محمد صالح المسفر
تحيط بكم إيران من كل جهة، وخلاياها الثورية المتربصة تنخر جبهاتكم الداخلية، تثقيفاً وتنظيماً وتمويلاً وحصانة مستقبلية، لحماية أسر تلك الخلايا وأفرادها، وأنتم في خلافاتكم منشغلون، وكذلك في ملاحقاتكم كل صاحب رأي أو محتج على سياساتكم الداخلية والخارجية، ولو كان بطرق سلمية. انظروا إلى داخلكم، كم عدد المعتقلين من أصحاب الرأي في سجونكم، وقارنوهم بعدد المعتقلين بتهمة الفساد وسرقة المال العام، أو التهاون في تبذير المال العام، حتما ستجدون معتقلي أصحاب الرأي في معتقلاتكم يزيدون أضعافا عما عداهم.
اسمحوا، يا قادتنا الميامين، لمواطن غيور عليكم وعلى هذه البقعة من العالم العربي "دول مجلس التعاون الخليجي"، أن يصرخ بأعلى صوته، منبها لخطورة قادم الأيام، علّكم تسمعون صرخاته، بقوله "إنكم أصحاب الفرص الضائعة". ضاع العراق وسورية ولبنان، واليمن في طريقه إلى الضياع، ولا أستبعد المنامة بعد صنعاء.
(2)
تجوب أرض العراق، اليوم، جهاراً نهاراً، الدبابات والمدرعات وحاملات الصواريخ والمدفعية الثقيلة الإيرانية وجحافل الحرس الثوري الإيراني، بقيادة الجنرال قاسم سليماني (الحاكم الفعلي للعراق)، تحرسهم طائرات بدون طيار إيرانية، وتعينهم طائرات التحالف الدولي ضد داعش، هدفهم الأول إبادة تكريت ومن عليها من البشر، ويعقبها التدمير الشامل لمنطقة الأنبار. ثأر تاريخي بين الفرس والعرب في هذه المنطقة من جغرافية العراق، وأنتم تنظرون. يقول وزير خارجية السعودية، الأمير سعود الفيصل، الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي جون كيري، "إيران تحتل العراق"، لكن الأمير لم يقل لنا ماذا بعد؟ حدود الأنبار، يا سمو الأمير، متاخمة لحدود المملكة، والفرس لن تمنعهم الخنادق العميقة والأسلاك الشائكة المنصوبة على الحدود، ولا حقول الألغام المبثوثة، فقد تدربوا في حروب ضروس بين العراق وإيران دامت ثمانية أعوام، ويعملون جنبا إلى جنب، في سورية مع حزب الله، المدرب لخوض حروب المدن والجبال وحتى الصحاري. ويعدون أنفسهم للمواجهة ليوم لا أراه بعيداً على أرض جزيرة العرب. إذا لم نتخذ كل التدابير، ليس لمنع التمدد الإيراني عبر الأنبار إلى السعودية، وإنما
لعدم تمكينهم من العراق. الأنبار أيضا متاخمة لحدود الأردن، الحليف القوي لدول مجلس التعاون الخليجي إن أحسنا التعامل مع الأردن. لا جدال في أن الخطر محدق بالسعودية والأردن والكويت، فهل من خطة عاجلة لاتخاذ التدابير الكافية لردع التمدد العسكري الإيراني في العراق وجواره، والحيلولة دون إبادته أهل الأنبار، انتقاما وحقداً على العرب، والعراقيين خصوصاً.
