د. أحمد محمد قاسم عتيق
يأبى اليمن إلا أن يتعافى من مواجعه الثقيلة, وآلامه الخطيرة, التي تسبب في حدوثها أصحاب الأجندات الخارجية,الذين يريدون لليمن الألم, والدمار, والخراب عبر تصفية حساباتهم على هذه الأرض الطيبة, فكانت ثورة 11فبراير الباهرة في مضمونها, وتكوينها, وأهدافها خير علاج لبلدنا كي تخرج من وجع الاستبداد, والقمع, إذ أوصلتنا هذه الثورة السلمية عبر أحداثها المتلاحقة إلى التسوية السياسية التي تضمنتها المبادرة الخليجية, وآليتها التنفيذية, إذ دُعمت دولياً بالقرارات الأممية في شأن اليمن, ما أفضى إلى تجلي إرادة الشعب بتعبير واضح تبينت فعاليته وقوته في انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً لليمن في 21فبراير 2012 .
ومنذ ذلك التاريخ حِيكت المؤامرات على البلد ما أدى إلى مجموعةٍ من الأحداث كان أقلها خطراً زعزعة الأمن والاستقرار, وأكثرها خطورة قد يكون تشظي وتمزق الوطن, الذي يعمل من أجله أصحاب الثورة المضادة; تحت شعار الدفاع عن الوطن, وتحريره والحفاظ على وحدته. يسيطرون على كل شيء الجيش, الأمن, الموارد, مداخيل الخدمات, كل ذلك في اتجاه جيب السيد وصعدة, المركز المقدس الذي يُراد له أن يكون منطلقاً, ومركزاً لحكم اليمن, عاصمة المرشد لتكن صنعاء بسكانها, ومكوناتها, ومؤسساتها دميةً يحركها المرشد كيف يشاء ! إذا ما رضخ الشعب لذلك.
أما إذا لم يستسلم اليمنيون فإن كل ما تقوم به حركة الحوثي منطلقة من مركزها المقدس الموهوم, ستكون مجرد أوهام تعيشها, لاسيما إذا لم تراجع حساباتها, لتستوعب أن الرهانات على الخارج خاسرة ومهزومة, وأن الشراكة بين اليمنيين جميعاً هي الوعاء الأوحد الذي تستطيع به الدولة الانطلاق نحو التقدم في فضاءات الديمقراطية, والرخاء الاقتصادي .
لذلك كان 21 فبراير 2012 تعبيراً صريحاً عن مضمون هذه الشراكة وانها الممكن الوحيد للتعايش, واستيعاب الآخر أياً كان لونه, وعنوانه, وخلفيته السياسية, أو المذهبية, أو المناطقية, لأن خارطة الجيوسياسية اليمنية المعقدة لا تحتمل مزيداً من الصراع . لهذا توافق اليمنيون على انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً يقود المرحلة الانتقالية باستحقاقاتها المختلفة نحو الوصول السليم لتأسيس الدولة المدنية الحديثة التي لا تعترف بغير القانون أداة, أو موضوعاً للعلاقة السياسية أو الاجتماعية على وفق العدالة, والمواطنة المتساوية للجميع, وبينهم.
اهتزت ثقة اليمنيين بما أنجزوه نتيجة للصراع المحتدم بين القوى المتناقضة التي تحاور, وتقاتل في آن واحد, فتعرضت طبقاً لذلك مكتسبات الثورات اليمنية, وآخرها 11 فبراير 2011 للاهتزاز, والتشويه, وتخريب مفاهيمها مِن قبل مَن ينتمي إلينا ويتكلم بلساننا, ويحمل الهوية ذاتها, إلا أنه يلبس كل ذلك ليمرر أجندات لا علاقة لها بالوطن, مضمونها, و جوهرها يتمحور حول فرض الهيمنة, وبسط النفوذ لقوى إقليمية معينة تهتم بمصلحتها, وطائفتها, ولا علاقة لها في الواقع بما يُعتمل من طموحات اليمنيين إلى المستقبل.
