صادق ناشر
تجسد الأحداث في اليمن اليوم واحدة من الصور الرمادية لأوضاع بلد يقترب من انفجار شامل، فوجود الرئيس عبدربه منصور هادي في عدن منذ فراره من صنعاء محتمياً بشرعية، أراد المتمردون الحوثيون انتزاعها منه بعد استيلائهم على السلطة فعلياً في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول، وتمسك الحوثيين بمفاصل هذه الشرعية، يشير إلى تباعد في المواقف وعدم رغبة في حل الأزمة .
يجلب فرقاء الصراع إلى بلادهم العامل الخارجي بإرادتهم ليتحول هذا العامل إلى لاعب رئيسي وعنصر فاعل في الأزمات الحالية واللاحقة التي تعيشها البلاد، ومنذ أن سلم اليمنيون مصيرهم إلى اللاعبين الخارجيين تعقدت مشاكلهم واتسعت أزماتهم بعدما اصطف بعضهم إلى جانب طرف واصطفاف بعضهم الآخر إلى طرف ثان، وتحولت معها البلد تدريجياً إلى ساحة حروب بالوكالة كل ضحاياها من اليمنيين .
في الأحداث الأخيرة التي يشهدها اليمن تبرز إيران كطرف جديد قديم في الصراع، فالحضور الإيراني في اليمن ليس جديداً، إذ وقع جزء من البلد، وهو الشمال، تحت احتلال فارسي قبل ظهور الإسلام استمر عقوداً، وهو احتلال جاء بديلاً للاستعمار الحبشي، فيما ظل تأثير الفرس قائماً في بعض مناطق الجنوب، بخاصة عدن حتى ستينات القرن الماضي، إلا أن الحضور الإيراني اليوم في اليمن يأتي في وضع مختلف .
ليس من مصلحة أي طرف سياسي الاستنجاد بالخارج كلما أراد تكريس نفوذه وإقصاء خصومه لينفرد في الحكم، لأن الأجنبي لن يجلب له سوى الخراب والدمار، صحيح أن هذا قد يقوي طرفاً لصالح آخر، إلا أنه يسلب إرادته وقراره، وفي حالة الحوثيين فإن استنجادهم بإيران يأتي تحت شعار "التخلص من التبعية للخارج"، فيما يستعينون هم بالخارج بشكل أكثر سفوراً .
يأتي الإيرانيون إلى اليمن محملين بالإيديولوجيا قبل الطعام والشراب، ومشكلة اليمن في اقتصاده الضعيف الذي إن جرت معالجته فلن تحتاج البلد إلى أحد، وطوال التاريخ الحديث كان الاقتصاد هو نقطة الضعف الذي تسلل منه اللاعبون الأجانب إلى اليمن وعبثوا بمقدراته وإمكاناته، إضافة إلى جشع الحكام الذين ما إن يصلوا إلى الحكم حتى يبدأون بجمع المال ولو على حساب سيادة بلدهم .
مع الأسف تحولت إيران اليوم إلى لاعب رئيسي ومؤثر في اليمن، ومجيئها يعكس حالة الانقسام التي تعيشها الأوساط السياسية في البلاد، انقسام تغذيه هيمنة الحوثيين على العاصمة صنعاء منذ أشهر رافضين تقديم تنازلات لخصومهم ويمارسون التنكيل السياسي بهم بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى وجود هادي في عدن، الذي يحتمي بالشرعية مع ما يملكه كل طرف من أعوان وأنصار وممتهني إشعال حرائق، لا يهمهم شيء إلا إبقاء اليمن رهينة للأجنبي الذي لا يريد خيراً للبلد .
لم يتعلم اليمنيون من محطات سابقة عندما اقتتلوا فيما بينهم وتحولوا إلى وكلاء حروب لدول خارجية، وهم اليوم يسيرون في نفس الطريق الذي ساروا عليه في الماضي وكأنهم فقدوا القدرة على الإمساك بناصية الحقيقة وحولوا بلادهم من حيث أرادوا أو لم يردوا إلى ساحة نفوذ وصراع لأكثر من طرف خارجي .