علي ناجي الرعوي
قبل إعلان الخارجية الأمريكية عن إغلاق سفارتها في صنعاء وقيام السفير الأمريكي ماثيو تويللر بالانتقال إلى عدن لمقابلة الرئيس عبدربه منصور هادي للتعبير عن مساندة البيت الأبيض له كرئيس شرعي للبلاد كان هناك منهم على قناعة في صنعاء وعدن من أن الإدارة الأمريكية وبعد التغيير الجوهري في المشهد السياسي اليمني ستقوم بإعادة النظر في إستراتجيتها باليمن وذلك ما حدث فعلاً فقد اتجهت إلى تغيير سياستها واتباع مواقف يلفها التناقض فهي من ناحية تبدي دعمها لشرعية الرئيس هادي ومن الناحية الأخرى ترفض أن تكون في مربع (الضد) لمن ينازعونه هذه الشرعية أو يعتبرونه فاقداً لأي شرعية تخوله بالاستمرار في منصب الرئاسة.
الثابت والصحيح أن الرئيس هادي بعد تسلمه مقاليد الحكم في اليمن نهاية فبراير 2012م حاول أن يتقدم في النقاط على سلفه من حيث كسب ثقة الإدارة الأمريكية عن طريق التفاعل مع الوصفات التي دأب الأمريكيون على رسمها للمشهد اليمني وتطوراته إلى درجة كانت فيها واشنطن حاضرة في كل المبادرات والأحداث التي يشهدها اليمن بل ان الرئيس هادي حرص خلال سنوات حكمه على بناء توازناته ضمن نطاق تلك العلاقات والتي ظل يستقوي بها على الخصوم التقليديين الذين طالما سعوا إلى خنقه وإضعافه وإظهاره عاجزاً عن إدارة التناقضات التي تكتنف الواقع اليمني وهو ما جعله في كثير من الحالات يلجأ إلى ترويض هؤلاء الخصوم عبر الخارج وتحديداً الطرف الأمريكي الذي كان يعمل في نطاق نظام الإخطبوط فيترك طرفاً ويمسك بطرف آخر ويشعل أزمة ويتدخل لإنهاء أخرى ورغم أن ذلك قد وفر للرئيس هادي فرصاً للمناورة لبعض الوقت فإنه الذي غاب عنه كما غاب عن سابقيه من الزعماء العرب الذين راهنوا على علاقتهم بالبيت الأبيض من أن واشنطن لا تحب ولا تكره وأنها التي تبني توجهاتها وفق منظور براغماتي بحت فتقرأ كل المعادلات لتختار في النهاية ما يخدم مصالحها.
من المؤكد أن اليمن في السنوات الأخيرة كان محل إشادة الإدارة الأمريكية التي كانت تعتبره نموذجاً في الحرب على الإرهاب غير أن تلك الإشادات صارت دون معنى يذكر أمام التعاطي الأمريكي السلبي مع تطورات الأزمة اليمنية والذي شعر معه الجميع أن واشنطن قد تخلت عن الملف اليمني إذ لم يصبح بالنسبة لها ليس أكثر من ورقة لمقايضة ومساومة المحور الروسي – الإيراني الأمر الذي دفع بالكثير إلى التساؤل: هل تغيرت سياسة الولايات المتحدة في اليمن؟ سؤال ظل العديد من اليمنيين يبحثون له عن إجابة منطقية لتفسير أسباب ما بات يعرف بتراجع الحماس الأمريكي حيال الأحداث الخطيرة والمعقدة التي تشهدها بلادهم ولاسيما بعد أن ظلت واشنطن لفترة طويلة ممسكة بتفاصيل مجريات هذا الملف اليمني ومهيمنة عليه عبر اتصالاتها التي لم تنقطع مع كافة القوى القبلية والسياسة والأطراف الفاعلة على الأرض بما فيهم حركة (أنصار الله الحوثية) التي ارتبطت بطريقة أو بأخرى بالإستراتيجية الأمريكية في الحرب على الإرهاب.
تعرف الولايات المتحدة أن الحالة اليمنية مرشحة لأن تكون مثالاً للدولة الفاشلة. وتعرف أيضا أن ليس من مصلحة واشنطن أن يتحول اليمن إلى صومال جديد كما تعلم واشنطن أن استخدام ورقة اليمن للمقايضة في مباحثاتها مع الجانب الإيراني بشأن البرنامج النووي ليس سوى الستار الذي سيفضي إلى جعل الخليج العربي بين فكي كماشة تحاصره إيران من الشمال والجنوب والشرق ومن ثم فإنها التي ستصبح غير قادرة على التحكم بعواصف الفوضى في مضيق باب المندب الذي يعد ممراً مائياً مهماً للتجارة الدولية ولا نظن أن الولايات المتحدة تجهل عواقب ترك اليمن للقلاقل والصراع الإقليمي والنتائج التي قد تترتب على ذلك وأخطرها وضع يمني مختل لعشرات السنين.
/الرياض/