علي حسين باكير
لم يكن من الصعب توقع الخطوة التالية التي ستقوم بها إيران، ذلك أن معرفة الخلفية الثقافية والتاريخية والمذهبية للنظام الحاكم في إيران والعقلية التي يدير بها سياساته الخارجية كفيل بأن يوصلك إلى الاستنتاج الصحيح.
في نهاية عام 2013، نشرت تقريرا في مركز الجزيرة للدراسات (الإنجليزي) تحدثت فيه عن مخاطر وانعكاسات اتفاق جنيف السيئ الذي توصل إليه الجانب الأميركي والجانب الإيراني في نوفمبر 2013. ومن بين الانعكاسات «المتوقعة» التي ذكرتها آنذاك لهذا الاتفاق أنه سيؤدي إلى إعادة صعود إيران ونفوذها الجيوبوليتيكي في المنطقة، وسيقوي من دور الحرس الثوري وأذرع إيران الإقليمية وميليشياتها الممتدة من صنعاء إلى بيروت، وسيطلق صراعا طائفيا في المنطقة.
خلال عام ونيف من هذا الاتفاق، تحقق كل ذلك حرفيا، ونرى اليوم الصراع الطائفي في أسوأ صوره، والمفارقة أنه حيثما وضعت نظرك رأيت العرب السنة يموتون، في سوريا، في العراق، في اليمن، في لبنان... إلخ، والغريب أن المجرم الأَقَلَّوِي يتمتع بحصانة تامة من الملاحقة والعقاب على جرائمه المرتكبة، بل يتم التنسيق معه إقليميا ودوليا، تحت شعار محاربة الإرهاب.
في ذلك التقرير الذي كتبته، ذكرت أن إيران ستتحول قريبا من الموت لأميركا إلى الموت للعرب، والمعادلة كانت بسيطة جدا، فقد ربى نظام الملالي أجياله على الحقد والكراهية ولطالما حركهم بأجندة سياسية فكانوا كالحمار يحمل أسفارا. لقد كانت شعارات الموت لأميركا (الشيطان الأكبر)، والموت لإسرائيل (الشيطان الأصغر) كالقناع الذي يلبسه المجرم على وجهه ليخفي ملامحه، وما أن وقعت إيران اتفاق جنيف، حتى خلعت القناع. لقد قام نظام الملالي آنذاك بحملة تنظيف للشوارع والمنشآت مزيلا هذه الشعارات، وما هي إلا أيام حتى جاء الأمر بالتوقف عن ترداد هذه الشعارات في الحسينيات والتجمعات، ولأن هذا الأمر خلق نوعا من الفراغ المستهجن والمستغرب لدى الأتباع، كان لا بد من استبدال هذه الشعارات بشعارات أخرى.
الشعار الذي اختاره الإيرانيون بعد ذلك بديلا لشعار «الموت لأميركا» و «الموت لإسرائيل» هو «الموت للتكفيريين»! وهو مصطلح كان الإيرانيون يقصدون به في البداية الوهابيين، ثم توسعوا فضموا إلى هذا المصطلح المعارضة السورية المسلحة، ثم بات يشمل العرب السنة! حتى إنهم ألغوا آنذاك مؤتمر مقاومة الصهيونية الذي أطلقه أحمدي نجاد، ووضعوا بدله سلسلة من المؤتمرات حول محاربة ما سموه «التكفيريين»، وخطر «التكفيريين على السلام العالمي»... إلخ، وجميعنا يذكر كيف أن سمفونية موحدة انطلقت من حناجر الوكلاء الإقليميين في لبنان (حسن نصرالله) وسوريا (الأسد) والعراق (المالكي) واليمن (الحوثي) تتحدث عن «الإرهاب» و «الإرهابيين» و «التكفيريين»، في وقت كان فيه كل هؤلاء يرتكبون المجازر بحق المدنيين.
هذه النقلة النوعية في الشعارات كانت مفيدة جدا للإيرانيين خاصة أن الشعار الجديد لم يكن دخيلا عليهم، إذ لطالما ردد أتباع الخميني شعار «الموت للعرب» في إيران ولبنان في الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي.
ترداد شعار «الموت لأميركا» كان من شأنه أن يعرض الاتفاق الجديد والتفاهمات الأميركية - الإيرانية التي قامت بناءً عليه للاهتزاز، وكذلك كان الأمر فيما يتعلق بـ «الموت لإسرائيل». لكن الخطير فيما بعد هو تحول شعار «الموت للتكفيريين» عملياً إلى سياسة لقتل العرب السنة في كل الساحات تحت ذريعة محاربة الإرهاب و «داعش» و «القاعدة».
ليس هذا فقط، فالأخطر من ذلك أن الولايات المتحدة رأت في هذه السياسة الإيرانية فرصة لتحقيق تقارب أكبر معها، صحيح أن اتفاق جنيف كان قد تم، وصحيح أن التعاون بين واشنطن وطهران كان يسير بشكل جيد، لكن إدارة أوباما أرادت محفزا (catalyst) يسرع هذا التعاون ويوسعه ويمتنه، فكان العرب السنة في المنطقة هم الضحية.
بعض المقربين من أوباما كانوا ينظرون إبان صعود نجم «داعش» وقبيل الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي، لسياسة تقول بأن محاربة «الإرهاب» هي المدخل للتقريب بين إيران وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وأن ذلك -إن تحقق- سيوفر على واشنطن عناء تبرير سياساتها الانفتاحية على نظام الملالي، كما سيحل الإشكالية الناجمة عن التعاون المتزايد مع طهران والتنافر المتزايد مع حلفائها في المنطقة لاسيما تركيا والسعودية.
عندما فشلت هذه المعادلة في تحقيق المراد، توجه الرئيس الأميركي إلى المقلب الآخر، تجاهل العوامل التي أدت إلى صعود «داعش» وأمثالها، لا بل تم ترك هذه العوامل تنمو وتكبر دون أي تدخل لأن إدارته كانت تراهن على ما يبدو على أن هذا الموضوع بالذات هو من سيكون المحفز المطلوب لعملية التطبيع الجارية مع إيران، وهو بالفعل ما يحصل الآن بشكل جلي في العراق وسوريا واليمن وحتى لبنان. وعلى هذا يتوسع التعاون الأميركي - الإيراني على جماجمنا يوما بعد يوم، تعدد المجرمون والضحية واحدة.?
? ? @ AliBakeer
/العرب القطرية/