشاركته في الحرب على الجنوب من خلال إعلامه الذي انفجر بعناوين تتحدث عن تقدم الجيش الذي تواليه قيادته في العند ولحج وإلى يوم دخول عدن، وهي المرة الأولى التي يبدأ فيها بالتصريح عن شراكته وتحالفه مع الحوثيين، وقبل هذه المظاهرات وهذا الأداء الإعلامي قام –حسب قناة العربية- بإرسال ابنه أحمد للتفاوض مع المملكة العربية السعودية مقدما نفسه الوكيل القادر على إدارة المرحلة القادمة من بوابة الحرب على الحوثيين، إلا أن المملكة رفضت العرض ولم تنظر إليه من الزاوية التي ينظر بها إلى نفسه.
صفة "الأقوى" التي يستند إليها مع حليفه الحوثي تتلاشى الآن بالقصف المستمر من قوات التحالف، وبات مؤكدا أن حلم أسرة صالح بالعودة إلى الحكم قد انتهى تماما، والمستقبل القريب سيكشف أن ما يدعمه الخارج الآن هو صيغة جديدة للحكم في اليمن تتجاوز كل الذين اعتاد الشعب اليمني على ترديد أسمائهم كحكام ومراكز نفوذ خلال عقود من الزمن، ومن أبناء الشمال والجنوب على حد سواء.
?