وإن كانت ترفع شعار دعم اليمن, و وحدته, وسلامة أراضيه, إلا أن الهدف من هذا هو تزييف وعي اليمنيين, وحرف بوصلة هذا العقل في اتجاه من يخادعنا و لصالحه, إلا أن ذلك أصبح عسيراً في عصر الوعي, والعلم, والتكنولوجيا, وإدراكنا لحقوقنا على هذه الأرض بعيداً عن وصاية أي أحد, فكان فرض الحصار على الحكومة و رئيس الجمهورية بعد استلاب الدولة, واختطاف البلد من قبل ميليشيات الحوثي المسلحة هي أخطر الأحداث التي هزت ثقة اليمنيين بوطنهم من ناحية, وأخلت بثقة العالم في هذا الشعب والوطن الكريمين من ناحية أخرى.
إلا أن خلاص رئيس الجمهورية من الحصار, وتحرره من الإقامة الجبرية إلى العيش في فضاء الوطن الحر في تاريخ 21 فبراير 2015 يمثل حدثاً عظيماً, إذ من شأنه إعادة ترتيب الأولويات السياسية, والأمنية انطلاقا من عدن, وبعيداً من الضغط, والفرض الميليشياوي, ليصبح القرار الوطني ممتلكاً لمعنى السيادة.
من أجل ذلك لابد أن تؤدي القوى السياسية الحية في المجتمع دورها الحقيقي في صنع القرار, والدفاع عنه, والتخلي عن موقع المتفرج أو المتشفي, لأن نتيجة ذلك صارت وخيمة, وإن استمر الموقف كما هو, فقد تصل الأحداث بالبلد إلى مالا تحمد عقباه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العملية السياسية لا تعني رئيس الجمهورية أو طرف سياسي بعينه, وإنما المسؤولية عامة وتقع على عاتق الجميع, وليس لاحدٍ من المكونات السياسية الانتظار أو الاتكاء لما سيحدث, ثم يحدد موقفه طبقاً للواقع الجديد, فهذه انتهازية سياسية ممقوتة, ومرفوضة, ومن يسلكها, ويجعلها منهجاً له لا يحصد إلا الخذلان, وكراهية الجماهير, ومقتهم.
أشعر أن المكونات السياسية بعد أن واجهت الخطر بالإقصاء إلى حد الإلغاء ; بحاجة إلى الوعي بالحقيقة الماثلة أن الوطن لا يمكن أن يكون إلا للجميع, ولذلك فإن مقاومة المشاريع الاختزالية للعملية السياسية في هذا البلد بالطريقة السلمية أصبحت حتمية, وضرورية, حتى لا نحتاج إلى 21فبراير جديد نخرج به من مآزق أو أزمات قد تحدث لا سمح الله . والمراد هنا هو العمل بوعي وفقاً للمصلحة الوطنية العليا, بتناغم مضمونه الحرص على إنفاذ إرادة الشعب باستكمال استحقاقات التسوية السياسية, وترجمة مخرجات الحوار الوطني على أرض الواقع, بالعمل على قاعدة التوافق وبقيادة الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي حتى نصل إلى تنفيذ الخطوات الأولى في بناء الدولة الجديدة بمناقشة, و إقرار الدستور الجديد عبر الاستفتاء عليه, وإجراء الانتخابات على طريق الدولة الاتحادية لليمن الواحد بعيداً عن المزايدات, واستهلاك وعي المواطنين في ما هو عَرَضي يتصل بمصالح فئة أو جماعة . و هنا لابد من التأكيد على إعلاء المصلحة الوطنية, من أجل الاقتراب إلى ما هو جوهري, والعمل به بما يعبر عن تطلعات المجتمع بمختلف فئاته, وشرائحه السياسية, والاجتماعية, والاقتصادية.
*كاتب يمني
/نقلا عن السياسة الحويتية/