عطيه عيسوى
أزمة اليمن لن تُحل بالشجب والتنديد أوبمقاطعة المفاوضات التى ترعاها الأمم المتحدة احتجاجاً على استيلاء الحوثيين على السلطة بالقوة المسلحة،فإما أن تقف القوى السياسية صفاً واحداً سياسياً وعسكرياً لإسقاط الإعلان الدستورى وتتفق بسرعة على مجلس رئاسى يدير شئون البلاد حتى إجراء انتخابات أو أن تقبل بخارطة الطريق التى وضعها الحوثى والتعامل معه مثل أى انقلاب عسكرى ومواصلة الضغط حتى يسلم السلطة لنظام حكم منتخب ديمقراطيا فى الموعد المحدد.فالتسويف وإطالة الجدل يعقد الأزمة أكثر ويعطى ذريعة لهم لاستلاب الحكم لفترة أطول.فما حدث لا يُلام عليه الحوثيون وحدهم وإنما أيضا القوى السياسية التى سوّفت ودخلت فى جدل بيزنطى حال دون الاتفاق على أعضاء مجلس رئاسى يخلف الرئيس المستقيل منصور هادى فاتخذها الحوثى ذريعة للانقضاض على السلطة.
هناك شبه إجماع على خطورة انقلاب الحوثيين على اليمن شماله وجنوبه، فالمبعوث الدولى جمال بن عمر وصف الوضع بالخطير جدا وقال إن اليمن على حافة الحرب الأهلية محملاً الجميع المسئولية بلجوء بعضهم الى العنف لتحقيق أغراض سياسية والبعض الآخر بالمناورة لعرقلة العملية السياسية.وبينما يرى البعض أن الانقلاب الحوثى قد يدفع الجنوبيين لاستشعار الخطر والتضامن مع الشماليين لإفشال مخطط الحوثيين، إلاّ أن استمرار الانقسام بين أغلبية شمالية رافضة للإعلان الدستورى وأقلية مؤيدة له قد يصيب الجنوبيين باليأس ويعجِّل بخطوات انفصال الجنوب الذى تسعى إليه كثير من قوى الحراك الجنوبى منذ ما قبل الانقلاب.كما يهدد الخطر وحدة شمال اليمن نفسه بإعلان محافظات وأقاليم مثل «الجند»،الذى يضم محافظتى تعز وإب،العصيان ورفض أى أوامر من صنعاء التى استولى عليها الحوثيون فى سبتمبر الماضي.وأعلنت محافظات الجنوب والشرق أيضا بقبائلها وقياداتها العسكرية والأمنية رفضها التعامل مع الحوثيين أوتلقى أوامر ممن يعينونهم فى المناصب العليا، وأكدت قبائل مأرب تمسكها بمقررات مؤتمر الحوار الوطنى وحذرت من أن الإعلان الدستورى قد يؤدى الى حرب أهلية.كما حذر المعارضون من أن ما أقدم عليه الحوثيون قد يعطى ذريعة لتنظيم داعش الدموى لإرسال بعض مسلحيه الى اليمن للتصدى للشيعة الزيديين لمنعهم من الهيمنة على بلد يعتنق الأغلبية العظمى من سكانه المذهب السُّني.
الحوثيون تذرعوا بفشل القوى السياسية فى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسى لإدارة شئون البلد،لكن هدفهم الحقيقى هو الإمساك بمقاليد الحكم لفرض رؤاهم وتنفيذ سياساتهم واستخدام الجيش فى السيطرة على المحافظات التى استعصت عليهم مثل مأرب، وظهر ذلك جليا فى استعانتهم باللواء 139 حرس جمهورى فى إخضاع مقاومة مسلحى القبائل فى مدينة البيضا بوسط اليمن للانطلاق منها الى محافظتى أبين ولحج الجنوبيتين بعد ساعات من اقتحام مقر الرئاسة وتعيين موال لهم مديراً لمكتب الرئيس، وإذا كانوا قد وافقوا على العودة الى التفاوض مع القوى السياسية الأخرى باستثناء الحزب الناصرى فذلك يرجع الى ضغط محلى وإقليمى ودولى وحتى لا يتهمهم أحد بإعاقة التوصل إلى حل، فقد أصروا على أن يجرى التفاوض فى ظل الإعلان الدستورى رغم مقاطعة أطراف ومطالبة أخرى بسحبه مما يؤكد عدم جديتهم وربما عدم رغبتهم فى أن تنجح المفاوضات حتى يمسكوا بمقاليد الحكم ويحققوا أغراضهم دون تحمل مسئولية فشلها بما فيها استخدام الجيش فى إخضاع القوى المعارضة بقوة السلاح حيث يوجد لهم أنصار داخل القوات المسلحة والشرطة.
معظم اليمنيين الذين يعتنقون المذهب السنى لن يقبلوا أن تحكمهم جماعة شيعية زيدية، لذلك سارعوا برفض الإعلان الدستورى وحل البرلمان وتشكيل لجنة ثورية للحفاظ على الأمن ونظموا احتجاجات وقاطعوا الحوثيين واستنفروا مسلحى القبائل للدفاع عن محافظاتهم فى الجنوب والشرق ضد ما وصفوه باغتصاب السلطة بقوة السلاح.ورصد المراقبون اثنى عشر حزباً وكياناً ثورياً وشبابياً وتجمعاً قبلياً تعارض الإعلان الدستوري، فى مقابل تأييد ثلاثة أحزاب وست منظمات حقوقية وقانونية فقط.وقد جاء الرفض الدولى والإقليمى لانقلاب الحوثيين بمثابة قوة للمعارضة اليمنية يجب أن تسارع باستغلالها لفرض وجهة نظرها كأغلبية وإحباط المخطط الحوثي.لكن ذلك قد لا يحدث إلا إذا نسّقوا تحركاتهم السياسية والعسكرية حتى تساندهم القوى الإقليمية والدولية، فقد اعتبر مجلس التعاون الخليجى الإعلان الدستورى انقلاباً على الشرعية وتصعيداً خطيراً مرفوضاً يهدد استقرار وأمن اليمن والمنطقة برمتها ورفضت الولايات المتحدة الاعتراف باستيلاء الحوثيين على السلطة، وطالبهم مجلس الأمن الدولى بالعودة الى الحوار والالتزام بالمبادرة الخليجية ومقررات الحوار الوطنى لحل الأزمة.كما أغلقت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبى سفاراتها وهدّد مسئول خليجى بإجراءٍ يفوق سحب السفراء إذا لم يتراجعوا عن مخططهم.
الوضع الاقتصادى فى اليمن لا يحتمل المزيد من الاحتراب. فالفقراء تبلغ نسبتهم 54% من الشعب، والذين لا يجدون الغذاء والماء بسهولة تصل نسبتهم إلى 45% وفقا لإحصاءات البنك الدولي.كما تكبّد الاقتصاد خسائر بلغت سبعة مليارات دولار بين عاميّ 2012 و2014 بسبب تخريب خطوط البترول والغاز وشبكات الكهرباء، وبدلاً من أن يحتفل اليمنيون بالذكرى الرابعة للثورة التى أطاحت بعلى صالح آملين فى مستقبل أكثر إشراقاً جاء كابوس الحوثيين وتخاذل السياسيين وشيوخ القبائل مهدداً بأيام أشدّ إظلاما.
/نقلا عن الاهرام/