(3)
في اليمن، جنوب المملكة العربية السعودية، وعلى الحدود العمانية، تتسارع وتيرة الأحداث، طائرات إيرانية تهبط في مطار صنعاء. ماذا تحمل؟ إنها تحمل المتطوعين والمجندين من كل فج عميق، تحط بهم في اليمن، وتحمل لهم السلاح والمعدات الحربية، بكل أنواعها، لمساعدة الحوثيين، لإكمال المهمة، وهي السيطرة على مأرب وشبوه والجوف وجميع مناطق الثروة المعدنية في جنوب اليمن وشرقه. إعطاء فرصة للحوثيين من دول الجوار لاستقبال مزيد من المتطوعين والمجندين الإيرانيين سيعقد الأمر في اليمن، وسنواجه حرباً طويلة المدى، أو انتصار إحدى القوتين، أعني الحوثيين أو معارضيهم. يموج الشارع اليمني بالجماهير الرافضة انقلاب الحوثيين، حتى في صنعاء معقل الزيدية، وتحتاج إدارة الطوفان البشري الرافض للهيمنة الحوثية ــ الإيرانية. نحتاج أن يتفتق مجلس التعاون الخليجي بخطة استراتيجية سريعة التنفيذ لإسقاط الحوثيين، ومن يساندهم في الداخل والخارج. تسليح القبائل وتمويلهم لمواجهة الإنقلابيين في صنعاء لا يكفي، فقد مررنا بهذه التجربة في الخمسين عاما الماضية، ولم تعد مجدية.
الالتفات إلى شباب الثورة الذين أسقطوا نظام علي عبد الله صالح، وإلغاء المبادرة الخليجية، وتقوية ما تبقى من الحكومة التي انتقلت إلى عدن، أمور أكثر نفعاً في الحالة اليمنية. ذلك لا يعني إهمال المجتمع القبلي. ولكن، لا يجب المراهنة عليه. القبائل اليمنية أنهكتها الحاجة والندرة المالية. وعلى ذلك، وطبقا لممارسات وتجارب سابقة، أخشى أن تكون القبيلة معك نهاراً، ومع الحوثيين والإيرانيين ليلاً، لأن كلاً من الطرفين سيدفع مالاً.
(4)
انقسامكم، قادة دول مجلس التعاون، في الشأن اليمني، يحقق انتصار إيران والحوثيين. تفيد التقارير بأن كل ملفات ومحاضر الحوار بين الأطراف السياسية اليمنية الذي يكون فريق علي عبد الله صالح والحوثيين طرفاً مع بقية الأطراف اليمنية، تنقل إلى طهران قبل غروب شمس كل يوم، وتأتي التوجيهات إلى طرف خليجي، لينقلها إلى صعدة، ومنها إلى صنعاء. وهذه خيانة وطنية وقومية، لن يغفرها أهل اليمن لذلك الطرف الخليجي. الواجب الوطني لكل لدول مجلس التعاون في الشأن اليمني ألا يخلطوا بين عدائهم الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح في اليمن، فالأخير حزب سياسي، عقيدته إسلامية، لا يتربص بأحد خارج الحدود اليمنية. ولذلك، أدعو إلى التعاون مع هذه القوة الحزبية التي تملك رصيداً سياسياً ومكانة قبلية، وتجاهل هذا الحزب من أي قوة، تقف في مواجهة الحوثيين وتمددهم، خطأ استراتيجي رهيب.
(5)
بقي أسبوعان على موعد التوقيع على "اتفاق إطاري عام" حول الملف النووي الإيراني، وستعمد إيران إلى التوسع الجغرافي على حساب الوطن العربي، وحتى نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل. هدف إيران، في الأجل المنظور، هو الاعتراف الغربي والأميركي لها، بأنها القوة الوحيدة القادرة على حفظ المصالح الغربية في الشرق الأوسط، وأنها ستكون الحليف الأكبر والأقوى للغرب في المنطقة.
أما الإدارة الأميركية، فإنها تريد أن تحقق مستقبلا للحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، لتقول للناخب الأميركي إنها لم تصنع حروباً تحرق الشباب الأميركي في تلك الحروب، وإنها استطاعت القضاء على قيادات إرهابية، مثل أسامة بن لادن، وتدمير الأسلحة الكيماوية للجيش السوري من دون حروب، وإنها جادة في منع إيران من دخول النادي النووي.
آخر القول: إن أردتم القضاء على تنظيم القاعدة في اليمن، اقضوا على أسباب وجوده، وهم الحوثيون ونفوذ علي عبد الله صالح.
/نقلا عن العربي الجديد/