د. محمد لطف الحميري
من عدن، أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بصريح العبارة ودون مواربة أن الحوثيين والرئيس المخلوع وإيران أسقطوا المبادرة الخليجية وأن صنعاء عاصمة محتلة، لكن طهران لم تكن لتنتظر هذا التصريح المتأخر فقد أعلن أكثر من مسؤول فيها أن رابع عاصمة عربية سقطت تماما تحت نفوذها وربما إمرتها وهاهو الجسر الجوي الإيراني دشن رحلاته بوصول أول طائرة إلى مطار
صنعاء الدولي الذي سيستقبل 14 طائرة أسبوعيا أما مطار صعدة الدولي فالجسر الجوي مفتوح ودون حساب لطائرات كبيرة أو صغيرة. لكن هل إيران قادرة على تمويل الدولة اليمنية التي أصبحت تابعة لها؟ هل الإيديولوجيا والشعارات والعداوات الوهمية لقوى الاستكبار قادرة على إطعام 30 مليون إنسان؟ ما هي خيارات الحوثيين لمواجهة الانهيار الاقتصادي؟
قبل الإجابة على الأسئلة المطروحة لابد من تفسير واقعي لسلوك إيران السياسي تجاه اليمن وهل هو لمجرد تنازع نفوذ جغرافي سياسي مع دول الخليج والسعودية خصوصا أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لليمن خصوصية دينية وتاريخية عند إيران ترتكز على ما تسمى (الثورة السفيانية) التي أكد عليها رجل الدين الشيعي علي الكوراني العاملي في كتابه (عصر الظهور)، يتحدث المؤلف عن ثورة تكون في اليمن وهي «أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق»، أما وقتها فإنه «مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي ببضعة شهور»، وأن عاصمتها صنعاء، أما قائدها فاسمه حسب الروايات (اليماني) وفي رواية اسمه (حسن) أو (حسين)، وهو من ذرية زيد بن علي.
واليمن بالنسبة لإيران كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل أن ينتزعها الإسلام، وهذا للأسف ما يحدد بشكل واضح مسار السياسة الإيرانية في هذا البلد المنكوب.
كان اليمنيون ينتظرون أن تعلن طهران مع قدوم أول طائراتها عن ضخ مالي للخزينة اليمنية المنهكة بمليارات الدولارات تتوزع بين مكافآت لمن قاموا بالثورة "الإسلامية" المضادة وأسقطوا صنعاء وبين دعم للسلع الأساسية والمشتقات النفطية التي كانت مبرر الحوثيين للثورة، لكن لا يبدو لي أن إيران قادرة على تحمل عبئ مالي جديد لأنها تواجه أزمة خانقة جراء تراجع أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية الدولية وهذا الواقع عبر عنه وزير الاقتصاد والمالية الإيراني علي طيب نيا عندما قال: إن هبوط أسعار النفط والعقوبات الدولية، أوجد ظروفا حرجة لاقتصادنا ونحن نخوض نتيجة لذلك حربا أسوأ من حربنا مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، هذا الوضع بالإضافة إلى التطورات في سوريا أدخل الاقتصاد في دائرة الركود التضخمي وانهيار حاد في أسعار العملة مما سبب معاناة وبؤسا للمواطن الإيراني الذي يدفع ثمن أجندات بلاده الخارجية.
الحوثيون يواجهون اليوم مأزقا سياسيا واقتصاديا حقيقيا لأن تداعيات إجراءاتهم الأحادية وكنسهم للنخب السياسية وكفرهم بكل نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل والاتفاقيات المبرمة انعكس سلبا على الاقتصاد اليمني الذي دخل منعطفاً جديداً جراء إيقاف التحويلات المالية الفردية إلى اليمن من أوروبا وأمريكا بالتزامن مع انسحاب السفارات والبعثات والشركات الكبرى من البلاد جراء تسارع وتيرة الأحداث وأجواء الحذر والترقب في انتظار تنفيذ الحوثيين ما يهددون به من تصعيد في الفترة المقبلة يبدأ بالزحف إلى عدن وإلقاء القبض على الرئيس هادي الذي أصدرت لجانهم الثورية أمرا بإلقاء القبض عليه بتهم بينها الخيانة العظمى.
اليمن اليوم يمر بظروف كارثية لم يشهدها في أحلك منعطفات الأزمات السياسية والحروب إذ حظر البنك المركزي الأمريكي أي حوالات فردية إلى اليمن وتعليق الحوالات المالية المتعلقة بالشركات، وربما تعجل تطورات الأزمة بوقف كل التحويلات الخارجية نهائيا خاصة من دول الخليج وهذا يعني وقف تحويلات نحو 6 ملايين مغترب يعيلون نحو 10 ملايين إنسان داخل اليمن ويرفدون خزينة الدولة بنحو 7 مليارات دولار سنويا، وإذا ما أضفنا لهذا العدد الذي سيتضرر من وقف التحويلات ما ذكره برنامج الغذاء العالمي من أن نحو 10.6 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي بينهم 5 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد فإن البلاد ستعاني من كارثة اقتصادية مميتة ولن يستطيع الحوثيون حتى تنفيذ برنامجهم الاقتصادي الذي بشر به عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير عندما قال: إن أحجار الزينة تمثل ثروة تغنيه عن المانحين. والحقيقة تقول: عندما يجوع الإنسان تنهار قواه فلا يستطيع حمل حجر عدا عن استخراجه ونحته.
إيران والحوثيون والرئيس المخلوع كُلفوا بمهمة تصفية أي وجود للإسلام السياسي السني وتقويض بنيته المادية والفكرية الأمر الذي جعل الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة يغضون الطرف عن السيطرة على صنعاء وعندما تجاوز الحوثيون وحلفاؤهم حدود المسموح وسقطت الدولة أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها وتبعتها دول أخرى وما لبث سفيرها وسفراء آخرون أن عادوا لمدينة عدن لترميم ما أفسدوه. وفي ظل الانهيار المتسارع للدولة وتوزعها بين أربعة رؤساء لكل منهم تلفزيون خاص به، أحدهم في عدن يستند إلى الشرعية الدستورية والدولية والآخر في صنعاء يستند إلى الإعلان الدستوري الحوثي وثالث يرفض صفة المخلوع ويقول إنه لا يزال صاحب القوة العسكرية وورقة (الجوكر) ورابع يهتف من بيروت بأنه الرئيس الشرعي للجنوب، يقف اليمنيون حائرين بين نار تنظيم القاعدة ورمضاء الحوثيين، والمستجير بهذين لن يأمن من خوف ولن يشبع من جوع، وفي المقابل لا يمكن لإيران أن تبني جامعة أو مدرسة أو مستشفى في اليمن وكل ما أمكنها القيام به حتى الآن هو بناء ضريح كبير في مسقط رأس الحوثيين لزعيمهم السابق حسين بدر الدين الحوثي والسفن التي تعبر مضيق باب المندب ولا تلتقطها الرادارات الأمريكية تحمل سلاحا فتاكا لقتل أعداء الثورة "الإسلامية".
//نقلا عن الشرق القطرية