محمد جميح
كثر الحديث اليوم حول ملامح اتفاق على تسوية سلمية للبرنامج النووي الإيراني بين القوى الكبرى وإيران. وبموجب هذا الاتفاق، تتخلى إيران عن حلم القنبلة، مقابل رفع تدريجي أو كلي للعقوبات عليها.
المعادلة واضحة لدى المتحاورين. إيران قررت منذ فترة أنها لا تستطيع الحصول على القنبلة النووية حالياً، وأن المال بالنسبة لها الآن أهم من السلاح النووي.
تعلم طهران أن وجود القنبلة لن يغير كثيراً من معادلة القوة، لسبب بسيط، وهو أن إيران لن تستطيع استعمال القنبلة حال امتلكتها، لأن جوار إيران إما مسلح أصلاً بالقنبلة من قبل أن تمتلكها، أو أنه سيتسلح سريعاً بعد امتلاك إيران لها.
لا يمكن أن يكون هدف إيران من وراء الحصول على القنبلة هو قذفها على إسرائيل، لأن العداوة الحقيقية ليست بينها وبين إسرائيل، وإنما بينها وبين العرب الذين غطت على عدائها لهم بشعارات عدائها لإسرائيل، ولن تقذف طهران قنبلتها على تل أبيب، لأن لدى إسرائيل المئات من هذه القنبلة. كانت إيران تريد القنبلة كمكسب استراتيجي وسياسي، من أجل تهديد جوارها العربي، وبسط هيمنتها عليه بشكل كلي حسب أوهام إمبراطورية تاريخية ستدخل إيران بها في حروب لن تجني منها إلا الهزيمة الاقتصادية والسياسية في المدى القريب.
غضت إيران الطرف عن امتلاك القنبلة، ولو إلى حين، لأنها تريد المال، لا لإطعام شعبها الذي يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر، حسب التقارير الدولية، ولكن لتمويل مغامرات رجال الحرس الثوري في سوريا والعراق واليمن، لحسم معاركها المفتوحة هناك، حسب تصور قادة الحرس الثوري.
ومع وجود تقارير دولية ورسمية مرعبة عن الوضع الداخلي في إيران، إلا أن النظام يعيش على نوع من «الخدر الإعلامي»، الذي يحاول عن طريقه الهروب من مواجهة هذه المشاكل. الخزينة الإيرانية منهكة، والتقارير الرسمية تتحدث عن تفشي أمراض اجتماعية خطيرة في المجتمع الإيراني بفعل الحاجة الاقتصادية.
والحديث بشكل يومي عن ارتفاع معدلات الجريمة، والمعدلات الضخمة لتجارة وتعاطي المخدرات بين الرجال والنساء، وحتى بين الأطفال، وتفشي الجرائم الجنسية، وتغول الفساد، وملايين الشباب العاطل عن العمل، والآخرين الذين ينتظرون أول فرصة للهرب من سجن كبير يقف على بابه رجال الدين، والغليان الشعبي المتصاعد لدى غير الفرس من الشعوب الأخرى في إيران مثل العرب والكرد والآذريين، والبلوش، ناهيك عن انعدام الحريات المدنية والدينية لأبناء الطوائف الأخرى مثل السنة، الذين يقدم أبناؤهم بشكل شبه يومي إلى المقاصل بتهمة جاهزة، هي «محاربة الله ورسوله». كل ذلك يشكل رعباً يومياً للنظام في طهران الذي ظل لعقود يمني الناس بالعيش الرغيد تحت راية العدالة المهدوية التي لا يظلم تحتها أحد، لأنها تحظى بتأييد «إمام الزمان»، الغائب الذي عقد الراية للخميني، ولخامنئي من بعده حسب العقيدة السياسية الإيرانية.
تحاول إيران بالطبع الهروب من هذه المشاكل الداخلية المتفاقمة، باجتراح خطاب ثوري تحول مؤخراً إلى خطاب إمبراطوري، لا يعدو كونه ترهيباً إعلامياً عن القوة الإيرانية الموجودة على شواطئ البحر الأحمر وباب المندب والبحر الأبيض المتوسط، والحديث عن بوارج إيران على سواحل أمريكا اللاتينية، وغزو أمريكا في عقر دارها، والحديث عن قاسم سليماني الذي يوجد في كل المعارك، ويقود كل الانتصارات، فيما هو يحضر لأخذ الصور في مكان ما ثم يختفي، ليترك المقاتلين لمصيرهم، ثم الأحاديث الإعلامية عن السيطرة الإيرانية على كل شواطئ الخليج، وحديث عن مناورات بحرية وجوية وبرية، وأحاديث عن أجيال جديدة، وأسماء جديدة من الأسلحة التي أنتجتها إيران، ناهيك عن طائرات تمت فبركة صورها، والقرود الإيرانية التي ذهبت في صواريخها إلى الفضاء، قبل أن يتمكن خبراء التصوير من فضح هذه الصور، التي تم تركيبها في ورشة صور في طهران. ثم أحاديث أحد مستشاري الرئيس حسن روحاني الأخيرة حول إيران التي أصبحت إمبراطورية كبرى عاصمتها العراق أو بغداد.
كل ذلك الطحين الإعلامي لن يغطي الحقيقة المرة التي سيواجهها النظام في ما بعد، والمتمثلة بأنه أهدر مليارات الدولارات من قوة الإيرانيين على حروبه الطائفية في المنطقة، وعلى برامج تسلح نووي اضطر لإيقافها بعد أن انفق عليها من دم وعرق ومال الإيرانيين الكثير.
أدرك النظام الإيراني أن ملايين الإيرانيين في الداخل لن يغفروا له مغامراته الخارجية على حساب قوت أطفالهم، فاستمات من أجل الحصول على المال لحسم معاركه الخارجية، حسب تصوره، لاقناع شعبه، بجدوى هذه المعارك التي يتغافل النظام عن حقيقة أنه لن يحسمها، مهما أنفق من مال وجهد ووقت، لسبب بسيط وهو أن مثل هذه المعارك لا يحسمها إلا أبناء الأرض الذين يقاتلون دفاعاً عن أرضهم، وأن كل الذين جاؤوا إليها ممن تسوقهم طهران للقتال في سوريا وغيرها بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة سيخرجون منها عاجلاً أم آجلاً.
يقول صحفي غربي لمحمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، إن إيران تسعى من وراء البرنامج النووي إلى تصنيع قنبلة، ويبتسم ظريف بسمة يحاول الإيحاء بأنها بسمة دهاء، ويقول «لدينا فتوى من الإمام الخميني تحرم الحصول على السلاح النووي». الفتوى اليوم مناسبة، والحديث عنها ضروري، لأن إيران بصدد التسليم بحرمانها من القنبلة التي حلمت بها طويلاً، رغم فتوى الخميني التي كانت إيران ستجد لها حلاً، لو تمكنت من تصنيع القنبلة، كما وجدت حلاً لفتواه في إباحة دم سلمان رشدي من قبل.