عبد الملك شمسان
جدل واسع ومستمر بشأن العلاقة التي يقيمها الحوثيون مع إيران، ويتوازى معه جدل أوسع بشأن تصعيدهم ضد دول الجوار في الخليج العربي.
والحديث في العلاقات اليمنية الخارجية حديث طويل كثير التفاصيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، وهو ما ستتجاوزه هذه الأسطر إلا من إجمال بعض ما يمكن أن تستوعبه مقالة قصيرة.
وإذا سلمنا بشرعيةٍ للحوثيين في بناء مستوى جديد من العلاقة مع إيران على نحو ما يجري الآن، فهذا لا يبرر أبدا إساءاتهم واستعداءهم للسعودية ودول الخليج، بل هو تعمد واضح لإلحاق الضرر الفادح والمباشر باليمن واليمنيين، ولا عزاء للشعب اليمني ولا بصيص أمل في تفادي هذا الضرر إلا التعويل على المملكة ومعرفتها برأي أغلبية اليمنيين في هذه الإساءات، ومعرفتها كذلك بالحوثيين وعدم اعترافها بشرعية سلطتهم.
إن ترويج الحوثيين لدولة إيران وتقديمها اليوم كدولة مستعدة لدعم اليمن ليس إلا تضليلا للرأي العام يستغل شعور اليمنيين بالفقر والحاجة، فيما تنبني هذه العلاقة في حقيقتها على أمور لا صلة لها بقواعد وأسس العلاقات الخارجية ومصالح البلاد والشعب اليمني.
وحتى إذا صحت منها هذا الوعود بالدعم، فإن تقييم العلاقات الدولية بميزان من سيدفع أكثر هو تسطيحٌ لمفهوم العلاقات الخارجية، ومنطقُ ارتزاق لا منطق رجال دولة.
لم تكن اليمن في يوم من الأيام غنية عن الدعم الخارجي، من إيران وغيرها، فما الذي كان يمنع إيران من دعم اليمن خلال كل العقود الماضية..!؟ وما الذي استجد اليوم حتى تبسط يدها وقد ظلت مغلولة إلى عنقها طيلة تلك الفترة؟ سؤال مبني على افتراض صحة ما يتحدث عنه الحوثيون من وعود إيرانية مع غلبة الظن بأن العكس هو الصحيح، إذ لم تتلق اليمن حتى الآن أي دعم إيراني، ذلك أن ما ورد على لسان الوفد الحوثي العائد مؤخرا من طهران من تعهدات إيرانية بتوفير بعض متطلبات اليمن من الوقود والطاقة لم يكن حديثا عن منح مجانية.
علاقة اليمن بإيران ليست وليدة اللحظة، وسفارة إيران تعمل في صنعاء منذ زمن، ولم يطالب أحد بإنهاء هذه العلاقة، بل ظل الجميع متفقين على تمتينها وفق قاعدة الاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة، شأنها في ذلك شأن غيرها.
وأغلبية اليمنيين يرفضون ما يبنيه الحوثيون اليوم من مستوى جديد في العلاقة مع إيران، أو فلنقل جدلاً إنهم يتحفظون على ذلك مجرد تحفظ، وكلا الرفض أو التحفظ قائم على اعتبار أن الطرف اليمني في هذه العلاقة هو السلطة غير الشرعية للبلد "جماعة الحوثي".
ورغم ذلك وبغض النظر –مؤقتا- عن هذه الشرعية من عدمها، فإن هذه العلاقة لا تبرر أبدا إساءات الحوثيين للآخرين، فكيف إذا كان هؤلاء الآخرون هم دول الخليج، وفي مقدمة دول الخليج المملكة العربية السعودية التي يضيق المجال عن سرد مبررات تمتين العلاقة معها، ويكفي من ذلك أنها تحتضن قرابة مليوني مغترب يمني!؟
في كثير من البلدان، وفي كثير من الأوقات، تضطر السلطات في أي دولة –سواء كانت شرعية أو غير شرعية- لخوض أزمة مع أطراف خارجية، ويكون متاحا للجميع في الداخل والخارج أن يفهموا أكثر أسباب هذه الأزمة وأهدافها، وأن يتتبعوا التطورات الميدانية والإعلامية للأزمة، وتكون هذه السلطة أحوج ما تكون للتعامل الشفاف مع الشعب في الداخل بغية الحصول على دعمه ومساندته، فضلا عن رفع جاهزيته للتعامل مع هذه الأزمة، إلا أن الحوثيين انفجروا في وجه المملكة ودول الجوار لمجرد أن هذه الدول لم تعترف بشرعية انقلابهم، وراحوا في إدارتهم لهذه الأزمة يتعاملون مع دولة عظمى في المنطقة كما لو أنها ليست إلا تجمعا لطلاب مغلوبين على أمرهم في مركز للحديث!!
أراد الحوثيون الخلاص من الطلاب السلفيين في دماج كمقدمة لتأمين انطلاقهم نحو صنعاء، فوصفوهم بالتكفيريين والإرهابيين وشنوا عليهم الهجوم المسلح، ثم أرادوا دخول عمران فأطلقوا على قيادة المحافظة وقيادة اللواء 310 ذات التهم وشنوا عليهم الهجوم المسلح، وأرادوا أن يحشروا الإصلاح في زاوية الخصم ليستميلوا بخصومته بعض الخارج ويحيّدوا بها بعض الداخل فلم يترددوا عن اتهامه بذات التهم كمبرر يستحلون به مقراته والعدوان على قياداته وقواعده، وكذلك فعلوا في عدوانهم على معسكرات صنعاء، ولما وصلوا إلى الرئيس هادي اتهموه بذات التهمة وإذا به وقد أصبح قائدا من قيادات تنظيم القاعدة –حد تعبير أكثر من شخص من قيادات الصف الأول لديهم، وبين كل هذا أطلقوا تهمة الارتباط بالقاعدة على عدد من قيادات المؤتمر الشعبي العام وغيره من الأحزاب، ومارسوا بحقهم نفس السلوك العدواني، وبدا غريبا أن ينفجروا ضد السعودية بالتصعيد الإعلامي، والانتقال مباشرة إلى إجراء المناورات العسكرية على حدودها كتهديد مباشر بالغزو المسلح.
جماعة تجمع بين العقلية المتحجرة، والنفسية العدوانية التدميرية، فكيف يمكن لمنتسبيها وأنصارها –فضلا عن غيرهم- أن يثقوا بقيادتها وهي لا تفرق بين أزمة وحرب تخوضها ضد مجموعة طلاب، وبين أزمة وحرب تخوضها ضد دولة عظمى في المنطقة!؟
وإذا كانت لا تستحق ثقة مؤقتة لإدارة أزمة افتعلتها فكيف يمكن الوثوق بها للبناء والإعمار والنهضة والتطور!؟ وإذا كان هذا وضعها على مستوى الداخل فكيف يمكن لأي طرف خارجي أن يبني معها علاقات استراتيجية مستقرة قابلة للتنمية!؟
ما يفعله الحوثيون في إساءتهم وتصعيدهم ضد السعودية والخليج لا يمكن وصفه في أبسط مظاهره وآثاره بأقل من أنه مجزرة سياسية بحق علاقات اليمن بهذه الدول، ومجزرة اقتصادية بحق الشعب اليمني، وكأنه لم يكفِ الحوثيين ما لا يزالون يرتكبونه في الداخل من مجازر سياسية واقتصادية تزداد كل يوم سوءا وحدّة!!
* من حائط الكاتب على موقع "فيس بوك"